الثلاثاء، 3 مارس 2015

جزء أول من ص240/لنهايته

ص -240-      رجوع الوفد إلى أبي طالب مرةً ثانيةً: ثم إنهم مَشَوْا إلى أبي طالب مرةً أخرى، فقالوا له: يا أبا طالب، إن لك سِنًّا وشرفًا ومنزلةً فينا، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تَنْهه عنا، وإنا والله لا نصبرُ على هذا من شَتْم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا، حتى تكفه عنا، أو ننازله وإياك في ذلك، حتى يهَلَك أحد الفريقين -أو كما قالوا له- ثم انصرفوا عنه، فعظم على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم، ولم يطب نفسًا بإسلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لهم ولا خِذلانه.
ما دار بين الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأبي طالب:
قال ابن إسحاق: وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخْنَس أنه حُدِّث: أن قريشًا حين قالوا لأبي طالب هذه المقالة، بعث إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال له: يابن أخي، إن قومَك قد جاءوني، فقالوا لي كذا وكذا، الذي كانوا قالوا له، فابق عليَّ وعلى نفسك، ولا تُحمّلْني من الأمر ما لا أطيق؛ قال: فظن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قد بدا لعمه فيه بَدَاءً1 أنه خاذله ومُسْلِمُه، وأنه قد ضَعُف عن نصرته والقيام معه. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عم، والله لو وضعوا الشمسَ في يميني، والقمرَ في يساري2 على أن أترك هذا الأمر حتى يُظهره الله، أو أهلك فيه ما تركته. قال: ثم استعبر رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فبكى ثم قام؛ فلما ولى ناداه أبو طالب، فقال: أقبلْ يابن أخي؛ قال: فأقبل عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: اذهبْ يابن أخي، فقلْ ما أحببتَ، فوالله لا أسْلمك لشيء أبدًا.
قريش تعرض عمارة بن الوليد على أبي طالب: قال ابن إسحاق: ثم إن قريشًا حين عرفوا أن أبا طالب قد أبى خذلانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسلامه، وإجماعه لفراقهم في ذلك وعداوتهم، مَشَوْا إليه بعُمارة بن الوليد بن المغيرة، فقالوا له -فيما بلغنى- يا أبا طالب، هذا عُمارةُ بن الوليد، أنْهدُ3 فتى في قريش وأجملُه، فخذه فلك عَقْلُه ونَصْرُه. واتخذْه ولدًا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي ظهر له رأي، فسمي الرأي بداء؛ لأنه شيء يبدو بعد ما خفي، والمصدر البدء والبدو، والاسم البداء، لا يقال في المصدر، بدا له بدو، كما لا يقال له ظهر ظهور بالرفع؛ لأن الذي يظهر، ويبدو ههنا هو الاسم، نحو البداء وأنشد أبو علي القالي:
لعلك والموعود حق وفاؤه                     بدا لك في تلك القلوص بداء
2 خص الشمس باليمن؛ لأنها الآية المبصرة، وخص القمر بالشمال؛ لأنها الآية الممحوَّة.
3 أنهد: أشد.

ص -241-      فهو لك وأسلمْ إلينا ابن أخيك هذا، الذي قد خالف دينَك ودينَ آبائك، وفرق جماعة قومك وسفَّه أحلامَهم، فنقتله، فإنما هو رجل برجل؛ فقال: والله لبئس ما تسومونني، أتعطونني ابنكم أغذُوه لكم، وأعطيكم ابني تقتلونه؟! هذا والله ما لا يكون أبدًا. قال: فقال المُطْعِم بن عدي بن نَوْفل بن عبد مناف بن قُصي: والله يا أبا طالب لقد أنصفك قومُك، وجهدوا على التخلص مما تكرهه، فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئًا؛ فقال أبو طالب للمطعم: والله ما أنصفوني، ولكنك قد أجمعتَ خذلاني ومظاهرة القوم عليَّ، فاصنع ما بدا لك، أو كما قَال. قال: فحقب الأمر1، وحميت الحربُ، وتنابذ القوم، وبادَى بعضُهم بعضًا.
شعر أبي طالب في المطعم ومن خذله: فقال أبو طالب عند ذلك، يعرض بالمطْعِم بن عَدِيّ، ويعم من خذله من بني عبد مناف، ومن عاداه من قبائل قريش، ويذكر ما سألوه، وما تباعد من أمرهم:
ألا قل لعمرو والوليدِ ومُطْعِم                    ألا ليت حظِّي من حياطتِكم بكرُ2
من الخُور حَبْحَاب كثيرٌ رُغاؤه                  يُرَشُ على الساقَيْن من بولِه قطر3
تَخلّف خالفَ الوِرْدِ ليس بلاحق               إذا ما علا الفَيْفاء قيل له وَبْرُ4
أرى أخويْنَا من أبينا وأمِّنا    إذا سُئلا قالا إلى غيرِنا الأمرُ
بلَى لهما أمر ولكن تَجَرجَمَا كما              جُرْجِمَتْ من رأسِ ذي عَلَقٍ صخرُ5
أخُصُّ خصوصًا عبدَ شمس ونوْفلًا            هما نبذانا مثلَ مايُنبَذُ الجمرُ
هما أغمزَا القومَ في أخَوَيْهما                 فقد أصبحا منهم أكفُّهما صِفْرُ6

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 حقب: اشتد.
2 يريد أن يقول: إن بكرًا من الإبل أنفع لي منكم، فليته لي بدلا من حياطتكم ذلك، كما قال طرفة في عمرو بن هند:
فليت لنا مكان الملك عمرو           رغوثًا حول قبتنا تخور
3 الخور: الضعاف، والحبحاب: الصغير.
4 الوبر: دويبة صغيرة تشبه الهرة شبهه بها لصغره.
5 تجرجم: انحدر، وذو علق: جبل في بني أسد.
6 أغمز: استضعف. والصفر: الخالي.

ص -242-                   هما أشركا في المجدِ من لا أبا له من الناسِ إلا أن يُرَسَّ له ذِكْرُ1
وتَيْم ومخزوم وزُهرة منهمُ    وكانوا لنا مَوْلى إذا بُغيَ النصرُ
فواللهِ لا تنفكُّ منا عَداوةٌ ولا                    منهمُ ما كان من نَسْلِنا شَفْر2
فقد سَفُهَتْ أحلامُهم وعقولُهم               وكانوا كجَفْر بئسَ ما صنعتْ جَفْرُ
قال ابن هشام: تركنا منها بيتين أقذع فيهما.
قريش تُظهر عداوتها للمسلمين: قال ابن إسحاق: ثم إن قريشًا تذامروا بينَهم على من في القبائل من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذين أسلموا معه، فوثبت كلُّ قبيلة على مَنْ فيهم من المسلمين يعذبونهم، ويفتنونهم عن دينهم، ومنع اللهُ رسولَه -صلى الله عليه وسلم- منهم بعمِّه أبي طالب، وقد قام أبو طالب، حين رأى قريشًا يصنعون ما يصنعون في بني هاشم وبني المطلب فدعاهم إلى ما هو عليه، من مَنْع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والقيام دونَه؛ فاجتمعوا إليه، وقاموا معه وأجابوه إلى ما دعاهم إليه، إلا ما كان من أبي لهب، عدو الله الملعون.
شعر أبي طالب في مدح قومه لنصرته: فلما رأى أبو طالب من قومه ما سرَّه في جهدهم معه، وحَدَبهم عليه، جعل يمدحهم ويذكر قديمهم، ويذكر فضلَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيهم، ومكانَه منهم، ليشد لهم رأيهم، وليَحْدَبوا معه على أمره، فقال:
إذا اجتمعتْ يومًا قريش لمفخر                فعبدُ منافٍ سِرُّها وصميمُها3
وإن حُصِّلت أشرافُ عبد منافها                ففي هاشمٍ أشرافُها وقديمُها
وإن فخَرَتْ يومًا فإن محمدًا هو                المصطَفى من سرِّها وكريمها
تداعتْ قريش غَثُّها وسمينُها                  علينا فلم تَظْفَرْ وطاشتْ حلومُها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يرس: يذكر.
2 شفر: أحد.
3 سرها: وسطها، وسر الوادي وسرارته وسطه وذلك مدح في موضعين في وصف الشهود وفي النسب.
ص -243-                   وكنا قديمًا لا نُقِرُّ ظلامةً           إذا ما ثَنَوْا صعْرَ الخدودِ نقيمُها1
ونحمي حِماها كل يومٍ كريهةٍ                 ونضربُ عن أحجارِها من يرومُها
بنا انتعش العُود الذوَاء وإنما                    بأكنافِنا تندَى وتَنْمى أرُومُها2
الوليد بن المغيرة: كيده للرسول، وموقفه من القرآن
ثم إن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش، وكان ذا سِن فيهم، وقد حضر الموسم فقال لهم: يا معشرَ قرَيش، إنه قد حضر هذا الموسم، وإن وفود العرب ستقدَمُ عليكم فيه، وقد سمعوا بأمرِ صاحبِكم هذْا، فأجمعوا فيه رأيًا واحدًا، ولا تختلفوا فيكذِّب بعضُكم بعضًا، ويردّ قولُكم بعضَه بعضًا؛ قالوا: فأنت يا أبا عبد شمس، فقل وأقم لنا رأيًا نقول به؛ قال: بل أنتم فقولوا أسمع؛ قالوا: نقول كاهن؛ قال: لا والله ما هو بكاهن، لقد رأينا الكهان فما هو بَزَمْزَمة3 الكاهن ولا سَجْعه؛ قالوا: فنقول: مجنون؛ قال: ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون وعرفناه، فما هو بخَنْقه، ولا تخالجه، ولا وسوسته؛ قالوا: فنقول: شاعر؛ قال: ما هو بشاعر، لقد عرفنا الشعر كله رجَزَه، وهَزَجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه، فما هو بالشعرة قالوا: فنقول: ساحر؛ قال: ما هو بساحر، لقد رأينا السُّحَّار وسحرَهم، فما هو بنَفْثِهم ولا عَقْدِهم4 قالوا؛ فما نقول يا أبا عبد شمس؛ قال: والله إن لقوله لحلاوةً وإن أصلَه لعَذْقٍ، وإن فرعه لجَناة -قال ابن هشام: ويقال لغَدْق5 -وما أنتم بقائلين من هذا شيئًا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ثنوا: عطفوا. وصعَّر خده: أماله إلي جهة مثل فعل المتكبر.
2 الذواء: الذي جفت رطوبته. الأروم: مفرده أرمة وهي الأصل.
3 زمزمة الكاهن: كلامه الخفي.
4 العقد والنفث: هو أن يعقد الساحر خيطًا وينفث فيه بفمه.
5 قول الوليد: إن أصله لعذق، وإن فرعه لجناة. استعار من النخلة التي ثبت أصلها، وقوي وطاب فرعها إذا جني، والنخلة هي: العَذق بفتح العين، ورواية ابن إسحاق أفصح من رواية ابن هشام؛ لأنها استعارة تامة يشبه آخر الكلام أوله، ورواية ابن هشام: إن أصله لغدق، وهو الماء الكثير، ومنه يقال: غيدق الرجل إذا كثر بصاقه. وأحد أعمام النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يسمى: الغيداق لكثرة عطائه، الغيدق أيضًا ولد الضب، وهو أكبر من الحسل، قاله قطرب في كتاب الأفعال والأسماء له.
ص -244-      إلا عُرف أنه باطل، وإن أقرب القول فيه؛ لأن تقولوا ساحر، جاء بقول هو سحر يفرِّق به بين المرءِ وابنه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وعشيرته. فتفرقوا عنه بذلك، فجعلوا يجلسون بسُبُل الناس حين قدموا الموسم، ولا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه، وذكروا لهم أمره. فأنزل الله تعالى في الوليد بن المغيرة في ذلك من قوله: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا، وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا، وَبَنِينَ شُهُودًا، وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا، ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ، كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآياتنَا عَنِيدًا} [المدثر:11-16]، أي خصيمًا.
قال ابن هشام: عنيد: معاند مخالف. قال رؤبة بن العجاج:
ونحن ضرَّابون رأسَ العُنَّد
وهذا البيت في أرجوزة له.{سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا، إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ، فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ، ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ، ثُمَّ نَظَرَ، ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ}، [المدثر: 17-22].
قال ابن هشام: بسر: كرَّه وجهه. قال العَجَّاج:
مُضبَّر اللَّحْيين بَسْرًا مِنْهَسا1
يصف كراهية وجهه. وهذا البيت في أرجوزة له.{ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ، فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ، إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر: 23-25].
رد القرآن على صحب الوليد: قال ابن إسحاق: وأنزل الله تعالى في رسوله -صلى الله عليه وسلم- وفيما جاء به من الله تعالى وفي النفر الذين كانوا معه يصنِّفون القول في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفيما جاء به من الله تعالى:
{كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ، الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ، فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، [الحجر: 90-93].
قال ابن هشام: واحدة العِضين: عِضَة، يقول: عَضَّوْه: فرقوه. قال رُؤبة بن العُجاج:
وليس دينُ الله بالمعضَّى
وهذا البيت في أرجوزة له.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المضبر: الشديد. واللحيان عظمان في الوجه. والنهس: أخذ اللحم بمقدم الأسنان.

ص -245-      قال ابن إسحاق: فجعل أولئك النفر يقولون ذلك في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمن لقوا من الناس، وصدرت العربُ من ذلك الموسم بأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فانتشر ذكرُه في بلادِ العربِ كلِّها.
شعر أبي طالب في معاداة خصومه: فلما خشي أبو طالب دَهْماءَ العرب أن يركبوه مع قومه، قال قصيدته التي تعوَّذ فيها بحرم مكة وبمكانه منها، وتودد فيها أشرافَ قومه، وهو على ذلك يُخبرهم وغيرَهم في ذلك من شعره أنه غير مُسْلِم رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- ولا تاركه لشيء أبدًا حتى يهلك دونَه،فقال:
ولما رأيتُ القومَ لا وُدَّ فيهمُ           وقد قطعوا كلَّ العُرَى والوسائل
وقد صارحونا بالعداوةِ والأذَى           وقد طاوعوا أمرَ العدوِّ المزايل
وقد حالفوا قومًا علينا أظِنَّةً            يَعَضُّونَ غَيْظًا خلفَنا بالأناملِ
صبرتُ لهم نفسي بسمراء سَمْحة                   وأبيضَ عَضْب من تُراث المقاولِ1
وأحصرتُ عندَ البيت رهطي وإخوتي                  وأمسكتُ من أثوابِه بالوصائلِ2
قيامًا معًا مستقبلين رِتاجَه لدى     حيثُ يَقْضي حلفه كل نافلِ3
وحيثُ يُنيبخ الأشعرون ركابَهم       بمُفْضّي السيولِ من إسافَ ونائل
مُوَسَّمة الأعضادِ أو قَصَراتها           مُخَيَّسة بينَ السَّديس وبازلِ4

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أراد بالمقاول: آباءه، شبههم بالملوك، ولم يكونوا ملوكًا، ولا كان فيهم من ملك بدليل حديث أبي سفيان حين قال له هرقل: هل كان في آبائه من ملك؟ فقال: لا. ويحتمل أن يكون هذا السيف الذي ذكره أبو طالب من هبات الملوك لأبيه، فقد وهب ابن ذي يزن لعبد المطب هبات جزلة حين وفد عليه مع قريش، يهنئونه بظفره بالحبشة، وذلك بعد مولد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعامين. "روض: 2/ 22".
2 الوصائل: يثاب مخططة حمراء، كان يكسى بها البيت الحرام.
3 النافل: المبرئ.
4 موسمة: معلمة، ويقال للموسم الذي في الأعضاد: السطاع والرقمة، والذي في الفخذ: الخياط، وفي الكشح: الكشاح، والذي في قصرة العنق: العلاط، والقصرات: أطول الأعناق، والمخيسة: المذللة. والسديس: الذي دخل في السنة السادسة. والبازل: الذي دخل في التاسعة فخرج نابه.

ص -246-                     ترى الوَدْع فيها والرخامَ وزينةً  بأعناقِها معقودةً كالعثاكلِ
أعوذ بربِّ الناسِ من كل طاعن                  علينا بسوءٍ أو مُلح بباطلِ
ومن كاشحٍ يسعَى لنا بمعيبة                  ومن مُلْحِقٍ في الدين ما لم نُحاولِ
وثَوْرٍ ومن أرسَى ثَبيرًا مكانَه    وراقٍ ليرقى في حِراءَ ونازلِ2
وبالبيتِ، حقّ البيتِ، من فيِ مكة             وباللهِ إن اللهَ ليس بغافِل
وبالحجرِ المسْوَدّ إذ يمسحونه                   إذا اكتنفوه بالضُّحَى والأصائل
وموطئ إبراهيمَ في الصخرِ رطبة                على قدميْه حافيًا غير ناعلِ3
وأشْواط بينَ المروَتَيْن إلى الصَّفَا                وما فيهما من صُورةٍ وتَماثلِ4
ومن حجَّ بيتَ اللهِ من كلِّ راكبٍ                 ومن كلِّ ذي نَذرٍ ومن كل راجل
وبالمشْعَرِ الأقْصَى إذا عَمدوا له                 إلالٌ إلى مفْضَى الشِّراجِ القوابلِ5
وتَوْقافِهم فوقَ الجبالِ عَشِيّةً                     يُقيمون بالأيدي صدورَ الرواحلِ
وليلةِ جَمْعٍ والمنازلِ من مِنى                   وهل فوقها من حُرْمة ومنازلِ6

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الودع: خزرات يتحلى بها الصبيان: والعثاكل الأغصان.
2 ثور وثبير وحراء: جبال بمكة.
3 موطئ إبراهيم في الصخر رطبة. يعني موضع قدميه حين غسلت كنته "زوج ابنه" رأسه، وهو راكب، فاعتمد بقدمه على الصخرة حين أمال رأسه ليغسل، وكانت سارة قد أخذت عليه عهدا حين استأذنها في أن يطالع تركته بمكة، فحلف لها أنه لا ينزل عن دابة، ولا يزيد على السلام، واستطلاع الحال غَيرة من سارة عليه من هاجر، فحين اعتمد على الصخرة أبقى الله فيها أثر قدميه آية. قال الله سبحانه:
{فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ}، [آل عمران: 97].
4 الأشواط: جمع شوط، الجري من البداية إلى الغاية مرة واحدة و المرتين الصفا والمروة فهو من باب التغليب كالأبوين للأب والأم. والتماثل: التماثيل أسقط ياءها ضرورة.
5 المشعر: عرفة. الإل: جبل بعرفات. والشراج: جمع شرج وهو مسيل الماء. والقوابل: المقابلة.
6 جمع: المزدلفة.
ص -247-                     وجَمْعٍ إذا ما المُقْرَبات أجَزْنَه    سِراعا كما يخرجنَ من وقعِ وابلِ1
وبالجمرةِ الكبرى إذا صَمدوا لها                  يَؤُمُّون قذفًا رأسَها بالجَنادلِ
وكِندةَ إذ هُم بالحِصاب عشية                   تُجيز بهم حُجاجُ بكرِ بنِ وائلِ2
حليفان شدَّا عَقْدَ ما احتلفا له                 وردَّا عليه عاطفاتِ الوسائل
وحَطْمِهم سُمرَ الرماحِ وسرحه                  وشِبْرِقَه وَخْدَ النعامِ الجوافلِ3
فهل بعد هذا من مَعَاذٍ لعائذ                     وهل من مُعيذٍ يتقي اللهَ عاذل
يُطاع بنا أمرُ العدوِّ ودَّ أننا       تُسدُّ بنا أبوابُ تُركٍ وكابلِ4
كذبتمْ وبيتِ الله نترك مكة     ونَظْعنُ إلا أمرُكمِ في بلابلِ5
كذبتم وبيتِ الله نُبْزي محمدًا                    ولمَّا نطاعنْ دونه ونناضل6
ونسلمه حتى نُصَرَّع حوله     ونُذْهَل عن أبنائِنا والحلائل
وينهض قوم في الحديد إليكمُ                   نهوضَ الرَّوايا تحتَ ذات الصلاصل7
وحتى ترى ذا الضَّغْنِ يركب رَدْعَه               من الطَّعنِ فعلَ الأنْكَبِ المتحَامِلِ8
وإما لعَمْرُ الله إن جَدَّ ما أرى    لتَلْتَبِسَنْ أسيافُنا بالأماثل
بكَفَّيْ فتى مثل الشهاب سَمَيْدعٍ             أخى ثقةٍ حامي الحقيقةِ باسل9

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المقربات: الخيل الكريمة التي تقرب مرابطها من البيوت. الوابل: المطر الشديد.
2 الحصاب: مكان رمي الجمار.
3 الحطم: الكسر: والسمر: من شجر الطلح. والسرح: الشجر العظام، والشبرق: نبات. والوخد: السريع. والجوافل: المسرعة.
4 ترك وكابل: جيلان من الناس.
5 البلابل: وساوس الهموم.
6 نبزي: نسلب ونغلب.
7 الروايا: الإبل تحمل الماء. والصلاصل: المزادات يسمع لها صلصلة.
8 الضغن: العداوة، ويركب ردعه: يخر على وجهه صريعا. والأنكب: المائل.
9 السميدع: السيد من الرجال.
ص -248-                      شهورًا وأيامًا وحولًا مُجَرَّما     علينا وتأتي حِجَّةٌ بعدَ قابل1
وما تركُ قومٍ، لا أبا لك، سيدا                     يحوط الذِّمارَ غير ذَرْب مُوَاكِل2
وأبيضُ يُستسقَى الغمامُ بوجهه                ثمالُ اليتامى عِصْمةٌ للأرامل3
يلوذُ به الهُلاَّف من آلِ هاشم                     فهم عندَه في رَحْمةٍ وفواضلِ
لَعَمْري لقد أجرى أسَيد وبَكْرُه                    إلى بُغضِنا وجزّآنا لآكل
وعثمانُ لم يَرْبع علينا وقُنفُذ    ولكن أطاعَا أمرَ تلك القبائلِ4
أطاعا أبَيًّا وابنَ عبدِ يغوثِهم     ولم يَرْقُبا فينا مَقالةَ قائل
كما قد لَقِينا من سُبَيْعٍ ونوْفلٍ                    وكل تولَّى مُعْرِضًا لم يجامل
فإن يُلْقيا أو يُمكن اللهُ منهما                     نَكِلْ لهما صاعًا بصاعِ المُكايل
وذاك أبو عمرو أبي غيرَ بُغْضِنا                     ليظْغنا في أهلِ شاءٍ وجاملِ5
يناجي بنا في كلِّ مَمْسَى ومُصْبَح             فناجِ أبا عمرو بنا ثم خاتِل
ويُؤْلى لنا باللهِ ما إن يَغُشنا    بَلى قد نراه جهرةً غيرَ حائلِ6
أضاق عليه بغضُنا كلَّ تَلْعَةٍ      من الأرضِ بين أخْشُبٍ فمجادِلِ7
وسائلْ أبا الوليدِ ماذا حَبَوْتَنا    بِسَعْيِك فينا معْرِضًا كالمخاتِل
وكنتَ امرأ ممن يُعاش برأيِه     ورحمتِه فينا ولست بجاهلِ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المجرم: الكامل.
2 الذمار: الحي. والذرب: الفاحش المنطق. المواكل: من يكل أمره إلى غيره.
3 ثمال اليتامى، أي: يثملهم، ويقوم بهم.
4 لم يربع: لم يقم.
5 الجامل: جماعة الجمال.
6 يؤلى: يقسم.
7 التلعة: ما شرف من الأرض. والأخشب: أراد الأخاشب وهي جبال مكة وجاء به على أخشب؛ لأنه في معنى أجبل، مع أن الاسم قد يجمع على حذف الزوائد ويصغر كذلك، والمجادل: القصور والحصون في رءوس الجبال. كأنه يريد ما بين جبال مكة فقصور الشام والعراق، والفاء في مجادل تعطى الاتصال بخلاف الواو كقوله: "بين الدَخول فحومل".
ص -249-                  فعتبةُ لا تسمعْ بنا قولَ كاشحٍ    حسودٍ كذوبٍ مُبْغِضٍ ذي دَغَاوِلِ1
ومَرَّ أبو سفيان عني مُعْرِضًا                  كما مَرَّ قَيْلٌ من عِظامِ المَقاوِلِ
يَفِر إلى نَجْدٍ وبَرْدِ مياهِه     ويزعُم أنني لستُ عنكم بغافلِ
ويخبرُنا فِعْلَ المُناصِح أنه     شفيق ويُخفى عارماتِ الدواخل2
أمِطْعمُ لم أخْذُلْك في يومِ نجدةٍ             ولا مُعْظِم عندَ الأمورِ الجلائل
ولا يومَ خَصْمٍ إذا أتوك ألِدَّةً                     أولِى جَدَل من الخصومِ المَساجل3
أمُطْعِمُ إن القومَ ساموك خُطَّةً               وإني متىِ أوكَلْ فلستُ بوائلِ4
جزى اللهُ عنا عبدَ شمسٍ ونَوْفَلًا             عقوبةَ شر عاجلًا غيرَ آجل
بميزانِ قِسْطٍ لا يُخَسُّ شعيرةً                له شاهدٌ من نفسِه غيرَ عائل5
لقد سَفُهتْ أحلامُ قومٍ تبدَّلوا                بني خلفٍ قَيْضًا بنا والغَياطل6
ونحنُ الصميمُ من ذؤابةِ هاشم              وآل قُصَيٍّ في الخُطوبِ الأوائل
وسهمٌ ومخزوم تمالوا وألَّبُوا                   علينا العِدَا من كلِّ طِمْل وخاملِ7
فعبدُ مناف أنتم خيرُ قومِكم                   فلا تُشركوا في أمرِكم كلَّ واغِلِ8
لعَمْري لقد وهنتمُ وعَجَزْتم                    وجئتم بأمر مُخْطئ للمفاصلِ9

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الدغاول: الغوائل.
2 العارمات: الشديدات والدواخل التمائم.
3 المساجل: من يعارض في الخصومة.
4 سامه خطة: كلفه بها. والوائل: الناجي.
5 العائل: الحائر.
6 القيض: العوض، والغياطل: بنو سهم؛ لأن أمهم الغيطلة، وقد نسبها، وقيل: إن بني سهم سمرًا بالغياطل؛ لأن رجلا منهم قتل جانا طاف بالبيت سبعًا، ثم خرج من المسجد فقتله، فأظلمت مكة، حتى فزعوا من شدة الظلمة التي أصابتهم. والغيطلة: الظلمة الشديدة، والغيطلة أيضًا: الشجر الملتف، والغيطلة: اختلاط الأصوات، والغيطلة: البقرة الوحشية، والغيطلة: غلبة النعاس.
7 الطمل: الفاحش.
8 الواغل: الهاجم على القوم في شرابهم ولم يدع.
9 مخطئ للمفاصل: بعيد عن الصواب.
ص -250-                     وكنتم حديثًا حَطْبَ قدرٍ وأنتم الـ          ـآن حِطابُ أقدُرٍ ومَراجل
ليَهْنِئْ بني عبد مناف عقوقُنا                   وخذلانُنا وتركُنا في المعَاقلِ
فإن نك قومًا نَثئِر ما صنعتمُ    وتَحتلبوها لِقْحَةً غيرَ باهلِ1
وسائط كانت في لُؤيِّ بن غالبٍ                 نفاهم إلينا كلُّ صقر حُلاحِل2
ورهط نُفَيل شَرُّ مَنْ وطئَ الحصىَ              وألأم حافٍ مِنْ مَعد ونَاعل
فأبلغْ قُصيا أن سيُنشر أمرُنا                     وبَشِّر قصيًّا بعدَنا بالتخاذل
ولو طرَقت ليلًا قُصيًّا عظيمةٌ    إذا ما لجأنا دونَهم في المَداخلِ
ولو صَدقوا ضَرْبًا خلالَ بيوتِهم                     لكنَّا أسًى عندَ النساءِ المَطافِل3
فكلُّ صديقٍ وابنِ أختٍ نعدُّه    لَعَمْري وَجَدْنا غِبَّه غيرَ طائل
سوى أنَّ رهطًا من كلابِ بنِ مُرة               بَراء إلينا من معقَّةِ خاذلِ4
وهَنَّا لهم حتى تبددَّ جمعُهم                    ويَحْسُر عنا كل باغٍ وجاهلِ
وكان لنا حوضُ السقايةِ فيهمُ                   ونحنُ الكُدى من غالبٍ والكَواهلِ5
شباب من المطيِّبين وهاشمٍ                   كبِيضِ السيوفِ بينَ أيدِي الصَّياقِل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 نثئر: نأخذ بثأرنا. واللقحة: الناقة ذات اللبن والباهل: الناقة المباحة للحلب.
2 الحلاحل: السيد الشجاع.
3 الأسى: جمع أسوة، والمطافل: ذوات الأطفال.
4 براء إلينا من معقة خاذل. يقال قوم براء وبراء بالفتح، وبراء بالكسر، فأما براء بالكسر فجمع بريء، مثل كريم وكرام، وأما براء فمصدر، مثل سلام والهمزة فيه وفي الذي قبله لام الفعل، ويقال: رجل براء ورجلان براء، وإذا كسرتها أو ضممتها لم يجز إلا في الجمع، وأما براء بضم الباء: فالأصل فيه برءاء مثل كرماء فاستثقلوا اجتماع الهمزتين، فحذفوا الأولى، وكان وزنه فعلاء، فلما حذفوا التي هي لام للفعل صار وزنه فعاء، وانصرف لأنه أشبه فعالا، والنسب إليه إذا سميت به، براوى، والنسب إلى الآخرين بَرائي وبِرائي، وزعم بعضهم إلى أن بُراء بضم أوله من الجمع الذي جاء على فُعال، ومنها هذه الألفاظ، فرير وفرار وعرن وعران.
5 الكُدى: جمع كُدية، وهي الصخرة العظيمة، والكواهل جمع كاهل: وهو سند القوم.
ص -251-                 فما أدركوا ذَحْلًا ولا سفكوا دمًا    ولا حالفوا إلا شِرارَ القبائل
بضرْبٍ ترى الفِتيانَ فيه كأنهم                ضَوَارِي أسودٍ فوق لحمٍ خَرادِلِ1
بني أمَةٍ محبوبةٍ هِنْدِكيَّةٍ                     بني جُمَح عُبَيْد قيسِ بنِ عاقلِ2
ولكننا نسل كرامٌ لسادة    بهم نُعِيَ الأقوامُ عندَ البَواطلِ
ونعم ابنُ أختِ القومِ غيرَ مُكَذَّبٍ            زُهَير حُسامًا مُفْرَدًا من حَمائل
أشَمُّ مِنَ الشُّمِّ البهاليلِ ينتَمِي            إلى حسب في حَوْمةِ المجدِ فاضل
لعَمْري لقد كُلفتُ وَجْدًا بأحمد               وإخوتِه دَأبَ المحِبِّ المواصلِ
فلا زال في الدنيا جمالًا لأهلِها              وزَيْنًا لمن والاه ربُّ المَشاكلِ
فمن مِثلُه في الناس أيُّ مُؤَمَّلٍ             إذا قاسه الحكامُ عندَ التفاضلِ
حليم رشيدٌ عادل غيرُ طائشٍ               يوالي إلاهًا ليسَ عنه بغافلِ
فواللهِ لولا أن أجيءَ بسُبَّةٍ                    تُجَرُّ على أشياخِنا في المحافلِ
لكنا اتبعناه على كلِّ حالة                    من الدهرِ جِدًّا غير قولِ التهازلِ
لقد علموا أن ابنَنا لا مُكذَّبٌ                  لدينا ولا يُعْنَى بقوْلِ الأباطل
فأصبح فينا أحمد في أرومةٍ                  تُقَصِّر عنه سَوْرةُ المتطاولِ3
حَدِبْتُ بنفسي دونَه وحَميْتُه                ودافعتُ عنه بالذُّرَا والكَلاكِلِ4
فأيده ربُّ العبادِ بنصرِه       وأظهرَ دينًا حقُّه غيرُ باطلِ
رجال كرام غيرُ ميلٍ نَماهُمُ                   إلى الخيرِ آباء كرامُ المحاصلِ5
فإن تكُ كعب من لُؤي صُقَيْبة                فلا بُدّ يومًا مرةً من تَزايُلِ6

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الخرادل: القطع العظمية.
2 الهندكي: منسوب إلى الهند.
3 السورة: الشدة والبطش.
4 حدبت: عطفت. والذرا: جمع ذروة، أعلى ظهر البعير. والكلاكل: عظام الصدور.
5 الميل: جمع أميل وهو الذي لا يحسن الركوب.
6 صقيبة: قريبة.
ص -252-      قال ابن هشام: هذا ما صح لي من هذه القصيدة، وبعض أهل العلم بالشعر ينكر أكثرها.
الرسول عليه السلام يستسقي لأهل المدينة ويود لو أن أبا طالب حي ليرى ذلك: قال ابن هشام: وحدثني من أثق به، قال: أقحط أهلُ المدينة، فأتَوْا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فشكوا ذلك إليه، فصعد رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- المنبر فاستسقى1 فما لبث أن جاء من المطر ما أتاه أهلُ الضواحي2 يشكون منه الغرق؛ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:
"اللهم حوالينا ولا علينا"3، فانجاب السحاب عن المدينة فصار حواليها كالإكليل، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لو أدرك أبو طالب هذا اليوم لسره"، فقال له بعض أصحابه: كأنك يا رسول الله أردت قوله:
وأبيضُ يُسْتَسْقَى الغمامُ بوجهِه                  ثمالُ اليتامى عصمة للأراملِ
قال: "أجل".
قال ابن هشام: وقوله "وشبرقة" عن غير ابن إسحاق.
ذكر الأسماء التي وردت في قصيدة أبي طالب: قال ابن إسحاق: والغياطل: من بني سهم بن عمرو بنْ هَصيص، وأبو سفيان بن حرب بن أمية. ومُطْعِم بن عَدِيِّ بن نوفل بن عبد مناف. وزُهير بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عُمر بن مخزوم، أمه عاتكة بنت عبد المطلب. قال ابن إسحاق: وأسيد، وبِكْره: عَتَّاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي. وعثمان بن عُبيد الله، أخو طلحة بن عُبيد الله التيْمي. وقنفذ بن عُمَير بن جُدْعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تَيْم بن مرة. وأبو الوليد عتبة بن ربيعة. وأبو الأخنس بن شريق الثقفي، حليف بني زُهرة بن كلاب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 حديث الاستسقاء بالمدينة حديث مروي من طرق كثيرة وبألفاظ مختلفة.
2 الضواحي: جمع ضاحية، وهي الأرض البراز التي ليس فيها ما يكن من المطر، ولا منجاة من السيول، وقيل: ضاحية كل بلد، خارجه.
3 وقوله عليه السلام:
"اللهم حوالينا، ولا علينا" كقوله في حديث آخر: "اللهم منابت الشجر، وبطون الأودية، وظهور الآكام"، فلم يقل: اللهم ارفعه عنا هو من حسن الأدب في الدعاء؛ لأنها رحمة الله، ونعمته المطلوبة منه، فكيف يطلب منه رفع نعمته، وكشف رحمته، وإنما يسئل سبحانه كشف البلاء، والمزيد من النعماء، ففيه تعليم كيفية الاستسقاء.

ص -253-      قال ابن هشام: وإنما سمي الأخنس؛ لأنه خنس بالقوم يوم بدر، وإنما اسمه أبيّ، وهو من بني علاج، وهو عِلاج بن أبي سلمة بن عَوْف بن عقبة. والأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زُهرة بن كلاب. وسُبيع بن خالد، أخو بَلْحَارث بن فهر. ونَوْفل بن خُوَيْلد بن أسد بن عبد العُزَّى بن قصي، وهو ابن العدوية. وكان من شياطين قريش، وهو الذي قرن بين أبي بكر الصديق وطلحة بن عُبَيْد الله رضي الله عنهما في حبل حين أسلما، فبذلك كانا يسميان القرينين؛ قتله علي بن أبي طالب عليه السلام يوم بدر. وأبو عمرو قُرْظة بن عبد عمرو بن نوفل بن عبد مناف. "وقومٌ علينا أظنَّة": بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة، فهؤلاء الذين عدَّد أبو طالب في شعره من العرب.
انتشار ذكر الرسول خارج مكة: فلما انتشر أمرُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في العرب، وبلغ البلدان، ذُكر بالمدينة، ولم يكن حي من العرب أعلم بأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين ذُكر، وقبل أن يُذكر من هذا الحي من الأوس والخزرج، وذلك لما كانوا يسمعون من أحبار اليهود، وكانوا لهم حلفاء، ومعهم في بلادِهم. فلما وقع ذكره بالمدينة، وتحدثوا بما بين قريش فيه من الاختلاف. قال أبو قيس بن الأسْلَت1، أخو بني واقف:
نسب ابن الأسلت: قال ابن هشام: نسب ابنُ إسحاق أبا قيس هذا ههنا إلى بني واقف، ونسبه في حديث الفيل إلى خَطْمة؛ لأن العرب قد تنسب الرجل إلى أخي جده الذي هو أشهر منه.
قال ابن هشام: حدثني أبو عُبَيدة: أن الحكم بن عمرو الغِفارى من ولد نُعَيْلة أخي غِفار وهو غِفار بن مُلَيْل، ونُعَيلة بن مُلَيل بن ضَمْرة بن بكر بن عبد مناة، وقد قالوا عتبة بن غزوان السُّلَمي وهو من ولد مازن بن منصور وسُلَيْم بن منصور.
قال ابن هشام: فأبو قيس بن الأسلت: من بني وائل؛ ووائل، وواقف، وخَطْمة إخوة من الأوس.
شعر ابن الأسلت في الدفاع عن الرسول -صلى الله عليه وسلم: قال ابن إسحاق: فقال أبو قيس بن الأسلت: وكان يحب قريشًا، وكان لهم صهرًا، كانت عنده أرنب بنت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 واسم الأسلت عامر، والأسلت شديد فطس الأنف.

ص -254-      أسد بن عبد العُزَّى بن قُصي، وكان يقيم عندهم السنين بامرأته قصيدة يعظم فيها الحرمة، وينهى قريشًا فيها عن الحرب، ويأمرهم بالكف بعضهم عن بعض، ويذكر فضلَهم وأحلامَهم، ويأمرهم بالكفِّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ويذكِّرهم بلاءَ الله عندهم، ودفعه عنهم الفيل وكيده عنهم، فقال:
يا راكبًا إما عَرَضتَ فبلِّغنْ                     مُغَلغلَةً عني لُؤيَّ بنَ غالبِ1
رسول امرئ قد راعه ذات بينكم            على النأيِ محزونٍ بذلكِ ناصبِ2
وقد كان عندي للهمومِ معَرَّسٌ              فلم أقضِ منها حاجتي ومآربي3
نُبِّيتُكم شَرْجَيْن كل قبيلةٍ                    لها أزْمَلٌ من بين مُذْكٍ وحاطبِ4
أعيذكم بالله من شر صنعِكم                وشرِّ تباغيكم ودسِّ العقاربِ
وإظهارِ أخلاقٍ ونجْوَى سقيمة               كوخزِ الأشافي وقعُها حقُّ صائب5
فذكرْهمْ باللهِ أولَ وهلةٍ      وإحلال أحرام الظباءِ الشوازبِ6
وقل لهم والله يحكمُ حُكْمَهُ                   ذروا الحربَ تذهبْ عنكم في المَراحبِ7
متى تبعثوها تبعثوها ذميمةً                هى الغُولُ للأقصينَ أو للأقاربِ8
تُقطِّعُ أرحامًا وتُهلك أمةً     وتبري السَّديفَ من سَنام وغاربِ9

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المغلغلة: الداخلة إلى أقصى ما يراد بلوغه منها. يراد بها الرسالة.
2 الناصب: المعيي.
3 أصل المعرس: المكان الذي ينزل فيه المسافرون ليلا للاستراحة.
4 شرجين: فريقين مختلفين والأزمل: الصوت، والمذكى: الذي يوقد النار، والحاطب: الذي يحطب لها، ضرب هذا مثلا لنار الحرب، كما قال الشاعر:
أرى خلل الرماد وميض نار     ويوشك أن يكون لها ضرام
فإن النار بالعودين تذكى       وإن الحرب أولها الكلام
                   
5 الأشافي: المخارز.
6 أحرام الظباء: التي يحرم صيدها في الحرام، والشوازب ضامرة البطن.
7 المراحب: الأماكن المتسعة.
8 الغول: الهلاك.
9 تبرى: تقطع. السديف: لحم السنام. الغارب: أعلى الظهر.

ص -255-                        وتستبدلوا بالأتحميةِ بعدَها شَليلًا وأصداءً ثيابَ المحاربِ1
وبالمسكِ والكافورِ غُبْرًا سوابغًا                     كأن قَتِيرَيْها عيونُ الجنادبِ2
فإياكمُ والحربَ لا تَعْلَقَنَّكُمْ         وحَوْضًا وخيم الماءِ مُرَّ المشاربِ
تَزَيَّنَ للأقوامِ ثم يَرَوْنَها              بعاقبةٍ إذ بَيَّنَتْ، أمَّ صاحبِ3
تحرِّق لا تُشْوِي ضعيفًا وتنتحي                    ذوي العزِّ منكم بالحُتوف الصوائبِ4
ألم تعلموا ما كان في حربِ داحس ٍ              فتعتبروا أو كان في حربِ حاطبِ
وكم قد أصابت من شريفٍ مُسَوَّدٍ                  طويلِ العمادِ ضيفُه غيرُ خائِب
عظيمِ رمادِ النارِ يُحمَدُ أمرُه       وذي شيمةٍ محضٍ كريمِ المضاربِ5
وماء هُريق في الضلالِ كأنما      أذاعت به ريحُ الصَّبا والجنائبِ
يُخبِّركم عنها امرؤ حقُّ عالم      بأيامِها والعلمُ علمُ التجاربِ
فبيعوا الحرابَ مِلْمُحَارِبِ واذكروا                    حسابَكمُ واللهُ خيرُ محاسبِ
وليّ امرئٍ فاختار دينًا فلا يَكنْ                     عليكم لي رقيبًا غيرُ ربِّ الثواقبِ6
أقيموا لنا دِينًا حنيفًا فأنتم        لنا غاية قد يُهتَدى بالذوائبِ7
وأنتم لهذا الناسِ نور وعصمةٌ     تُؤَمُّون، والأحلامُ غيرُ عوازبِ8
وأنتم، إذا ما حُصِّل الناسُ، جوهر                  لكم سُرَّةُ البطحاءِ شُمُّ الأرانبِ9
تصونون أجسادًا كرامًا عتيقةً     مهذَّبةَ الأنسابِ غيرَ أشائبِ10

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأتحمية: ثياب فاخرة تصنع باليمن. والشليل: الدرع القصيرة، والأصداء: الحديد.
2 القتير: حلق الدرع.
3 بينت: اتضحت. وأم صاحب: أي عجوزًا كأم صاحب لك إذ لا يصحب الرجل عادة إلا من كان في سنه.
4 لا تشوى: لا تخطئ. وتنتحى: تقصد.
5 المضارب: يقصد مضارب سيوفه.
6 الثواقب: النجوم.
7 الذوائب: الأعالي.
8 الأحلام: العقول، والعوازب: البعيدة.
9 السرة: العلو، والشم المرتفعة.
10 الأشائب: المختلطة، ويريد بغير الأشائب أن نسبهم خالص لا عيب فيه.
ص -256-                   ترى طالبَ الحاجاتِ نحوَ بيوتِكم عصائبَ هَلْكَى تهتدي بعصائبِ
لقد علم الأقوامُ أن سَراتَكم                   على كلِّ حالٍ خيرُ أهلِ الجباجِبِ1
وأفضلُه رأيًا وأعلاه سُنة       وأقولُه للحقِّ وسطَ المواكبِ
فقوموا فصلوا ربَّكم وتمسَّحوا                 بأركان هذا البيتِ بينَ الأخاشبِ2
فعندكمُ منه بلاءٌ ومصْدَق     غداةَ أبي يَكْسومَ هادي الكتائبِ
كتيبتُه بالسهلِ تُمسى ورَجْلُه               على القاذفاتِ في رءوسِ المناقب3
فلما أتاكم نصرُ ذي العرشِ ردَّهم             جنودُ المليكِ بين سافٍ وحاصبِ4
فَوَلَّوْا سِراعا هاربين ولم يَؤُبْ                 إلى أهلِه مِلْحُبْشِ غيرِ عصائب
فإن تَهْلِكوا نَهْلِكْ وتهلكْ مواسمٌ              يُعاش بها قولُ امرئٍ غيرِ كاذبِ
قال ابن هشام: أنشدني بيته، "وماء هريق"، وبيته: "فبيعوا الحراب"، وقوله: "ولى امرئ فاختار"، وقوله:
على القاذفات في رءوس المناقب
أبو زيد الأنصاري وغيره.
حرب داحس والغبراء: قال ابن هشام: وأما قوله:
ألم تعلموا ما كان في حرب داحس
فحدثني أبو عُبَيدة النحوي: أن داحسًا فرس كان لقيس بن زُهَير بن جَذيمة بن رَواحة بن ربيعة بن الحارث بن مازن بن قطيعة بن عِبْس بن بغيض بن رَيْث بن غَطَفان أجراه مع فرس لحذيفة بن بدر بن عَمرو بن زيد بن جُؤَيَّة بن لُوذان بن ثعلبة بن عدي بن فَزارة بن ذُبيان بن بَغيض بن رَيْث بن غَطَفان، يقال لها: الغبراء. فدس حذيفة قومًا وأمرهمِ أن يضربوا وجه داحس إن رأوه قد جاء سابقًا، فجاء داحس سابقًا فضربوا وجهه، وجاءت الغبراء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الجباجب: المنازل في منى.
2 الأخاشب: جبال مكة.
3 القاذفات: قمم الجبال والمناقب الطرق التي فيها.
4 السافي من يثير الغبار، والحاصب الذي يثير الحصباء.
ص -257-      فلما جاء فارس داحس أخبر قيسًا الخبر، فوثب أخوه مالك بن زُهَيْر فلطم وجه الغبراء، فقام حَمَلُ بن بدر فلطم مالكًا. ثم إن أبا الجُنَيْدب العَبْسي لقي عوفَ بنَ حذيفة فقتله، ثم لقي رجلٌ من بني فزارة مالكًا فقتله، فقال حَمَل بن بدر أخو حذيفة بن بدر:
قتلنا بعوف مالكًا وهو ثأرُنا               فإن تطلبوا منا سوى الحقِّ تَنْدَموا
وهذا البيت في أبيات له. وقال الربيع بن زياد العَبْسي:
أفبعدَ مقتل مالكِ بن زُهَير                     ترجو النساءُ عواقبَ الأطهارِ
وهذا البيت في قصيدة له.
فوقعت الحربُ بين عَبْس. وفزارة، فقُتل حذيفةُ بن بدر وأخوه حَمَلُ
ابن بدر، فقال قيس بن زُهير بن جَذِيمة يرثي حُذيفة، وجزع عليه:
كم فارس يُدْعَى وليس بفارسٍ               وعلى الهَباءةِ فارس ذو مَصْدق1
فابكوا حذيفةَ لن تُرَثّوا مثلَه                     حتى تبيدَ قبائلٌ لم تُخْلَق
وهذان البيتان في أبيات له. وقال قيس بن زهير:
على أن الفتى حَمَلَ بنَ بدر     بغى والظلمُ مرتعُه وخيمُ
وهذا البيت في أبيات له. وقال الحارث بن زهير أخو قيس بن زهير:
تركتُ على الهباءةِ غيرَ فَخْر                     حُذيفةَ عندَه قِصَدُ العوالي2
وهذا البيت في أبيات له.
قال ابن هشام: ويقال: أرسل قيس داحسًا والغبراء، وأرسل حذيفة الخَطَّار والحَنْفاء، والأول أصح الحديثين. وهو حديث طويل، منعني من استقصائه قطعه حديث سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
حرب حاطب: قال ابن هشام: وأما قوله: "حرب حاطب". فيعني حاطب بن الحارث بن قيس بن هَيْشة بن الحارث بن أمية بن معاوية بن مالك بن عَوْف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، كان قتل يهوديًّا جارًا للخزرج، فخرج إليه يزيد بن الحارث بن قيس بن مالك بن أحمر بن حارثة بن ثعلبة بن كَعْب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الهباءة: مكان في بلاد غطفان.
2 القصد: القطع المتكسرة والعوالي: الرماح.

ص -258-      وهو الذي يقال له: ابن فُسْحُم، وفُسْحُم أمه، وهي امرأة من القَيْن بن جَسْر، ليلا في نفر من بني الحارث بن الخزرج فقتلوه، فوقعت الحرب بين الأوس والخزرج؛ فاقتتلوا قتالا شديدًا، فكان الظَّفَر للخزرج على الأوس، وقُتل يومئذ سُوَيد بن صامت بن خالد بن عطية بن حَوْط بن حبيب بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، قتله المُجذَّر بن زياد البلوي، واسمه عبد الله، حليف بني عَوْف بن الخزرج. فلما كان يوم أحد خرج المجَذَّر بن زياد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخرج معه الحارث بن سوَيْد بن صامت، فوجد الحارث بن سُوَيْد غِرَّة من المجذر فقتله بأبيه. وسأذكر حديثه في موضعه -إن شاء الله تعالى- ثم كانت بينهم حروب منعني من ذكرها واستقصاء هذا الحديث ما ذكرت في حديث حرب داحس.
شعر حكيم بن أمية في نهي قومه عن عداوة الرسول: قال ابن إسحاق: وقال حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوْقَص السُّلَمي، حليف بني أمية وقد أسلم، يُوَرِّع1 قومَه عما أجمعوا عليه من عداوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان فيهم شريفًا مطاعًا:
هل قائلٌ قولًا من الحقِّ قاعد                    عليه وهل غضبان للرشْدِ سامعُ
وهل سيّد ترجو العشيرةُ نفعَه                   لأقصى الموالي والأقارب جامعُ
تبرأت إلا وجه من يملك الصَّبَا                    وأهجرُكم ما دام مُدْلٍ ونازع2
وأسْلم وجهي للإِله ومنطقي ولو               راعني مِنَ الصَّديقِ روائع
ذكر ما لقي وسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قومه
سفهاء قريش يأذونه: قال ابن إسحاق: ثم إن قريشًا اشتد أمرُهم للشقاء الذي أصابهم في عداوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن أسلم معه منهم، فأغْرَوْا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- سفهاءَهم؛ فكذَّبوه وآذَوْه، ورموه بالشِّعر والسحر والكهانة والجنون، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- مظهر لأمر الله لا يستخفي به، مبادٍ لهم بما يكرهون من عَيْب دينهم، واعتزال أوثانهم، وفراقه إياهم على كفرهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يورع: يصرف.
2 المدل: المرسل للدلو في البئر، والنازع: الجاذب لها.

ص -259-      أشد ما أوذي به الرسول -صلى الله عليه وسلم: قال ابن إسحاق: فحدثني يحيى بن عروة بن الزبير، عن أبيه عروة بن الزبير، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قلت له: ما أكثر ما رأيت قريشًا أصابوا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما كانوا يُظهرون من عداوته؟ قال: حضرتُهم وقد اجتمع أشرافُهم يومًا في الحِجْر، فذكروا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: ما رأينا مثلَ ما صبرنا عليه من أمر هذا الرجل قط، سفَّه أحلامَنا، وشتم آباءَنا، وعاب دينَنا، وفرَّق جماعَتنا، وسبَّ آلهتنا، لقد صبرنا منه على أمر عظيم، أو كما قالوا. فبينَا هُم في ذلك إذْ طلع رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فأقبل يمشي حتى استلم الركنَ، ثم مَرَّ بهم طائفًا بالبيت، فلما مر بهم غمزوه ببعض القول. قال: فعرفت ذلك في وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ثم مضى، فلما مرَّ بهم الثانية غمزوه بمثلِها، فعرفتُ ذلك في وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم مرَّ الثالثة فغمزوه بمثلها، فوقف ثم قال: أتسمعون يا معشرَ قُريش، أما والذي نفسي بيده، لقد جئتكم بالذَّبْح1. قال: فأخذت القومَ كلمتُه حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائرٌ واقع، حتى إن أشدَّهم فيه وصاة قبل ذلك لَيرْفَؤُه2 بأحسن ما يجد من القول، حتى إنه ليقول: انصرفْ يا أبا القاسم، فوالله ما كنتَ جهولًا. قال: فانصرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى إذا كان الغدُ اجتمعوا في الحِجْر وأنا معهم، فقال بعضُهم لبعض: ذكرتم ما بلغ منكم، وما بلغكم عنه، حتى إذا بادَاكم بما تكرهون تركتموه. فبينما هم في ذلك طلع عليهم رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فوثبوا إليه وثبةَ رجلٍ واحد، وأحاطوا به، يقولون: أنت الذي تقول كذا وكذا؛ لما كان يقول من عَيْب آلهتهم ودينهم، فيقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "نعم، أنا الذي أقول ذلك". قال: فلقد رأيتُ رجلًا منهم أخذ بمجْمَع ردائه. قال: فقام أبو بكر رضي الله عنه دونه، وهو يبكي ويقول: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟ ثم انصرفوا عنه، فإن ذلك لأشدُّ ما رأيتُ قريشًا نالوا منه قط.
قال ابن إسحاق: وحدثني بعضُ آل أم كلثوم بنت أبي بكر، أنها قالت: رجع أبو بكر يومئذ وقد صدعوا فَرْقَ رأسِه؛ مما جبذوه بلحيته، وكان كثير الشعر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يعرض صلى الله عليه وسلم بهلاكهم.
2 رفأه: هدأه.

ص -260-      قال ابن هشام: حدثني بعض أهل العلم: أشدُّ ما لقي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قريش أنه خرج يومًا فلم يلقه أحد من الناس إلا كذَّبه وآذاه، لا حُر ولا عبد، فرجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى منزله، فتدثر من شدةِ ما أصابه، فأنزل الله تعالى عليه: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنْذِرْ}، [المدثر: 1، 2]1.
إسلام حمزة رضي الله عنه:
سبب إسلامه: قال ابن إسحاق: حدثني رجل من أسلم، كان واعية: أن أبا جهل مر برسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند الصفا، فآذاه وشتمه، ونال منه بعض ما يكره من العَيْب لدينه، والتضعيف لأمره؛ فلم يكلمه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ومولاةٌ لعبد الله بن جُدْعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تَيْم بن مرة في مسكن لها تسمع ذلك، ثم انصرف عنه فعمد إلى نادٍ2 من قريش عند الكعبة، فجلس معهم. فلم يلبث حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه أن أقبل متوشحًا قوسَه، راجعًا من قَنَص يرميه ويخرج له، وكان إذا رجع من قَنَصه لم يصل إلى أهله حتى يطوفَ بالكعبة، وكان إذا فعل ذلك لم يمر على نادٍ من قريش إلا وقف وسلم وتحدث معهم، وكان أعزَّ فتى في قريش، وأشدَّ شكيمة. فلما مر بالمَوْلاةِ، وقد رجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم إلى بيته- قالت له: يا أبا عُمارة، ولو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد آنفًا من أبي الحكم بن هشام: وجده ههنا جالسًا فآذاه وسبه وبلغ منه ما يكره ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد -صلى الله عليه وسلم.
فاحتمل حمزة الغضب لما أراد الله به من كرامته، فخرج يسعى ولم يقف على أحد، مُعِدًّا لأبي جهل إذا لقيه أن يوقع به؛ فلما دخل المسجد نظهر إليه جالسًا في القوم، فأقبل نحوه، حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها فشجه شجةً منكَرة، ثم قال: أتشتمه وأنا على دينه أقول ما يقول؟ فرُد ذلك عليّ إنِ استطعت. فقامت رجال من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال السهيلي في الروض الأنف: في تسميته إياه بالمدثر: في هذا المقام ملاطفة وتأنيس ومن عادة العرب إذا قصدت الملاطفة أن تسمي المخاطب باسم مشتق من الحالة التي هو فيها، كقوله عليه السلام لحذيفة: قم يا نَوْمان، وقوله لعلى بن أبي طالب -وقد ترب جنبه: قم أبا تراب.
2 أي أهل ناد.

ص -261-      أبا جهل؛ فقال أبو جهل: دعوا أبا عُمارة، فإني والله قد سببت ابن أخيه سبًّا قبيحًا، وتم حمزة رضي الله عنه على إسلامه، وعلى ما تابع عليه رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- من قوله. فلما أسلم حمزة عرفت قريشٌ أن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قد عز وامتنع، وأن حمزة سيمنعه، فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه.
عتبة بن ربيعة يفاوض الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب القُرظي، قال: حُدثتُ أن عُتبة بن ربيعة، وكان سيدًا، قال يومًا وهو جالس في نادي قريش، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس في المسجد وحده: يا معشر قريش، ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورًا لعله يقبلُ بعضَها فنعطيه أيها شاء، ويكف عنا؟ وذلك حين أسلم حمزةُ، ورأوْا أصحابَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزيدون ويكثُرون؛ فقالوا: بلى يا أبا الوليد، قم إليه فكلمْه؛ فقام إليه عُتبة حتى جلس إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يابن أخي، إنك منا حيث قد علمتَ من السِّطَة1 فيِ العشيرة، والمكان في النسب، وإنك أتيت قومَك بأمر عظيم فرَّقت به جماعتهم وسفهتَ به أحلامَهم وعِبتَ به آلهتهم ودينهم وكفَّرت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرضْ عليك أمورًا تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها. قال: فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "قُلْ يا أبا الوليد، أسمع"، قال: يابنَ أخي، إن كنتَ إنما تريد بما جئتَ به من هذا الأمر مالًا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالًا، وإن كنت تريد به شرفًا سودناك علينا، حتى لا نقطع أمرًا دونك، وإن كنت تريد به مُلكًا ملكناك علينا: وإن كان هذا الذي يأتيك رَئِيًّا2 تراه لا تستطيع ردّه عن نفسِك، طلبنا لك الطبَّ، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئَك منه، فإنه ربما غلب التابعُ على الرجل حتى يُدَاوَى منه أو كما قال له، حتى إذا فرغ عتبة، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستمع منه، قال:
"أقد فرغت يا أبا الوليد؟" قال: نعم قال: "فاسمع مني"؛ قال: أفعل. فقال: "بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {حم?، تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، بَشِيرًا وَنَذِيرًا} ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها يقرؤها عليه فلما سمعها منه عتبة أنصت لها، وألقى يديه خلفَ ظهره معتمدًا عليهما يسمع منه؛ ثمِ انتهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى السجدة منها، فسجد ثم قال: قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعتَ، فأنت وذاك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السطة: الشرف.
الرئي: ما يظهر للناس من الجن.

ص -262-      رأي عتبة: فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغيرِ الوجه الذي ذهب به. فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءَك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني قد سمعتُ قولا والله ما سمعت مثلَه قطُّ، والله ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة، يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي، وخلُّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزِلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعتُ منه نبأ عظيم، فإن تصبْه العرب فقد كُفيتموه بغيرِكم، وإن يظهر على العرب فملُكه ملكُكم، وعزُّه عزكم، وكنتم أسْعَدَ الناس به؛ قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه؛ قال: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم.
قريش تفتن المسلمين: قال ابن إسحاق: ثم إن الِإسلام جعل يفشو بمكة في قبائل قريش في الرجال والنساء؛ وقريش تحبس من قدرت على حبسه، وتفتن من استطاعت فتنته من المسلمين ثم إن أشراف قريش من كل قبيلة، كما حدثني بعض أهل العلم عن سعيد بن جبير، وعن عكرمة مولى ابن عباس، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:
زعماء قريش تفاوض الرسول صلى الله عليه وسلم: اجتمع عتبةُ بن ربيعة، وشَيْبة بن ربيعة، وأبو سُفيان بن حرب، والنَّضْر بن الحارث، أخو بني عبد الدار، وأبو البَخْتَري بن هشام، والأسود بن المطَّلب بن أسد، وزَمَعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وأبو جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية، والعاص بن وائل، ونُبَيْه ومُنبَّه ابنا الحجاج السهميان، وأمية بن خلف، أو من اجتمع منهم. قال: اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة، ثم قال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه حتى تُعذروا فيه، فبعثوا إليه: إنَّ أشرافَ قومِك قد اجتمعوا لك ليكلموك، فأتهمْ. فجاءهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سريعًا، وهو يظن أن قد بدا لهم فيما كلمهم فيه بَداء، وكان عليهم حريصًا يحب رشدَهم، ويعز عليه عَنَتُهم، حتى جلس إليهم؛ فقالوا له: يا محمد، إنا قد بعثنا إليك لنكلمك، وإنا والله ما نعلم رجلًا من العرب أدخل على قومه مثل ما أدخلت على قومك، لقد شتمت الآباء، وعِبت الدين، وشتمت الآلهة، وسفهت الأحلامَ، وفرقت الجماعةَ، فما بقي أمر قبيح إلا جئته فيما بينَنا وبينك –أو كما قالوا له– فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت إنما تطلب به الشرف فينا، فنحن نسودك علينا، وإن كنت تريد ملكا ملكناك علينا، وإن كَان هذا الذي يأتيك رَئِيّا تراه قد غلب عليك –وكانوا يسمون التابع من الجن رَئِيا– فربما كان ذلك، بذلنا لك أموالَنا في طلب الطب لك حتى نبرئك منه، أو نُعْذر فيك؛ فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم:
"ما بي ما تقولون، ما جئتُ بما جئتكم به أطلب

ص -263-      أموالَكم، ولا الشرف فيكم، ولا الملكَ عليكم، ولكن الله بعثني إليكم رسولا، وأنزل عليَّ كتابًا، وأمرني أن أكون لكم بشيرًا ونذيرًا، فبلغتكم رسالات ربي، ونصحت لكم، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به، فهو حظُّكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه علي أصبرْ لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم"، أو كما قال -صلى الله عليه وسلم- قالوا: يا محمد، فإن كنت غير قابل منا شيئًا مما عرضناه عليك فإنك قد علمت أنه ليس من الناس أحد أضيق بلدًا، ولا أقل ماءً، ولا أشد عيشًا منا، فسَلْ لنا ربَّك الذي بعثك بما بعثك به، فليسيِّر عنا هذه الجبال التي قد ضيَّقت علينا، وليبسط لنا بلادَنا، وليفجر لنا فيها أنهارًا كأنهار الشام والعراق، وليبعث لنا من مضى من آبائنا، وليكن فيمن يُبعث لنا منهم: قُصَيُّ بن كلاب، فإن كان شيخ صِدْق، فنسألهم عما تقول: أحقّ هو أم باطل، فإن صدقوك وصنعت ما سألناك صدقناك، وعرفنا به منزلتك من الله، وأنه بعثك رسولًا كما تقول. فقال لهم صلوات الله وسلامه عليه: "ما بهذا بُعثتُ إليكم من الله، إنما جئتكم من الله بما بعثني به، وقد بلغتكم ما أرسلت به إليكم، فإن تقبلوه فهو حظّكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليَّ أصبرْ لأمر الله تعالى، حتى يحكم اللهُ بيني وبينكم". قالوا: فإذا لم تفعل هذا لنا، فخذ لنفسك، سل ربَّك بأن يبعث معك ملكًا يصدقك بما تقول، ويراجعنا عنك وسَلْه فليجعل لك جِنانًا وقصورًا وكنوزًا من ذهب وفضة يغنيك بها عما نراك تبتغي، فإنك تقوم بالأسواق كما نقوم، وتلتمس المعاش كما نلتمسه، حتى نعرف فضلَك ومنزلتك من ربك إن كنت رسولًا كما تزعم. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أنا بفاعل، وما أنا بالذي يسأل ربَّه هذا، وما بُعثت إليكم بهذا، ولكن الله بعثني بشيرًا ونذيرًا -أو كما قال- فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظُّكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه علي أصبرْ لأمر الله حتى يحكمَ الله بيني وبينكم". قالوا: فأسقط السماءَ علينا كِسفًا كما زعمت أن ربَّك إن شاء فعل، فإنا لا نؤمن لك إلا أن تفعل. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذلك إلى الله، إن شاء أن يفعلَه بكم فعل". قالوا: يا محمد، أفما علم ربك أنا سنجلس معك ونسألك عما سألناك عنه، ونطلب منك ما نطلب، فيتقدم فيعلمك ما تراجعنا به، ويخبرك ما هو صانع في ذلك بنا، إذ لم نقبل منك ما جئتنا به! إنه قد بلغنا أنك إنما يعلمك هذا رجل باليمامة يقال له: الرحمن، وإنا والله لا نؤمن بالرحمن أبدًا، فقد أعذرنا إليك يا محمد، وإنا والله لا نتركك وما بلغت منا حتى نهلكَك، أو تهلكنا. وقال قائلهم: نحن نعبد الملائكة، وهى بنات الله. وقال قائلهم: لن نؤمن لك حتى تأتينا بالله والملائكة قبيلا.
فلما قالوا ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام عنهم، وقام معه عبد الله بن أبي أمية

ص -264-      ابن المغيرة بن عبد الله بن عُمر بن مخزوم -وهو ابن عمته، فهو لعاتكة بنت عبد المطلب- فقال له: يا محمد، عرض عليك قومُك ما عرضوا فلم تقبلْه منهم، ثم سألوك لأنفسهم أمورًا ليعرفوا بها منزلتك من الله كما تقول، ويصدقوك ويتبعوك فلم تفعلْ، ثم سألوك أن تأخذ لنفسك ما يعرفون به فضلك عليهم، ومنزلتك من الله، فلم تفعل، ثم سألوك أن تعجلَ لهم بعضَ ما تخوِّفهم به من العذاب، فلم تفعل -أو كما قال له- فوالله لا أومن بك أبدًا حتى تتخذ إلى السماء سُلَّما، ثم ترقَى فيه وأنا أنظر إليك حتى تأتيهَا، ثم تأتي معك أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول، وايم الله، لو فعلت ذلك ما ظننت أني أصدقك، ثم انصرف عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وانصرف رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أهله حزينًا آسفًا لما فاته مما كان يطمع به من قومه حين دعوه، ولما رأى من مباعدتهم إياه.
أبو جهل يتوعد الرسول -صلى الله عليه وسلم: فلما قام عنهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال أبو جهل: يا معشر قريش، إن محمدًا قد أبي إلا ما تَرَوْنَ من عَيْب ديننا، وشتم آبائنا، وتسفيه أحلامِنا، وشتم آلهتنا، وإني أعاهد الله لأجلسن له غدا بحجر ما أطيق حملَه -أو كما قال- فإذا سجد في صلاته فضَخْتُ به رأسَه، فأسْلِموني عند ذلك أو امنعوني، فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم. قالوا: والله لا نسلمك لشيء أبدًا، فامضِ لما تريد.
فلما أصبح أبو جهل، أخَذَ حجرًا كما وصف، ثم جلس لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينتظره، وغدا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- كما كان يغدو. وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمكة وقبلته إلى الشام، فكان إذا صلى بين الركن اليماني والحجر الأسود، وجعل الكعبة بينه وبين الشام، فقام رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يصلِّي وقد غدت قريشٌ فجلسوا في أنديتهم ينتظرون ما أبو جهل فاعل، فلما سجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- احتمل أبو جهل الحجرَ، ثم أقبل نحوه حتى إذا دنا منه رجع منهزمًا منتقعًا لونُه مرعوبًا قد يَبِست يداه على حجره، حتى قذف الحجرَ من يده، وقامت إليه رجال قريش، فقالوا له: ما لك يا أبا الحكم؟ قال: قمت إليه لأفعل به ما قلتُ لكم البارحةَ، فلما دنوتُ منه عَرض لي دونَه فحلٌ من الِإبل، لا والله ما رأيت مثل هامتِه، ولا مثل قَصَرَته1 ولا أنيابه لفحلٍ قطُّ، فَهَمَّ بي أن يأكلني.
قال ابن إسحاق: فذُكر لي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ذلك جبريلُ عليه السلام لو دنا لأخذه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قصرته: أصل عنقه.

ص -265-      النضر بن الحارث ينصح قريشًا: فلما قال لهم ذلك أبو جهل، قام النَّضر بن الحارث بن كَلَدَة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قُصي.
قال ابن هشام: ويقال النضر بن الحارث بن علقمة بن كَلَدَة بن عبد مناف.
قال ابن إسحاق: فقال يا معشر قريش، إنه والله قد نزل بكم أمرٌ ما أتيتم له بحيلة بعدُ، قد كان محمد فيكم غلامًا حدثًا أرضاكم فيكم، وأصدقكم حديثًا، وأعظمكم أمانة، حتى إذا رأيتم في صُدْغَيْه الشيبَ، وجاءكم بما جاءكم به، قلتم ساحر، لا والله ما هو بساحر، لقد رأينا السحرةَ ونفثهم وعقدهم، وقلتم كاهن، لا والله ما هو بكاهن، قد رأينا الكهنة وتخالُجهم وسمعنا سَجْعهم، وقلتم شاعر، لا والله ما هو بشاعر، قَد رأينا الشعر، وسمعنا أصنافَه كلَّها: هَزَجه ورجزه، وقلتم مجنون، لا والله ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون فما هو بخَنْقه، ولا وسوسته، ولا تخليطه، يا معشر قريش، فانظروا في شأنكم، فإنه والله لقد نزل بكم أمر عظيم.
أذى النضر للرسول، صلى الله عليه وسلم: وكان النضر بن الحارث من شياطين قريش، وممن كان يؤذي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وينصب له العداوةَ، وكان قد قدم الحيرة، وتعلم بها أحاديثَ ملوك الفرس، وأحاديث رُسْتم واسبنديار، فكان إذا جلس رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- مجلسًا فذكَّر فيه بالله، وحذَّر قومَه ما أصاب مَنْ قبلَهم من الأمم من نِقْمة الله، خلفه في مجلسه إذا قام، ثم قال: أنا والله يا معشر قريش، أحسن حديثًا منه، فهلمّ إليّ، فأنا أحدثكم أحسن من حديثه، ثم يحدثهم عن ملوك فارس ورُستم واسبنديار، ثم يقول: بماذا محمد أحسن حديثًا مني؟
قال ابن هشام: وهو الذي قال فيما بلغني: "سأنزل مثل ما أنزل الله".
قال ابن إسحاق: وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول، فيما بلغني: نزل فيه ثماني آيات من القرآن: قول الله عز وجل:
{إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [القلم: 15]. وكل ما ذكر فيه من الأساطير من القرآن.
قريش تسأل أحبار اليهود في شأنه عليه الصلاة والسلام: فلما قال لهم ذلك النضرُ بن الحارث بعثوه، وبعثوا معه عقبة بن أبي مُعَيْط إلى أحبار يهود بالمدينة، وقالوا لهما: سَلاهم عن محمد، وصِفا لهم صفته، وأخبراهم بقوله، فإنهم أهلُ الكتاب الأول، وعندهم علمٌ ليس

ص -266-      عندَنا من علم الأنبياء، فخرجا حتى قَدِما المدينة، فسألا أحبار يهود عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ووصفا لهم أمرَه، وأخبراهم ببعض قوله، وقالا لهم: إنكم أهل التوراة، وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا. فقالت لهما أحبار يهود: سلوه عن ثلاث نأمركم بهنَّ: فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل، وإن لم يفعل فالرجل متقول، فرَوْا فيه رأيكم. سَلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان أمرُهم؟ فإنه قد كان لهم حديث عجب، وسَلوه عن رجل طوَّاف قد بلغ مشارقَ الأرض ومغاربها ما كان نبؤُه، وسلوه عن الرّوحِ ما هي؟ فإذا أخبركم بذلك فاتبعوه، فإنه نبي، وإن لم يفعل، فهو رجل متقول، فاصنعوا في أمره ما بدا لكم. فأقبل النضرُ بنُ الحارث، وعقبة بن أبي مُعَيْط بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قُصي حتى قدما مكة على قريش، فقالا: يا معشر قريش، قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، قد أخبرنا أحبارُ يهود أن نسألَه عن أشياء أمرونا بها، فإن أخبركم عنها فهو نبي، وإن لم يفعلْ فالرجلُ متقوِّلٌ، فَرَوْا فيه رأيكم.
قريش تسأل والرسول يجيب: فجاءوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا محمد، أخبرنا عن فتية ذهبوا في الدهر الأول قد كانت لهم قصة عجب، وعن رجل كان طوَّافًا قد بلغ مشارقَ الأرض ومغاربَها، وأخبرْنا عن الروح ما هى؟ قال: فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم: أخبركم بما سألتم عنه غدًا، ولم يستثن1، فانصرفوا عنه. فمكث رسول الله، صلى الله عليه وسلم -فيما يذكرون- خمسَ عشَرةَ ليلة لا يُحْدث الله إليه في ذلك وحيًا، ولا يأتيه جبريل، حتى أوجف أهلُ مكة، وقالوا: وعدنا محمد غدًا، واليوم خمسَ عشَرةَ ليلةً، قد أصبحنا منها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه، وحتى أحزن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- مكثُ الوحي عنه، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة. ثم جاءه جبريل من الله عز وجل بسورة أصحاب الكهف، فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم، وخبرُ ما سألوه عنه من أمر الفتية، والرجلُ الطواف، والروح.
الرد على قريش فيما سألوه: قال ابن إسحاق: فذكر لي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لجبريل حين جاءه: لقد احتبست عني يا جبريل حتى سُؤْتُ ظنًّا؛ فقال له جبريل:
{وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] فافتتح السورة تبارك وتعالى بحمده وذكر نبوة رسوله، بما أنكروه عليه من ذلك، فقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} [الكهف: 1] يعني محمدًا -صلى الله عليه وسلم- إنك رسول مني: أى تحقيق لما سألوه عنه من نبوتك: {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا، قَيِّمًا} [الكهف: 1]: أي معتدلا، لا اختلاف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لم يقل إن شاء الله.

ص -267-      فيه:{لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ} [الكهف: 2]: أي عاجل عقوبته في الدنيا، وعذابًا أليمًا في الآخرة: أي من عند ربك الذي بعث رسولا. {وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا، مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا} [الكهف: 2، 3] أي دار الخلد. لا يموتون فيها الذين صدقوك بما جئت به مما كذبك به غيرهم، وعملوا بما أمرتهم به من الأعمال. {وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا} [الكهف: 4] يعني قريشًا في قولهم: إنا نعبد الملائكة وهي بناتُ الله: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ} [الكهف: 5] الذين أعظموا فراقهم وعيب دينهم. {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ}: أي لقولهم: إن الملائكة بنات الله: {إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا، فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ} يا محمد، {عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} [الكهف: 6]، أي لحزنه عليهم حين فاته ما كان يرجو منهم، أي لا تفعل.
قال ابن هشام: باخع نفسك: أي مهلك نفسك فيما حدثني أبو عبيدة. قال ذو الرّمَّة:
ألا أيهذا الباخع الوَجْدُ نفسَه                  لشيءٍ نَحَتْهُ عن يَدَيْه المقَادِرُ
وجمعه: باخعون وبَخَعة. وهذا البيت في قصيدة له. وتقول العرب:قد بخعْتُ له نصحي ونفسي: أي جهدت له. {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}.[الكهف: 7].
قال ابن إسحاق: أي أيهم أتبعُ لأمري، وأعملُ بطاعتي.
{وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا} [الكهف: 8] أي الأرض، وإن ما عليها لفانٍ وزائل، وإن المرجع إلي، فأجزي كلا بعمله، فلا تأسَ ولا يحزنْك ما تسمع وترى فيها.
قال ابن هشام: الصعيد: الأرض، وجمعه: صُعُد. قال ذو الرّمَّة يصف ظبيًا صغيرًا:
كأنه بالضحَى ترمي الصعيدَ به                دبَّابةٌ في عِظام الرأسِ خُرطومُ1
وهذا البيت في قصيدة له. والصعيد: الطريق. وقد جاء في الحديث: "إياكم والقعودَ على الصُّعَداتِ"، يريد الطرقَ. والجُرُز: الأرض التي لا تنبت شيئًا، وجمعها: أجْراز. ويقال؛ سَنة جُرز، وسنون أجْراز، وهى التي لا يكون فيها مطر، وتكون فيها جدوبة ويُبس وشدة. قال ذو الرّمَّة يصف إبلًا:
طوى النحْزُ والأجْراز ما في بُطونها               فما بقيتْ إلا الضلوعُ الجَراشِعُ2

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الدبابة والخرطوم: الخمر.
2 الجراشع المنتفخة.

ص -268-      وهذا البيت في قصيدة له.
أهل الكهف: قال ابن إسحاق: ثم استقبل قصةَ الخبر فيما سألوه عنه من شأن الفتية، فقال: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} [الكهف: 9] أي قد كان من آياتي فيما وضعت على العباد من حُججي ما هو أعجب من ذلك.
قال ابن هشام: والرقيم: الكتاب الذي رُقِمَ فيه بخبرِهم، وجمعُه: رُقُم. قال العَجَّاج:
ومُسْتَقر المصحفِ المرَقَّم
وهذا البيت في أرجوزة له.
قال ابن إسحاق: ثم قال تعالى:
{إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا، فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا، ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا}، ثم قال تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ}، أي: بصدق الخبر عنهم. {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً، وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا}، أي: لم يشركوا بي كما أشركتم بي ما ليس لكم به علم.
قال ابن هشام: والشطط: الغُلو ومجاوزة الحق. قال أعْشَى بني
قَيْس بن ثَعْلبة:
لا يَنْتهون ولا يَنْهَى ذَوِي شَطَطٍ               كالطَّعْنِ يذهبُ فيه الزيتُ والفُتُلُ
وهذا البيت في قصيدة له.{هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ}.
قال ابن إسحاق: أي بحجة بالغة.
{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا، وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا، وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ}.

ص -269-      قال ابن هشام: تَزَاور: تميلُ، وهو من الزور. وقال امرؤ القيس ابن جُحْر.
وإني زعيم إن رجعتُ مُملكًا                     بسَيْر ترى منه الفُرانِق أزْوَرَا
وهذا البيت في قصيدة له. وقال أبو الزحف الكلبي يصف بلدًا:
جَابُ المُندَّى عن هَوانا أزورُ                يُنْضِي المطايا خِمْسُه العَشَنْزرُ1
وهذان البيتان2 في أرجوزة له. و{تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ}[الكهف: 17]: تجاوزهم وتتركهم عن شمالها. قال ذو الرّمَّة:
إلى ظُعْنٍ يَقْرِضن أقْواز مُشرِف                 شمالًا وعن أيمانِهن الفوارسُ3
وهذا البيت في قصيدة له. والفجوة: السِّعة، وجمعها: الفِجاء. قال الشاعر:
ألبسْتَ قومَك مَخْزاةً ومَنْقَصةً                   حتى أبيحوا وخَلَّوْا فجوةَ الدار
{ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللهِ} أي في الحجة على من عرف ذلك من أمورهم من أهل الكتاب ممن أمر هؤلاء بمسألتك عنهم في صدق نبوتك بتحقيق الخبر عنهم: {مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ}.
قال ابن هشام: الوصيد: الباب. قال العَبْسي، واسمه عُبَيْد بن وهب:
بأرضٍ فَلاة لا يُسَدّ وَصيدُها                    عليَّ ومعروفي بها غَيرُ مُنْكَرِ
وهذا البيت في أبيات له. والوصيد "أيضًا" الفناء، وجمعه: وصائد، ووُصُد، ووصْدان وأصُد، وأصْدَان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الجأب: الغليظ، وينضى: يهزل، والعشنزر المتين الخلق.
2 اعتبر الشطرتين بيتين من مشطور الرجز.
3 الأقواز ما استدار من الرمل.

ص -270-      {لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} إلى قوله: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ} أهل السلطان والملك منهم. {لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا، سَيَقُولُونَ} يعني أحبار يهود الذين أمروهم بالمسألة عنهم: {ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ}، أي: لا علم لهم. {وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا} أي: لا تكابرهم، {وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا} فإنهم لا علم لهم بهم.{وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا، إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا}، أي ولا تقولن لشيء سألوك عنه كما قلت في هذا: إني مخبركم غدًا. واستثن مشيئة الله، واذكر ربك إذا نسيت، وقل عسى أن يهدين ربي لخير مما سألتموني عنه رشدًا، فإنك لا تدري ما أنا صانع في ذلك. {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا}، أي: سيقولون ذلك. {قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} أي: لم يخف عليه شيء مما سألوك عنه.
ذو القرنين: وقال فيما سألوه عنه من أمر الرجل الطوَّاف:
{وَيَسْأَلونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا، إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا، فَأَتْبَعَ سَبَبًا} حتى انتهى إلى آخر قصة خبره.
وكان من خبر ذي القرنين أنه أوتي ما لم يؤتَ أحدٌ غيره، فمُدت له الأسباب حتى انتهى من البلاد إلى مشارق الأرض ومغاربها، لا يطأ أرضًا إلا سُلط على أهلِها، حتى انتهى من المشرقِ والمغربِ إلى ما ليس وراءَه شيء من الخلق.
قال ابن إسحاق: فحدثني من يسوق الأحاديثَ عن الأعاجم فيما توارثوا من علمه: أن ذا القرنين كان رجلًا من أهلِ مصر. اسمُه مُرْزُبان بن مَرْذبة اليوناني، من ولد يونان بن يافث بن نوح.
قال ابن هشام: واسمه الِإسكندر، وهو الذي بنى الِإسكندرية فنسبت إليه.
قال ابن إسحاق: وقد حدثني ثَوْر بن يزيد عن خالد بن مَعْدان الكَلاعيِّ، وكان رجلًا قد أدرك: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سُئل عن ذي القرنين فقال: مَلِك مسح الأرضَ من تحتِها بالأسبابِ.

ص -271-      وقال خالد: سمع عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه- رجلًا يقول: يا ذا القرنين، فقال عمر: اللهم غُفْرًا، أما رَضَيْتم أن تَسَمَّوْا بالأنبياء حتى تسميتم بالملائكةِ.
قال ابن إسحاق: الله أعلم أي ذلك كان، أقال ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أم لا؟ فإن كان قاله، فالحق ما قال.
أمر الروح: وقال تعالى فيما سألوه عنه من الروح:
{وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} ما أوتيتم من العلم إلا قليلًا: قال ابن إسحاق: وحُدثت عن ابن عباس، أنه قال: لما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة، قالت أحبارُ يهود: يا محمدُ، أرأيت قولك: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} إيانا تريد، أم قومَك؟ قال: كُلًا؟ قالوا: فإنك تتلو فيما جاءك: أنا قد أوتينا التوراةَ فيها بيانُ كل شيء. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: إنها في علم الله قليل، وعندكم في ذلك ما يكفيكم لو أقمتموه. قال: فأنزل الله تعالى عليه فيما سألوه عنه من ذلك: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} أي: أن التوراة في هذا من علم الله قليل.
تسيير الجبال وبعْث الموتى: قال وأنزل الله تعالى عليه فيما سأله قومُه لأنفسِهم من تسيير الجبال، وتقطيع الأرض، وبعث من مضى من آبائهم من الموتى:
{وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا} [الرعد: 31]، أي: لا أصنع من ذلك إلا ما شئت.
خذ لنفسك: وأنزل عليه في قولهم: خذ لنفسك، ما سألوه أن يأخذ لنفسه، أن يجعل له جنانًا وقصورًا وكنوزًا، ويبعث معه ملكًا يصدقه بما يقول، ويرد عنه:
{وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا، أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا، انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا، تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا} [الفرقان: 79].
وأنزل عليه في ذلك من قولهم:
{وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} [الفرقان: 20]، أي: جعلت بعضكم لبعض بلاء لتصبروا ولو شئتُ أن أجعل الدنيا مع رسلي فلا يُخَالفوا لفعلتُ.

ص -272-      القرآن يرد على ابن أبي أمية: وأنزل الله عليه فيما قال عبدُ الله ابن أبي أمية: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا، أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا، أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا، أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَأُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا}.
قال ابن هشام: الينبوع: ما نبع من الماء من الأرض وغيرها، وجمعه ينابيع. قال ابن هَرْمة واسمه إبراهيم بن علي الفِهري:
وإذا هَرقتَ بكل دارٍ عَبْرةً                     نُزِفَ الشئونُ ودَمْعُك اليَنْبوعُ1
وهذا البيت في قصيدة له. والكِسَف: القِطَع من العذاب، وواحدته: كِسْفة، مثل سِدْرة وسِدَر. وهى أيضًا: واحدة الكِسْف. والقبيل: يكون مقابلة ومعاينة، وهو كقوله تعالىِ: {أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا} [الكهف: 55]: أي عيانًا. وأنشدني أبو عُبَيْدة لأعشى بني قَيْس بن ثَعْلبة:
أصالحكم حتى تَبوءُوا بمثلِهَا                   كصرخةِ حُبْلَى يسَّرتها قبيلُها
يعني القابلة؛ لأنها تقابلها وتَقبل ولدها. وهذا البيت في قصيدة له. ويقال: القبيل جمعه قُبُل، وهي الجماعات، وفى كتاب الله تعالى: {وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا} [الأنعام: 111] فقُبل: جمع قبيل مثل سُبل: جمعٍ سبيل، وسُرر: جمع سرير، وقُمص: جمع قميص، والقبيل أيضًا: في مَثَل من الأمثال، وهو قولهم: ما يَعرف قبيلًا من دبير: أي لا يعرف ما أقبل مما أدبر، قال الكُميْت بن زيد:
تفرقَت الأمورُ بوَجْهَتَيْهم    فما عَرَفوا الدبيرَ من القبيلِ
وهذا البيت في قصيدة له، ويقال: إنما أريد بهذا القبيل: الفَتل، فما فُتل إلى الذراع فهو القبيل، وما فُتل إلى أطراف الأصابع فهو الدبير، وهو من الِإقبال والإدبار الذي ذكرت. ويقال: فَتْل المِغْزَل. فإذا فُتل المِغْزل إلىِ الركبة فهو القبيل، وإذا فُتل إلى الوَرِك فهو الدَّبير.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الشئون: مجاري الدمع.

ص -273-      والقبيل أيضًا: قوم الرجل. والزُّخرف: الذهب. والمزخْرَف: المزيَّن بالذهب. قال العجاج:
مِن طللٍ أمسى تخال المصْحَفا                    رسومه والمذهَب المزخْرَفا
وهذان البيتان في أرجوزة له، ويقال أيضًا لكل مُزَيَّن: مُزَخْرَف.
نفي القران أن رجلًا من اليمامة يعلمه: قال ابن إسحاق: وأنزل في قولهم: إنا قد بلغنا أنك إنما يعلمك رجلٌ باليمامة، يقال له الرحمنُ، ولن نؤمن به أبدًا:
{كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} [الرعد: 30].
ما نزل في أبي جهل: وأنزل عليه فيما قال أبو جهل بن هشام،وما همَّ به:
{أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى، عَبْدًا إِذَا صَلَّى، أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى، أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى، أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى، أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرَى، كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ، نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ، فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ، سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ، كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 9-19].
قال ابن هشام: لنسفعًا: لنجذبن ولنأخذن. قال الشاعر:
قومٌ إذا سَمِعوا الصراخَ رأيتَهم                   من بين مُلْجِمِ مُهْرِه أو سافِع
والنادي: المجلس الذي يجتمع فيه القوم ويقضون فيه أمورَهم، وفي كتاب الله تعالى: {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} [العنكبوت: 29] وهو النديُّ.
قال عَبيد بن الأبرص:
أذهبْ إليك فإني من بني أسَدٍ                أهل النديِّ وأهل الجودِ والنادي
وفى كتاب الله تعالى: {وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} [مريم: 73] وجمعه: أندية. فليدع أهل ناديه، كما قال تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] يريد أهل القرية.
قال سلامة بن جَنْدَل، أحد بني سعد بن زيد مناة بن تميم:
يومان يومُ مقاماتٍ وأنديةٍ                   ويومُ سَيْر إلى الأعداءِ تأويبِ1

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 التأويب: السير كل النهار.

ص -274-      وهذا البيت في قصيدة له. وقال الكُمَيْت بن زيد:
لا مهاذيرَ في النديّ مكاثيـ        ـر ولا مُصْمتين بالِإفحامِ
وهذا البيت في قصيدة له. ويقال النادي: الجلساء. الزبانية: الغلاظ الشداد، وهم في هذا الموضع خزنة النار. والزبانية أيضًا في الدنيا أعوان الرجل الذين يخدمونه ويعينونه، والواحد: زِبْنِيَة. قال ابن الزَّبَعْرَى في ذلك:
مطاعيمُ في المَقْرَى مطاعينُ في الوَغَى                زبانية غُلْت عظامٌ حلومُها
يقول: شداد. وهذا البيت في أبيات له. وقال صخر بن عبد الله الهذلي، وهو صخر الغي:
ومن كبير نفرٌ زبانية
وهذا البيت في أبيات له.
قال ابن إسحاق: وأنزل الله تعالى عليه فيما عرضوا عليه من أموالهم:
{قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [سبأ: 47].
استكبار قريش عن الِإيمان بالرسول، صلى الله عليه وسلم: فلما جاء رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بما عرفوا من الحق، وعرفوا صدقَه فيما حدَّث، وموقع نبوتِه فيما جاءهم به من علم الغيوب حين سألوه عما سألوه عنه، حال الحسدُ منهم له بينَهم وبين اتِّباعه وتصديقه: فعَتَوْا على الله وتركوا أمرَه عيانًا، ولجُّوا فيما هم عليه من الكفر، فقال قائلهم:
{لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: 26] أي اجعلوه لغوًا وباطلًا، واتخذوه هزوًا لعلكم تغلبونه بذلك. فإنكم إن ناظرتموه أو خاصمتموه يومًا غلبكم.
فقال أبو جهل يومًا يهزأ برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما جاء من الحق: يا معشر قريش يزعم محمدٌ أنما جنود الله الذين يعذبونكم في النار يحبسونكم فيها تسعةَ عشرَ، وأنتم أكثر الناس عددًا، وكثرة، أفيعجز كلُّ مائة رجل منكم عن رجل منهم؟ فأنزل الله تعالى عليه في ذلك من قوله:
{وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا} [المدثر: 31] إلى آخر القصة، فلما قال ذلك بعضهم لبعض، جعلوا إذا جهر رسول الله، صلى الله عليه وسلم

ص -275-      بالقرآن وهو يصلي، يتفرقون عنه، ويأبون أن يستمعوا له، فكان الرجلُ منهم إذا أراد أن يستمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعضَ ما يتلُو من القرآن وهو يصلي، استرق السمعَ دونَهم فَرَقًا منهم، فإن رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع منه ذهب خشيةَ أذاهم فلم يستمعْ، وإن خفض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صوتَه فظن الذي يستمع أنهم لا يستمعون شيئًا من قراءته وسمع هو شيئًا دونهم أصاخ له يستمعُ منه.
قال ابن إسحاق: حدثني داود بن الحُصَيْن، مولى عُمر بن عثمان، أن عِكْرِمة مولى ابن عباس حدثهم أن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- حدثهم: إنما أنزلت هذه الآية:
{وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء: 110] من أجل أولئك النفر يقول: لا تجهر بصلاتك فيتفرقوا عنك، ولا تخافتْ بها فلا يسمعها من يحب أن يسمعَها ممن يسترق ذلك دونَهم لعله يرعوي إلى بعض ما يسمع فينتفع به.
أول من جهر بالقرآن:
قال ابن إسحاق: وحدثني يحيى بنُ عروة بن الزبير، عن أبيه، قال: كان أول من جهر بالقرآن بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمكة عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: اجتمع يومًا أصحابُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: والله ما سمعتْ قريش هذا القران يجهر لها به قطُّ، فمنَ رجل يُسْمِعهموه؟ فقال عبد الله بن مسعود أنا، قالوا: إنا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلًا له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه؟ قال دعوني فإن الله سيمنَعُني. قال: فغدا ابن مسعود حتى أتى المقام في الضحى، وقريش في أنديتها، حتى قام عندَ المقام ثم قرأ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، رافعًا بها صوته:
{الرَّحْمَنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ} [الرحمن: 1، 2] قال: ثم استقبلها يقرؤها. قال: فتأملوه فجعلوا يقولون: ماذا قال ابنُ أمِّ عَبْد؟ قال: ثم قالوا: إنه ليتلُو بعضَ ما جاء به محمد، فقاموا إليه فجعلوا يضربون في وجْهِه، وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغَ. ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثَّروا في وجهه، فقالوا له: هذا الذي خَشينا عليك؛ فقال: ما كان أعداءُ الله أهونَ عليَّ منهم الآن، ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها غدًا؛ قالوا لا، حَسْبُك، قد أسمعتَهم ما يكرهون.
قصة استماع قريش إلى قراءة النبي صلى الله عليه وسلم:
قال ابن إسحاق: وحدثني محمدُ بنُ مسلمِ بن شهابٍ الزهريُّ أنه حُدِّث: أن أبا سُفْيان بن حرب،

ص -276-      وأبا جهل بن هشام، والأخنس بن شَرِيق بن عَمرو بن وهب الثَّقفي، حليف بني زُهْرة خرجوا ليلةً ليستمعوا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي من الليل في بيته، فأخذ كلُّ رجل منهم مجلسًا يستمع فيه، وكل لا يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجرُ تفرقوا فجمعهم الطريقُ، فتلاوموا، وقال بعضُهم لبعض: لا تعودوا، فلو رآكم بعضُ سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئًا، ثم انصرفوا. حتى إذا كانت الليلةُ الثانية، عاد كلّ رجل منهم إلى مجلسه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجرُ تفرقوا، فجمعهم الطريقُ، فقال بعضُهم لبعض مثلَ ما قالوا أول مرة، ثم انصرفوا. حتى إذا كانت الليلةُ الثالثةُ أخذ كلّ رجل منهم مجلسَه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجرُ تفرقوا، فجمعهم الطريق. فقال بعضهم لبعض: لا نبرح حتى نتعاهدَ ألا نعود على ذلك ثم تفرقوا.
الأخنس يستفهم عما سمعه: فلما أصبح الأخنسُ بن شَرِيق أخذ عصاه، ثم خرج حتى أتى أبا سفيان في بيته، فقال: أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال: يا أبا ثعلبة والله لقد سمعتُ أشياءَ أعرفها وأعرف ما يُراد بها، وسمعت أشياءَ ما عرفت معناها ولا ما يُراد بها، قال الأخنسُ: وأنا والذي حلفتَ به.
قال: ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل، فدخل عليه بيتَه، فقال: يا أبا الحكم، ما رأيك فيما سَمِعْتَ من محمد؟ فقال: ماذا سمعت، تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تحازينا على الرُّكب، وكنا كفرسَيْ رهان، قالوا: منا نبيٌّ يأتيه الوحىُ من السماء؛ فمتى ندرك مثلَ هذه، والله لا نؤمنُ به أبدًا ولا نصدقه قال: فقام عنه الأخنسُ وتركه.
تعنت قريش عند سماعهم القرآن وما نزل فيهم: قال ابن إسحاق: وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا تلا عليهم القرآن، ودعاهم إلى الله: قالوا يهزءون به:
{قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ} [فصلت: 5] لا نفقه ما تقول {وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ} لا نسمع ما تقول {وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} قد حال بيننا وبينك {فَاعْمَلْ} بما أنت عليه {إِنَّنَا عَامِلُونَ} [فصلت: 5] بما نحن عليه، إنا لا نفقه عنك شيئًا، فأنزل الله تعالى عليه في ذلك من قولهم: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا}... إلى قوله: {وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا} [الإسراء: 46]: أي كيف فهموا توحيدَك ربَّك إن كنتَ جعلتَ على قلوبِهم أكنة، وفي

ص -277-      آذانهم وقرًا، وبينك وبينهم حجابًا بزعمهم؛ أي إني لم أفعل ذلك. {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا}[الإسراء: 47]، أي: ذلك ما تواصوا به من ترك ما بعثك به إليهم. {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا} [الإسراء: 48] أي: أخطئوا المثل الذي ضربوا لك، فلا يصيبون به هُدًى، ولا يعتدل لهم فيه قول، {وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} [الإسراء: 49] أي: قد جئتَ تخبرنا أنا سنُبعث بعد موتنا إذا كنا عظامًا ورفاتًا، وذلك ما لا يكون. {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا، أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الإسراء: 50، 51] أي: الذي خلقكم مما تعرفون، فليس خلقكم من تراب بأعزِّ من ذلك عليه.
قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي نَجيح، عن مُجاهد، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: سألته عن قول الله تعالى:
{أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ} [الإسراء: 51] ما الذي أراد به الله؟ فقال: الموت.
ذكر عدوان المشركين على المستضعفين ممن أسلم بالأذى والفتنة:
قال ابن إسحاق: ثم إنهم عَدَوْا على من أسلم، واتبع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أصحابه، فوثبت كلُّ قبيلة على من فيها من المسلمين، فجعلوا يحبسونهم ويعذبونهم بالضرب والجوع والعطش، وبرَمْضاء مكة إذا اشتد الحرُّ، من استضعفوا منهم يفتنونهم عن دينهم، فمنهم من يُفتَن من شدةِ البلاء الذي يصيبه، ومنهم من يَصْلُب لهم، ويعصمه الله منهم.
ما لقيه بلال وتخليص أبي بكر له: وكان بلال، مولى أبي بكر -رضى الله عنهما- لبعض بني جُمَح، مُوَلَّدا من مُوَلّديهم، وهو بلال بن رباح، وكان اسم أمه حمامة، وكان صادقَ الإسلام طاهرَ القلب، وكان أميةُ بن وهب بن حُذَافة بن جُمَح يُخرجه إذا حَميت الظهيرةُ، في بَطْحاءِ مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتُوضع على صدره، ثم يقول له: لا تزال هكذا حتى تموتَ، أو تكفرَ بمحمد، وتعبد اللات والعُزَّى؛ فيقول وهو في ذلك البلاء: أحَد أحَد.
قال ابنِ إسحاق: وحدثني هشام بن عُروة عن أبيه، قال: كان ورقة بن نوْفل يمر به وهو يُعَذَّبَ بذلك، وهو يقول: أحَد أحَد؛ فيقول: أحَد أحَد والله يا بلال، ثم يُقْبِل على أمية بن خلف، ومن يصنع ذلك به من بني جُمَح، فيقول: أحلف بالله لئن قتلتموه على هذا

ص -278-      لأتخذنَّه حَنَانًا1، حتى مر به أبو بكر الصديق ابن أبي قحافة -رضي الله عنه- يومًا، وهم يصنعون ذلك به، وكانت دار أبي بكر في بني جُمَح، فقال لأمية بن خلف: ألا تتقي الله في هذا المسكين؟ حتى متى؟! قال: أنت الذي أفسدتَه فأنقذْه مما ترى؛ فقال أبو بكر: أفعل، عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى، على دينك، أعْطِيكه به؛ قال: قد قبلتُ فقال: هو لك. فأعطاه أبو بكر الصديق -رضى الله عنه- غلامَه ذلك، وأخذه فأعتقه.
من أعتقهم أبو بكر: ثم أعتق معه على الِإسلام قبل أن يهاجرَ إلى المدينة سِتَّ رقابٍ، بلالٌ سابعهم: عامر بن فهيرة، شهد بدرًا وأحدًا، وقُتل يوم بئر معونة شهيدًا؟ وأم عُبَيْس وزِنِّيرة، وأصيب بصرُها حين أعتقها، فقالت قريش: ما أذهب بصرَها إلا اللاتُ والعزَّى؛ فقالت: كذَبوا وبيتِ الله ما تضرُّ اللات والعزى وما تنفعان، فرد اللهُ بصرَها.
وأعتق الهَدِيةَ وبنتَها، وكانتا لامرأة من بني عبد الدار، فمر بهما وقد بعثتهما سيدتهما بطحين لها، وهى تقول: والله لا أعتقهما أبدًا، فقال أبو بكر -رضى الله عنه- حلّ2 يا أم فلان؛ فقالت: حِلَّ، أنت أفسدتهما فأعتقهما؛ قال: فبكم هما؟ قالت بكذا وكذا؛ قال: وقد أخذتهما وهما حرتان، أرجعا إليها طحينها، قالتا: أو نفرُغ منه يا أبا بكر ثم نرده إليها؛ قال: وذلك إن شئتما.
ومر بجارية بني مُؤمَّل، حَيٍّ من بني كعب، وكانت مُسلمة، وعمر بن الخطاب يعذبها لتترك الِإسلام، وهو يومئذ مشرك وهو يضربُها، حتى إذا ملَّ قال: إني أعتذر إليكِ، إني لم أتركْك إلا ملالة؛ فتقول: كذلك فعل الله بك. فابتاعها أبو بكر، فأعتقها.
أبو قحافة يلوم أبا بكر: قال ابن إسحاق: وحدثني محمدُ بن عبد المطلب بن أبي عَتِيق، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن بعض أهله، قال:
قال أبو قحافة لأبي بكر: يا بُنَي، إني أراك تُعْتِق رقابًا ضِعافًا فلو أنك إذا ما فعلتَ أعتقتَ رجالًا جُلْدًا يمنعونك ويقومون دونَك؟ فقال أبو بكر -رضي الله عنه- يا أبتِ، إني

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 حنانا: أي إذا مات أجل قبره متبركًا به.
2 أي تحللي من يمينك.

ص -279-      إنما أريد ما أريد لله عز وجل. قال: فيُتَحدث أنه ما نزل هؤلاء الآيات إلا فيه، وفيما قال له أبوه: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [الليل: 5، 6].. إلى قوله تعالى: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى، إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى، وَلَسَوْفَ يَرْضَى}.
تعذيب آل ياسر: قال ابن إسحاق: وكانت بنو مخزوم يَخرجون بعمار بن ياسر، وبأبيه وأمه، وكانوا أهلَ بيت إسلام، إذا حَمِيت الظهيرة، يعذبونهم برَمْضاء1 مكة، فيمر بهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيقول فيما بلغني:
"صبرًا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة". فأما أمه فقتلوها وهى تأبَى إلا الإسلامَ.
وكان أبو جهل الفاسق الذي يُغْرِي بهم في رجال من قريش، إذا سمع بالرجلِ قد أسلم له شرف ومَنَعة، أنَّبه وأخْزاه وقال: تركتَ دينَ أبيك وهو خيرِّ منك، لنُسَفهنَّ حلمَك، ولنفيّلن2 رأيك، ولنضعنَّ شرفَك؛ وإن كان تاجرًا قال: والله لنُكْسِدَن تجارتَك، ولنُهلكن مالك؛ وإن كان ضعيفًا ضربه وأغرَى به.
فتنة المسلمين: قال ابن إسحاق: وحدثني حكيم بن جُبَير عن سعيد بن جُبَير، قال: قلتُ لعبد الله بن عباس: أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من العذاب ما يُعْذَرون به في ترك دينهم؛ قال: نعم والله، إن كانوا ليُضربون أحدَهم ويجيعونه ويُعَطِّشونه حتى ما يقدر أن يستوي جالسًا من شدة الضر الذي نزل به، حتى يعطيَهم ما سألوه من الفتنة، حتى يقولوا له؛ آللاتُ والعُزَّي إلهك من دون الله؟ فيقول نعم، حتى إن الجُعْلَ ليمر بهم، فيقولون له: أهذا الجُعْلُ إلهك من دون الله؟ فيقول: نعم، افتداء منهم مما يبلغون من جهده.
هشام يرفض تسليم الوليد إلى قريش: قال ابن إسحاق: وحدثني الزبير بن عُكَّاشة بن أبي أحمد أنه حُدِّث أن رجالًا من بني مخزوم مَشَوْا إلى هشام بن الوليد، حين أسلم أخوه الوليد بن الوليد، وكانوا قد أجمعوا على أن يأخذوا فتية منهم كانوا قد أسلموا، منهم: سَلَمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة. قال: فقالوا له وخَشَوْا شرَّهم: إنا قد أردنا أن نعاتب هؤلاء الفتية على هذا الدين الذي أحدثوا، فإنا نأمن بذلك في غيرهم. قال: هذا، فعليكم به، فعاتبوه وإياكم ونفسَه، وأنشأ يقول:
ألا لا يقتلنَّ أخي عُيَيْش        فيبقى بينَنا أبدًا تلاحِي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الرمضاء: الرمال شديدة الحرارة.
2 لتفيلن: لنقبحن.

ص -280-      احذروا على نفسِه، فأقْسم بالله لئن قتلتموه لأقتلنَّ أشرفَكم رجلًا قال: فقالوا: اللهم العنْه، من يُغَرر بهذا الخبيث، فوالله لو أصيب في أيدينا لقتلَ أشرفَنا رجلا. قال: فتركوه ونزعوا عنه. قال: وكان ذلك مما دفع اللهُ به عنهم.
ذكر الهجرة الأولى إلى أرض الحبشة:
قال ابن إسحاق: فلما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يصيب أصحابَه
من البلاء، وما هو فيه من العافية، بمكانه من الله ومن عمه أبي طالب، وأنه لا يقدر أن يمنعَهم مما هم فيه من البلاء، قال لهم: لو خرجتم إلى أرضِ الحبشة فإن بها مَلكًا لا يُظْلَم عنده أحدٌ، وهي أرضُ صدقٍ، حتى يجعلَ اللهُ لكم فرجًا مما أنتم؛ فخرج عند ذلك المسلمون من أصحابِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أرضِ الحبشة، مخافة الفتنة، وفرارًا إلى الله بدينهم، فكانت أولَ هجرة في الِإسلام.
أوائل المهاجرين إلى الحبشة: وكان أولَ من خرج من المسلمين من بني أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لُؤَي بن غالب بن فهر: عثمانُ بن عفان بن أبي العاص بن أمية، معه امرأته رقية بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
ومن بني عبد شمس بن عبد مناف: أبو حُذَيفة بن عُتبة بن ربيعة بن عبد شمس، معه امرأته: سَهْلة بنت سُهَيْل بن عَمرو، أحد بني عامر بن لُؤَي، وَلَدت له بأرض الحبشة محمدَ بن أبي حُذَيفة. ومن بني أسد بن عبد العُزى بن قصي: الزبير بن العوام بن خُوَيلد بن أسد. ومن بني عبد الدار بن قصي: مُصْعَب بن عُمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار. ومن بني زهرة بن كلاب: عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زُهرة. ومن بني مخزوم بن يقظة بن مرة: أبو سَلَمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عُمر بن مخزوم، ومعه امرأته: أم سَلَمة بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عُمر بن مخزوم. ومن بني جمَح بن عمرو بن هُصيْص بن كعب: عثمان بن مظعون بن حبيب بن وَهْب بن حُذافة بن جمَح. ومن بني عدي بن كعب: عامر بن ربيعة، حليف آل الخطاب، من عَنز بن وائل، معه امرأتُه ليلى بنت أبي حَثْمة بن حذافة بن غانم بن عامر بن عبد الله بن عوف بن عبيد بن عُوَيج بن عدي بن كعب. ومن بني

ص -281-      عامر بن لؤي: أبو سَبْرة بن أبي رُهْم بن عبد العُزى بن أبي قيْس بن عبد وُد بن نصر بن مالك بن حِسْل بن عامر، ويقال: بل أبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد وُدّ بن نصر بن مالك بن حِسْل بن عامر ويقال: هو أول من قدمها. ومن بني الحارث بن فهر: سُهَيْل ابن بيضاء، وهو سُهَيْل بن وهب بن ربيعة بن هلال بن أهَيْب بن ضَبَّة بن الحارث، فكان هؤلاء العشرة أول من خرج من المسلمين إلى أرض الحبشة، فيما بلغني.
قال ابن هشام: وكان عليهم عثمانُ بن مظعون، فيما ذكر لي بعض أهل العلم.
قال ابن إسحاق: ثم خرج جعفرُ بن أبي طالب رضي الله عنه، وتتابع المسلمون حتى اجتمعوا بأرض الحبشة، فكانوا بها، منهم من خرج بأهله معه، ومنهم من خرج بنفسه لا أهلَ له معه.
المهاجرون من بني هاشم: ومن بني هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مُرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فِهْر: جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، معه امرأتُه أسماء بنت عُمَيْس بن النعمان بن كعب بن مالك بن قحافة بن خَثْعم، ولدت له بأرض الحبشة: عبد الله بن جعفر، رجل.
المهاجرون من بني أمية: ومن بني أمية بن عبد شمس بن عبد مناف: عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، معه امرأته: رقيةُ ابنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعَمرو بن سعيد بن العاص بن أمية، معه امرأته: فاطمة بنت صفوان بن أمية بن مُحَرِّث بن شِق بن رَتَبة بن مُخْدِج الكناني، وأخوه خالد بن سعيد بن العاص بن أمية، معه امرأته أمَيْنة بنت خلف بن أسعد بن عامر بن بياضة بن سبيع بن جُعْثُمة بن سعد بن مُلَيْح بن عمرو، من خزاعة.
قال ابن هشام: ويقال هُمَيْنة بنت خلف.
قال ابن إسحاق: ولدت له بأرض الحبشة سعيد بن خالد، وأمَةَ بنت خالد، فتزوج أمةَ بعد ذلك الزبيرُ بن العوام، فولدت له عمرو بن الزبير، وخالد بن الزبير.
المهاجرون من بني أسد: ومن حلفائهم، من بني أسد بن خُزَيمة: عبد الله بن جَحْش بن رِئاب بن يَعْمر بن صَبْرة بن مرة بن كبير بن غَنْم بن دُودان بن أسد؛ وأخوه عُبَيْد الله بن جَحْش، معه امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية. وقيس بن عبد الله، رجل من بني أسد بن خُزَيمة، معه امرأته بركة بنت يسار، مولاة أبي سفيان بن حرب بن

ص -282-      أمية؛ ومعيقيب بن أبي فاطمة. وهؤلاء آل سعيد بن العاص، سبعة نفر. قال ابن هشام: مُعَيْقيب من دوس.
المهاجرون من بني عبد شمس: قال ابن إسحاق: ومن بني عبد شمس بن عبد مناف أبو حُذيفة بن عُتبة بن ربيعة بن عبد شمس؛ وأبو موسى الأشعري، واسمه عبد الله بن قيس، حليف آل عُتبة بن ربيعة، رجلان.
المهاجرون من بني نَوْفل: ومنِ بني نَوْفل بن عبد مناف: عُتبة بن غَزْوان بن جابر بن وهب بنِ نسيب بن مالك بن الحارث بن مازن بن منصور بن عِكرمة بن خصَفَة، بن قيس بن عَيْلان، حليف لهم، رجل.
المهاجرون من بني أسد: ومن بني أسد بن عبد العُزَّى بن قصي: الزبير بن العوام بن خُوَيْلد بن أسد، والأسْوَد بن نَوْفل بن خُوَيلد بن أسد، ويزيد بن زَمْعة بن الأسْوَد بن المطلب بن أسد. وعُمر بن أمية بن الحارث بن أسد، أربعة نفر.
المهاجرون من بني عبد بن قُصي: ومن بني عبد بن قُصي: طُلَيب بن عُمَيْر بن وهب بن أبي كبير بن عبد بن قصي، رجل.
المهاجرون من بني عبد الدار بن قصي: ومن بني عبد الدار بن قُصي: مُصعَب بن عُمَيْر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، وسُوَيْبط بن حرملة بن مالك بن عُمَيْلة بن السبَّاق بن عبد الدار، وجَهْم بن قَيْس بن عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، معه امرأته: أم حَرْملة بنت عبد الأسْود بن جُذيمة بن أقْيش بن عامر بن بَيَاضة بن سُبيع بن جُعْثمة بن سعد بن مُلَيح بن عمرو، من خزاعة؛ وابناه: عَمرو بن جَهْم وخُزيمة بن جَهْم. وأبو الرُّوم بن عُمَير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار؛ وفِراس بن النضْر بن الحارث بن كَلدة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار، خمسة نفر.
المهاجرون من بني زهرة: ومن بني زُهرة بن كلاب: عبد الرحمن بن عوف بن عبْد عَوْف بن عبد بن الحارث بن زُهرة وعامر بن أبي وقَّاص وأبو وقَّاص مالك بن أهَيْب بن عبد مناف بن زُهرة والمطَّلب بن أزهر بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زُهْرة، معه امرأته رملة بنت أبي عوف بن ضُبَيْرة بن سعيد بن سعد بن سهم، وَلدت له بأرض الحبشة: عبد الله بن المطلب.

ص -283-      المهاجرون من بني هذيل: ومن حلفائهم من هُذَيل: عبد الله بن مسعود بن الحارث بن شَمْخ بن مخزوم بن صَاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هُذَيل: وأخوه: عُتبة بن مسعود.
المهاجرون من بهراء: ومن بهراء: المِقْداد بن عَمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة بن ثُمامة بن مطرود بن عَمرو بن سعد بن زُهَير بن لُؤَي بن ثعلبة بن مالك بن الشَّريد بن أبي أهْوز بن أبي فائش بن دُرَيم بن القَيْن بن أهود بن بهراء بن عَمرو بن الحاف بن قضاعة.
قال ابن هشام: ويقال هزل بن فاس بن ذَر، ودَهِير بن ثَوْر.
قال ابن إسحاق: وكان يقال له المقداد بن الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زُهرة، وذلك أنه تبناه في الجاهلية وحالفه، ستة نفر.
الهاجرون من بني تيم: ومن بني تَيْم بن مرة: الحارث بن خالد بن صخر بن عَامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تَيْم، معه امرأته: رَيْطة بنت الحارث بن جَبَلَة بن عامر بن كعب بن سعد بن تَيْم، ولدت له بأرض الحبشة: موسى بن الحارث وعائشة بنت الحارث، وزينب بنت الحارث وفاطمة بنت الحارث. وعَمرو بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تَيْم، رجلان.
المهاجرون من في مخزوم: ومن بني مخزوم بن يقظة بن مرة: أبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عُمر بن مخزوم، ومعه امرأته. أم سَلَمة بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، ولدت له بأرض الحبشة: زينبَ بنت أبي سلمة، واسم أبي سلمة عبد الله، واسم أم سلمة: هند. وشَمَّاس بن عثمان بن الشَّرِيد بن سُوَيْد بن هَرْمِي بن مخزوم.
خبر الشماس: قال ابن هشام: واسم شَمَّاس: عثمان، وإنما سُمي شماسًا؛ لأن شماسًا من الشمامسة قَدِم مكة في الجاهلية، وكان جميلًا فعجب الناس من جماله، فقال عتبة بن ربيعة، وكان خال شماس: أنا آتيكم بشماس أحسن منه، فجاء بابن أخته عثمان بن عثمان، فسمي شماسًا، فيما ذكر ابن شهاب وغيره.
قال ابن إسحاق: وهَبَّار بن سفيان بن عبد الأسَد بن هلال بن عبد الله بن عُمر بن مخزوم، وأخوه عبد الله بن سفيان: وهشام بن أبي حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم،. وسلمة بن

ص -284-      هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عُمر بن مخزوم؛ وعَيَّاش بن أبي ربيعة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم.
المهاجرون من حلفاء بني مخزوم؛ ومن حلفائهم، مُعَتِّب بن عَوْف بن عامر بن الفضل بن عفيف بن كُلَيب بن حَبشية بن سلول بن كعب بن عمرو، من خزاعة، وهو الذي يقال له: عَيْهامة، ثمانية نفر.
قال ابن هشام: ويقال حُبْشية بن سلول، وهو الذي يقال له معتِّب ابن حمراء.
المهاجرون من بني جُمح: ومن بني جُمح بن عَمرو بن هُصَيْص بن كعب: عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حُذافة بن جُمَح وابنه السائب بن عثمان: وأخواه قُدامة بن مظعون، وعبد الله بن مظعون؛ وحاطب بن الحارث بن مَعْمَر بن حبيب بن وهب بن حُذافة بن جُمَح، معه امرأته: فاطمةُ بنت المجلَّل بن عبد الله بن أبي قيس بن عبد وُدّ بن نصر بن مالك بن حِسْل بن عامر: وابناه: محمد بن حاطب، والحارث بن حاطب، وهما لبنت المجلَّل؛ وأخوه حطاب بن الحارث، معه امرأته فُكَيهة بنت يسار؛ وسفيان بن معمر بن حبيب بن وهب بن حُذافة بن جُمَح، معه ابناه جابر بن سفيان، وجُنادة بن سفيان، ومعه امرأته حَسنة، وهى أمهما، وأخوهما من أمهما شَرَحْبيل بن حسنة، أحد الغوث.
قال ابن هشام: شرحبيل بن عبد الله أحد الغَوث بن مُرّ، أخي تميم بن مر.
قال ابن إسحاق: وعثمان بن ربيعة بن أهبان بن وهب بن حُذافة بن جُمَح، أحد عشر رجلا.
المهاجرون من بني سهم: ومن بني سَهْم بن عمرو بن هُصَيْص بن كعب، خنَيْس بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم؛ وعبد الله بن الحارث بن قَيْس بن عَدِي بن سعد بن سهل، وهشام بن العاص بن وائل بن سعد بن سهم.
قال ابن هشام: العاص بن وائل بن هاشم بن سعد بن سهم.
قال ابن إسحاق: وقَيْس بن حُذافة بن قَيْس بن عَدِي بن سعد بن سهم، وأبو قيس بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم، وعبد الله بن حُذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم، والحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم، ومَعْمَر بن الحارث بن قَيْس بن عدي

ص -285-      ابن سعد بن سهم؛ وبِشر بن الحارث بن قَيْس بن عَدِي بن سعد بن سهم، وأخ له من أمه من بني تميم، يقال له: سعيد بن عمرو، وسعيد بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم؛ والسَّائب بن الحارث بن قَيْس بن عدي بن سعد بن سهم. وعُمَيْر بن رِئاب بن حُذيفة بن مُهَشم بن سعد بن سهم. ومَحْمِية بن جَزْء، حليف لهم، من بني زبيد، أربعة عشر رجلا.
المهاجرون من بني عدي: ومن بني عدي بن كعب: مَعْمر بن عبد الله بن نَضْلَة بن عبد العُزَّى بن حُرْثان بن عَوْف بن عُبَيد بن عُوَيْج بن عدي وعُروة بن عبد العُزَّى بن حُرْثان بن عوف بن عُبَيد بن عُوَيج بن عَدِيّ، وعدي بن نَضْلَة بن عبد العُزى بن حُرْثان بن عَوْف بن عُبَيد بن عُوَيج بن عدي، وابنه النعمان بن عَدِيِّ، وعامر بن ربيعة، حليف لآل الخطاب، من عنز بن وائل، معه امرأته ليلى بنت أبي حَثْمَة بن غانم. خمسة نفر.
المهاجرون من بني عامر: ومن بني عامر بن لؤي: أبو سَبْرة بن أبي رُهْم بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد وُد بن نصر بن مالك بن حِسْل بن عامر، معه امرأته: أم كلثوم بنت سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد وُد بن نصر بن مالك بن حِسْل بن عامر، وعبد الله بن مَخْرَمة بن عبد العُزى بن أبي قيس بن عبد وُد بن نصر بن مالك بن حِسْل بن عامر، وعبد الله بن سُهَيل بن عَمرو بن عبد شمس بن عبد وُد بن مالك بن حِسْل بن عامر، وسَلِيط بن عَمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حِسْل بن عامر، وأخوه السكران بن عمرو، معه: امرأته سَوْدَة بنت زَمْعَة بن قَيْس بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حِسْل بن عامر، ومالك بن زَمْعَة بن قَيْس بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حِسْل بن عامر، معه: امرأته عمرة بنت السَّعْدي بن وَقْدان بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حِسْل بن عامر، وحاطب بن عَمرو بن عبد شمسِ بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حِسْل بن عامر، وسعد بن خولة، حليف لهم، ثمانية نفر.
قال ابن هشام: سعد بن خَولة من اليمن.
المهاجرون من بني الحارث: قال ابن إسحاق: ومن بني الحارث بن فِهْر: أبو عُبَيْدة بن الجراح، وهو عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهَيْب بن ضَبَّة بن الحارث بن فِهر، وسُهَيل ابن بيضاء، وهو سهيل بن وهب بن ربيعة بن هلال بن أهَيْب بن ضَبَّة بن الحارث، ولكن أمه غلبت على نسبه، فهو ينسب إليها، وهى دعد بنت جحدم بن أمية من ظرب بن الحارث بن فِهْر، وكانت تدعى بيضاء، وعمرو بن أبي سَرْح بن ربيعة بن

ص -286-      هلال بن أهَيب بن ضَبَّة بن الحارث، وعياض بن زهير بن أبي شداد بن ربيعة بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث، ويقال: بل ربيعة بن هلال بن مالك بن ضبة، وعمرو بن الحارث بن زهير بن أبي شداد بن ربيعة بن مالك بن ضَبة بن الحارث، وعثمان بن عبد غنْم بن زهير بن أبي شداد بن ربيعة بن هلال بن مالك بن ضَبة بن الحارث، وسعد بن عبد قيس بن لَقيط بن عامر بن أميهّ بن ظَرَب بن الحارث، والحارث بن عبد قَيْس بن لَقيط بن عامر بن أمية بن ظَرَب بن الحارث بن فهر. ثمانية نفر.
عدد مهاجري الحبشة: فكان جميع من لحق بأرض الحبشة، وهاجر إليها من المسلمين، سوى أبنائهم الذين خرجوا بهم معهم صغارًا وولدوا بها، ثلاثة وثمانين رجلًا، إن كان عمار بن ياسر فيهم، وهو يُشَك فيه.
شعر عبد الله بن الحارث في هجرة الحبشة: وكان مما قيل من الشعر في الحبشة أن عبد الله بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم، حين أمنوا بأرض الحبشة، وحمدوا جوار النجاشي وعبدوا الله لا يخافون على ذلك أحدًا، وقد أحسن النجاشيُّ جوارَهم حين نزلوا به قال:
يا راكبًا بَلِّغَنْ عني مُغَلْغَلة       من كان يرجو بلاغَ اللهِ والدينِ1
كلًّ امرئٍ من عبادِ الله مضطهد                   ببطن مكةَ مقهورٍ ومفتونِ
أنا وجدنا بلادَ الله واسعةً         تُنجي من الذلِّ والمَخْزاةِ والهونِ
فلا تقيموا على ذلِّ الحياةِ وخِز                   يٍ في المماتِ وعيبٍ غيرِ مأمونِ
إنا تبعنا رسولَ الله واطَّرحوا قولَ                  النبيِّ وعالوا في الموازينِ2
فاجعل عذابَك في القومِ الذين بَغَوْا              وعائذًا بك أن يغلوا فيطغوني
وقال عبد الله بن الحارث أيضًا، يذكر نفي قريش إياهم من بلادهم، ويعاتب بعض قومه في ذلك:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المغلغلة: الرسالة.
2 عالوا: خانوا.

ص -287-                   أبتْ كَبِدي، لا أكْذِبَنْكَ، قتالَهم   عليَّ وتأباه علىَّ أناملى
وكيف قتالي معَشرًا أدَّبوكمُ                    على الحق أن لا تأشِبوه بباطلِ1
نفتهمْ عبادُ الجنِّ من حُرِّ أرضِهم              فأضْحَوْا على أمر شديدِ البلابلِ2
فإن تكُ كانت في عَدِي أمانةٌ                  عديّ بن سعد عن تُقًى أو تواصلِ
فقد كنت أرجو أن ذلك فيكمُ                   بحمدِ الذي لا يُطَّبِي بالجعائل3
وبُدِّلت شِبلًا شبْلَ كل خبيئةٍ                  بذي فَجَر مأوَى الضِّعافِ الأراملِ4
                  
وقال عبد الله بن الحارث أيضًا:
وتلك قريشٌ تجحَدُ اللهَ حقَّه                  كما جحدت عاد ومدينُ والحِجْرُ
فإن أنا لم أبرِقْ فلا يَسَعَنَّني                من الأرضِ برٌّ ذو فضاءٍ ولا بحرُ
بأرضٍ بها عَبد الِإلهَ محمدٌ                    أبيِّنُ ما في النفسِ إذ بلغ النَّقْرُ5
فسمي عبد الله بن الحارث -يرحمه الله- لبيته الذي قال: "المُبْرِق".
وقال عثمان بن مظعون يعاتب أمية بن خلف بن وهب بن حُذافة بن جُمَح، وهو ابن عمه وكان يؤذيه في إسلامه، وكان أمية شريفًا في قومه في زمان ذلك:
أتَيْمَ بنَ عمرو للذي جاء بغضُه               ومن دونه الشَّرمان والبرك أكتع6
أأخرجتني من بطنِ مكةَ آمنًا                وأسكنتني في صرحِ بيضاء ِتقذع7

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تأشبوه: تخلطوه.
2 البلابل: وساوس الأحزان.
3 لا يطبى بالجعائل: لا يستمال بالرشوة.
4 الفجر: العطاء.
5 النقر: البحث.
6 الشرمان: تثنية شرم وهو لجة البحر، والبرك: الإبل الباركة.
7 صرح بيضاء: مدينة الحبشة. وتقذع: تكره.
ص -288-               تَريشُ نبالًا لا يواتيك ريشُها          وتَبْري نبالًا ريشُها لكَ أجمعُ
وحاربتَ أقوامًا كرامًا أعزَّةً                    أهلكتَ أقوامًا بهم كنتَ تَفْزعُ
ستعلم إن نابتْك يومًا مُلِمةٌ                وأسلمك الأوباشُ ما كنتَ تصنعُ1
وتَيْم بن عمرو، الذي يدعو عثمان، جمحُ، كان اسمه تَيْمًا.
إرسال قريش إلى الحبشة في طلب المهاجرين إليها:
قال ابن إسحاق: فلما رأت قريش أن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أمنوا واطمأنوا بأرض الحبشة، وأنهم قد أصابوا بها دارًا ومرارًا، ائتمروا بينَهم أن يبعثوا فيهم منهم رجلين من قريش جَلْدَين إلى النجاشي، فيردهم عليهم، ليفتنوهم في دينهم، ويخرجوهم من دارِهم، التي اطمأنوا بها وأمنوا فيها؛ فبعثوا عبد الله بن أبي ربيعة، وعَمرو بن العاص بن وائل، وجمعوا لهما هدايا للنجاشي ولبطارقته2، ثم بعثوهما إليه فيهم.
شعر أبي طالب للنجاشي: فقال أبو طالب، حين رأى ذلك من رأيهم وما بعثوهما فيه، أبياتًا للنجاشي يحضه على حسنِ جوارِهم والدفع عنهم:
ليتَ شِعْري كيفَ في النأيِ جعفرٌ              وعمرو وأعداءُ العدو الأقاربُ3
وهل نالت أفعالُ النجاشيِّ جعفرًا              وأصحابَه أو عاق ذلك شاعبُ
تعلَّم أبيتَ اللعنَ، أنك ماجدٌ    كريم فلا يَشْقَى لديك المُجانِبُ4
تعلَّم بأن الله زادك بَسْطةً      وأسبابَ خير كلُّها بك لاَزِبُ5
وأنك فيْض ذو سِجالٍ غزيرةٍ     ينال الأعادي نفعَها والأقاربُ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأوباش: الضعفاء.
2 قواده.
3 النأي: البعد.
4 المجانب: الداخل في الحمى.
5 لازب: لاصق.
ص -289-      حديث أم سلمة عن الرسولين اللذين أرسلتهما قريش للنجاشي: قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن مسلم الزهريّ عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، عن أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة زوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالت: لما نزلنا أرض الحبشة، جاورنا بها خيرَ جار: النجاشيّ، أمِنَّا على ديننا، وعبدنا اللهَ تعالى لا نُؤْذَى ولا نسمعُ شيئًا نكرهه فلما بلغ ذلك قريشًا، ائتمروا بينهم أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين منهم جَلْدَينِ؛ وأن يهدوا للنجاشي هدايا مما يستظرِف من متاعِ مكة، وكان من أعجب ما يأتيه منها الأدَم1، فجمعوا له أدَمًا كثيرًا، ولم يتركوا من بطارقته بطريقًا إلا أهدوا له هدية، ثم بعثوا بذلك عبد الله بن أبي ربيعة، وعمرو بن العاص، وأمروهما بأمرهم، وقالوا لهما: ادفعا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلما النجاشي فيهم، ثم قدما إلى النجاشي هداياه، ثم سلاه أن يسلمهم إليكما قبل أن يكلمهم. قالت: فخرجا حتى قدما على النجاشي، ونحن عندَه بخير دار، عند خيرِ جارٍ، فلم يبقَ من بطارقته بطريقٌ إلا دفعا إليه هديته قبل أن يكلما النجاشي، وقالا لكل بطريق منهم: إنه قد ضوَى2 إلى بلد الملك منا غلمان سُفهاء، فارقوا دينَ قومهم، ولم يدخلوا في دينكم، وجاءوا بدين مبتدَع، لا نعرفه نحن ولا أنتم وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم ليردهم إليهم، فإذا كلمنا الملك، فأشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم، فإن قومهم أعلَى بهم عينًا3، وأعلم بما عابوا عليهم؛ فقالوا لهما: نعم. ثم إنهما قدما هداياهما إلى النجاشي فقبلها منهما، ثم كلماه فقالا له: أيها الملك، إنه قد ضوى إلى بلدك منا غلمان سفهاء، فارقوا دينَ قومهم، ولم يدخلوا في دينك، وجاءوا بدين ابتدعوه، لا نعرفه نحنُ ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم لتردَّهم إليهم، فهم أعلى بهم عينًا، وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه. قالت: ولم يكن شيء أبغض إلى عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع كلامَهم النجاشيُّ. قالت: فقالت بطارقته حوله: صَدَقا أيها الملك قومهم أعلى بهم عينًا وأعلم بما عابوا عليهم فأسلمْهم إليهما. فليردَّاهم إلى بلادهم وقومهم. قالت: فغضب النجاشي، ثم قال: لاهَا الله، إذن لا أسلمهم إليهما، ولا يكاد قوم جاوروني، ونزلوا بلادي، واختاروني على من سواي، حتى أدعوهم فأسألهم عما يقول هذان في أمرهم،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأدم: الجلود.
2 ضوى: لجأ.
3 أي أبصر بهم من غيرهم.

ص -290-      فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما، ورددتهم إلى قومِهم، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما، وأحسنت جوارَهم ما جاوروني.
الحوار الذي دار بين المهاجرين والنجاشي: قالت: ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فدعاهم، فلما جاءهم رسوله اجتمعوا، قال بعضُهم لبعض: ما تقولون للرجل إذا جئتموه؛ قالوا: نقول والله ما علمنا، وما أمرنا به نبينا -صلى الله عليه وسلم- كائنًا في ذلك ما هو كائن. فلما جاءوا، وقد دعا النجاشي أساقفته، فنشروا مصاحفهم حوله سألهم فقال لهم: ما هذا الدين الذي قد فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا في ديني، ولا في دين أحد من هذه المِلل؟ قالت: فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب، فقال له: أيها الملك، كنا قومًا أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكلُ الميتةَ، ونأتي الفواحشَ، ونقطع الأرحام. ونسيء الجوار ويأكل القويُّ منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولًا منا، نعرف نسبَه وصدقَه وأمانته وعفافَه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارةِ والأوثانِ وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلةِ الرَّحمِ وحسنِ الجوار، والكفِّ عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله وحده، لا نشرك به شيئًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام –قالت: فعدد عليه أمور الِإسلام– فصدقناه وآمنا به، واتبعناه على ما جاء به من الله، فعبدنا اللهَ وحدَه، فلم نشرك به شيئًا، وحرَّمنا ما حرَّم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومُنا، فعذبونا، وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى، وأن نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك؛ ورغبنا في جوارِك، ورجونا أن لا نُظلَم عندك أيها الملك. قالت: فقال له النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ قالت: فقال له جعفر: نعم؛ فقال له النجاشي: فاقرأه عليَّ؛ قالت: فقرأ عليه صدرًا من: "كهيعص" قالت: فبكى والله النجاشي حتى اخضلت لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفَهم، حين سمعوا ما تلا عليهم. ثم قال النجاشي: إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مِشكاةٍ واحدة، انطلِقَا، فلا والله لا أسلمهم إليكما، ولا يُكَادون.
رأي المهاجرين في عيسى أمام النجاشيٍ: قالت: فلما خرجا من عنده، قال عمرو بن العاص: والله لآتينه غدا عنهم بما استأصل به خَضرَاءَهم. قالت: فقال له عبد الله بن أبي ربيعة وكان أتقى الرجلين فينا: لا تفعل فإن لهم أرحامًا، وإن كانوا قد خالفونا؛ قال: والله لأخبرنَّه

ص -291-      أنهم يزعمون أن عيسى ابن مريم عَبْدٌ. قالت: ثم غدا عليه من الغد فقال: أيها الملك، إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولًا عظيمًا، فأرسِلْ إليهم فسلْهم عما يقولون فيه. قالت: فأرسل إليهم ليسألهم عنه. قالت: ولم ينزل بنا مثلها قطُّ. فاجتمع القوم، ثم قال بعضهم لبعض: ماذا تقولون في عيسى ابن مريم إذا سألكم عنه؟ قالوا: نقول والله ما قال الله، وما جاءنا به نبينا كائنًا في ذلك ما هو كائن. قالت: فلما دخلوا عليه، قال لهم: ماذا تقولون في عيسى ابن مريم؟ قالت: فقال جعفر بن أبي طالب: نقول فيه الذي جاءنا به نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم: هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول قالت: فضرب النجاشي بيده إلى الأرض فأخذ منها عُودًا، ثم قال: والله ما عدا عيسى ابن مريم ما قلتَ هذا العودَ. قالت: فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال؛ فقال: وإن نخرتم والله، اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي –والشيوم1: الآمنون– من سبَّكم غَرِم، ثم قال: من سبكم غَرِم، ثم قال: من سبكم غَرِم. ما أحبُّ أن لي دَبرًا من ذهب، وأني آذيت رجلًا منكم. قال ابن هشام: ويقال دبري من ذهب، ويقال: فأنتم سيوم -والدبر بلسان الحبشة: الجبل- ردوا عليهما هداياهما، فلا حاجة لي بها، فوالله ما أخذ الله من الرِّشْوَة حين ردَّ عليَّ ملكَي، فآخذ الرِّشوة فيه، وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه. قالت: فخرجا من عنده مَقْبوحَيْن مردودًا عليهما ما جاءا به، وأقمنا عنده بخير دار، مع خير جار.
المهاجرون يفرحون بانتصار النجاشي: قالت: فوالله إنا لعلى ذلك، إذا نزل به رجل من الحبشة ينازعه في ملكه. قالت: فوالله ما علمتُنا حَزِنَّا حزنًا قطًّ كان أشدَّ علينا من حزن حزناه عند ذلك، تخوّفًا أن يظهر ذلك الرجل على النجاشي، فيأتى رجل لا يعرف من حقِّنا ما كان النجاشيُّ يعرف منه. قالت: وسار إليه النجاشيّ، وبينهما عَرضُ النيل، قالت: فقال أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم: مَنْ رجل يخرج حتى يحضرَ وقيعةَ القوم ثم يأتينا بالخبر؟ قالت. فقال الزبير بن العوام. أنا. قالوا: فأنت. وكان من أحدث القوم سِنًّا. قالت: فنفخوا له قربةً فجعلها في صدره، ثم سبح عليها حتى خرج إلى ناحية النيل التي بها ملتقَى القوم، ثم انطلق حتى حضرهم. قالت: فدعونا اللهَ تعالى للنجاشيّ بالظهور على عدوِّه، والتمكين له في

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يقول السهيلي في الروض الأنف: يحتمل أن تكون لفظة حبشية غير مشتقة أو تكون مشتقة من شمت السيف إذا أغمدته؛ لأن الآمن مغمد عنه السيف ج2 ص92.

ص -292-      بلاده. قالت: فوالله إنا لعلَى ذلك متوقعون لما هو كائن، إذ طلع الزبيرُ وهو يسعَى، فلمع بثوبه وهو يقول: ألا أبشروا، فقد ظفر النجاشيُّ، وأهلك اللهُ عدوَّه، ومكَّن له في بلاده. قالت: فوالله ما علمتنا فَرِحنا فرحةً قط مثلَها قالت: ورجع النجاشيُّ، وقد أهلك الله عدوَّه، ومكن له في بلاده، واستوثق عليه أمرُ الحبشة فكنا عنده في خير مَنْزِل، حتى قَدِمنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو بمكة.
قصة تملك النجاشي على الحبشة:
قتل أبي النجاشي وتملك عمه: قال ابن إسحاق: قال الزهري. فحدثت عروة بن الزبير حديث أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: هل تدري ما قوله: ما أخذ الله مني الرِّشْوَة حين رد عليَّ ملكي، فأخذ الرِّشوة فيه، وما أطاع الناس فيَّ فأطيع الناس فيه؟ قال: قلت: لا، قال: فإن عائشة أمّ المؤمنين حدثتني أن أباه كان ملك قومه، ولم يكن له ولد إلا النجاشي، وكان للنجاشي عم، له من صلبه اثنا عشر رجلًا، وكانوا أهل بيت مملكة الحبشة، فقالت الحبشةُ بينها: لو أنا قتلنا أبا النجاشي وملكنا أخاه فإنه لا ولد له غير هذا الغلام، وإن لأخيه من صلبه اثني عشر رجلًا، فتوارثوا ملكَه من بعده، بقيت الحبشةُ بعدَه دهرًا، فَغَدَوْا على أبي النجاشي فقتلوه، وملَّكوا أخاه، فمكثوا على ذلك حينًا.
الحبشة تبيع النجاشي: ونشأ النجاشي مع عمه، وكان لبيبًا حازمًا من الرجال، فغلب على أمر عمه، ونزل منه بكل منزِلة، فلما رأت الحبشةُ مكانَه منه قالت بينها: والله لقد غلب هذا الفتى على أمر عمه، وإنا لنتخوف أن يملِّكه علينا، وإن ملَّكه علينا ليقتلنا أجمعين، لقد عرف أنا نحن قتلنا أباه. فمشَوْا إلى عمه فقالوا: إما أن تقتل هذا الفتى، وإما أن تخرجه من بين أظهرنا، فإنا قد خِفناه على أنفسنا؛ قال: ويلكم! قتلت أباه بالأمس، وأقتله اليوم! بل أخرجه من بلادكم. قالت: فخرجوا به إلى السوق، فباعوه من رجل من التجار بست مائة درهم؛ فقذفه في سفينة فانطلق به، حتى إذا كان العشيّ من ذلك اليوم، هاجت سحابةٌ من سحائبِ الخريف فخرج عمه يستمطر تحتها، فأصابته صاعقة فقتلته. قالت: ففزعت الحبشة إلى ولده، فإذا هو مُحمَّق، ليس في ولده خير، فمرج على الحبشة أمرُهم1.
تولية النجاشي الملك: فلما ضاق عليهم ما هم فيه من ذلك، قال بعضهم لبعض: تَعلَّموا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مرج الأمر: اختلط.

ص -293-      والله أن مَلِكَكم الذي لا يقيم أمرَكم غيرُه للذي بعتم غَدوةً، فإن كان لكم بأمر الحبشة حاجة فأدركوه الآن قالت: فخرجوا في طلبه، وطلب الرجل الذي باعوه منه حتى أدركوه، فأخذوه منه؛ ثم جاءوا به فعقدوا عليه التاج، وأقعدوه على سرير الملك، فملَّكوه.
حديث التاجر الذي اشتراه: فجاءهم التاجر الذي كانوا باعوه منه، فقال: إما أن تعطوني مالي، وإما أن أكلمه في ذلك؟ قالوا: لا نعطيك شيئًا، قال: إذن والله أكلمه؛ قالوا: فدونَك وإياه. قالت: فجاءه فجلس بين يديه، فقال: أيها الملك، ابتعتُ غلامًا من قوم بالسوق بست مائة درهم، فأسلموا إليَّ غلامي وأخذوا دراهمي، حتى إذا سرت بغلامي أدركوني، فأخذوا غلامي، ومنعوني دراهمي. قالت: فقال لهم النجاشي: لتُعْطُنَّه دراهمه، أو ليضعن غلامُه يدَه في يده، فليذهبن به حيث شاء؛ قالوا: بل نعطيه دراهمه قالت: فلذلك يقول: ما أخذ الله مني رِشوة حين ردَّ عليّ ملكي، فآخذ الرِّشوةَ فيه، وما أطاع الناس فيَّ فأطيع الناس فيه. قالت: وكان ذلك أول ما خُبر من صلابته في دينه، وعدله في حكمه.
قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير، عن عائشة، قالت: لما مات النجاشي، كان يتحدث أنه لا يزال يُرَى على قبره نور.
إسلام النجاشي والصلاة عليه وخروج الحبشة عليه:
قال ابن إسحاق: وحدثني جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: اجتمعت الحبشةُ فقالوا للنجاشي: إنك قد فارقت دينَنا، وخرجوا عليه. فأرسل إلى جعفر وأصحابه، فهيأ لهم سُفنًا، وقال: اركبوا فيها وكونوا كما أنتم، فإذا هُزمت فامضوا حتى تلحقوا بحيث شئتم، وإن ظفرت فاثبتوا ثم عمد إلى كتاب فكتب فيه: هو يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، ويشهد أن عيسى ابن مريم عبدُه ورسولُه وروحُه، وكلمته ألقاها إلى مريم؛ ثم جعله في قبائه عند المنكب الأيمن، وخرج إلى الحبشة، وصفّوا له؛ فقال: يا معشر الحبشة، ألست أحقَّ الناس بكم؟ قالوا. بلى؛ قال: فكيف رأيتم سيرتي فيكم؟ قالوا. خير سيرة؛ قال: فما لكم؟ قالوا: فارقت دينَنا، وزعمت أن عيسى عبدٌ؛ قال: فما تقولون أنتم في عيسى؟ قالوا: نقول هو ابن الله؛ فقال النجاشي، ووضع يده على صدره على قبائه: هو يشهد أن عيسى ابن مريم، لم يزد على هذا شيئًا، وإنما يعني ما كتب، فرضوا وانصرفوا1. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم؛

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وفيه من الفقه أنه لا ينبغي للمؤمن أن يكذب كذبًا صراحًا، ولا أن يعطى بلسانه الكفر وإن أكره، ما أمكنته الحيلة، وفي المعاريض مندوحة عن الكذب.

ص -294-      فلما مات النجاشي صلى عليه، واستغفر له1.
إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
قال ابن إسحاق: ولما قَدم عمرو بنُ العاص وعبد الله بن أبي ربيعة على قريش، ولم يدركوا ما طلبوا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورَدَّهما النجاشي بما يكرهون، وأسلم عُمر بن الخطاب، وكان رجلًا ذا شكيمة لا يُرام ما وراء ظهره، امتنع به أصحابُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبحمزة حتى عازُّوا2 قريشًا، وكان عبد الله بن مسعود يقول: ما كنا نقدر على أن نصليَ عند الكعبة، حتى أسلم عمرُ، فلما أسلم قاتل قريشًا حتى صلى عند الكعبة، وصلينا معه، وإن كان إسلام عمر بعد خروج من خرج من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الحبشة.
قال البكائي: قال: حدثني مِسْعر بن كِدَام، عن سعد بن إبراهيم، قال: قال عبد الله بن مسعود: إن إسلام عمر كان فتحًا، وإن هجرته كانت نصرًا، وإن إمارته كانت رحمة، ولقد كنا ما نُصلي عند الكعبة حتى أسلم عمرُ، فلما أسلم قاتل قريشًا حتى صلى عند الكعبة، وصلينا معه.
حديث أم عبد الله بنت أبي حَثمَة عن إسلام عمر: قال ابن إسحاق: حدثني عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، عن عبد العزيز بن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أمِّه أم عبد الله بنت أبي حَثْمَة، قالت:
والله إنا لنترحل إلى أرضِ الحبشة، وقد ذهب عامر في بعض حاجاتنا، إذ أقبل عمر بن الخطاب حتى وقف عليَّ وهو على شركه -قالت: وكنا نلقى منه البلاء أذًى لنا وشدةً علينا- قالت: فقال: إنه للانطلاق يا أم عبد الله، قالت: فقلت: نعم والله، لنخرجن في أرض الله،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وكان موت النجاشي في رجب من سنة تسع، ونعاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الناس في اليوم الذي مات فيه، وصلى عليه بالبقيع، رُفع إليه سريره بأرض الحبشة حتى رآه، وهو بالمدينة فصلى عليه.
2 عازوا: غلبوا.

ص -295-      آذيتمونا وقهرتمونا، حتى يجعل الله مخرجًا. قالت: فقال: صحبكم الله، ورأيت له رقةً لم أكن أراها، ثم انصرف وقد أحزنه -فيما أرى- خروجُنا. قالت: فجاء عامر بحاجته تلك، فقلت له: يا أبا عبد الله، لو رأيتَ عُمر آنفًا ورقته وحزنَه علينا. قال: أطمعتِ في إسلامه؟
قالت: قلت: نعم؛ قال: فلا يسلم الذي رأيت حتى يسلم حمار الخطاب، قالت: يأسًا منه، لما كان يرى من غلظته وقسوته عن الِإسلام.
سبب إسلام عمر: قال ابن إسحاق: وكان إسلام عمر فيما بلغني أن أخته فاطمة بنت الخطاب وكانت عند سعيد بن زَيْد بن عَمرو بن نُفَيل، وكانت قد أسلمت وأسلم بَعْلُها سعيد بن زيد، وهما مستخفيان بإسلامهما من عمر، وكان نُعَيم بن عبد الله النحام من مكة، رجل من قومه، من بني عَدِي بن كعب قد أسلم، وكان أيضًا يستخفي بإسلامه فَرَقا من قومه، وكان خَبَّابُ بن الأرَت1 يختلف إلى فاطمة بنت الخطاب يُقرئها القرآن، فخرج عمر يومًا متوشحًا سيفه يريد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورهطًا من أصحابه قد ذُكروا له أنهم قد اجتمعوا في بيت عند الصفا، وهم قريب من أربعين ما بين رجال ونساء، ومع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمه حمزة بن عبد المطلب، وأبو بكر بن أبي قحافة الصديق، وعلى بن أبي طالب، في رجال من المسلمين -رضي الله عنهم- ممن كان أقام من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمكة، ولم يخرج فيمن خرج إلى أرض الحبشة. فلقيه نُعَيم بن عبد الله، فقال له: أين تريد يا عمر؟ فقال: أريد محمدًا هذا الصابئ، والذي فرّق أمرَ قريش، وسفه أحلامها، وعاب دينها، وسب آلهتها، فأقتله؛ فقال له نعيم: والله لقد غرتك نفسك من نفسك يا عمر، أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدًا! أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرَهم؟ قال: وأي أهل بيتى؟ قال: خَتْنك وابن عمك سعيد بن زيد بن عَمرو، وأختك فاطمة بنت الخطاب: فقد والله أسلما، وتابعا محمدًا على دينه، فعليك بهما. قال: فرجع عمر عامدًا إلى أخته وختنه، وعندهما خبابُ بن الأرَتِّ معه صحيفة، فيها: "طه" يُقرئهما إياها، فلما سمعوا حس عمر، تغيب خَبَّاب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وكان خباب تميمًا بالنسب، كما كان خزاعيًّا بالولاء لأم أنمار بنت سباع الخزاعي، وكان قد وقع عليه سباء، فاشترته وأعتقته، فولاؤه لها. وكان أبوها حليفًا لعوف بن عبد عوف بن الحارث بن زهرة، فهو زهرى بالحلف. وهو ابن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن زيد بن مناة بن تميم، كان قينًا يعمل السيوف في الجاهلية. انظر: "الروض الأنف، بتحقيقنا، ج2 ص98".

ص -296-      في مخدع لهم، أو في بعض البيت، وأخذت فاطمة بنت الخطاب الصحيفة فجعلتها تحت فَخِذِها، وقد سمع عمر حين دنا إلى البيت قراءة خَبَّاب عليهما، فلما دخل قال: ما هذه الهَيْنَمَة1 التي سمعت؟ قالا له: ما سمعتَ شيئًا، قال: بلى والله لقد أخبرت أنكما تابعتما محمدًا على دينه، وبطش بِخَتْنه سعيد بن زيد، فقامت إليه أخته فاطمة بنت الخطاب لتكفه عن زوجِها، فضربها فشجها، فلما فعل ذلك قالت له أخته وخَتْنه: نعم قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله، فاصنع ما بدا لك. فلما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم على ما صنع، فارعوى، وقال لأخته: أعطيني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرءون آنفًا أنظر ما هذا الذي جاء به محمد، وكان عمر كاتبًا، فلما قال ذلك، قالت له أخته: إنا نخشاك عليها، قال: لا تخافي، وحلف لها بآلهته ليردَّنَّها إذا قرأها إليها، فلما قال ذلك، طمعت في إسلامه، فقالت له: يا أخي، إنك نجس، على شركك، وإنه لا يمسها إلا الطاهرُ2، فقام عمر فاغتسل، فأعطته الصحيفةَ، وفيها: "طه" فقرأها، فلما قرأ منها صدرًا، قال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه! فلما سمع ذلك خباب خرج إليه، فقال له: يا عمر، والله إني لأرجو أن يكون الله قد خصَّك بدعوةِ نبيه، فإني سمعته أمس وهو يقول: "اللهم أيد الِإسلام بأبي الحكم بن هشام، أو بعمر بن الخطاب"، فالله الله يا عمر. فقال له عند ذلك عمر: فدلني يا خبَّاب على محمد حتى آتيَه فأسلم، فقال له خَبَّاب: هو في بيت عند الصفا، معه فيه نفر من أصحابه. فأخذ عمر سيفه فتوشحه، ثم عمد إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، فضرب عليهم الباب، فلما سمعوا صوته قام رجل من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنظر من خَلَلِ الباب فرآه متوشِّحًا السيف، فرجع إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو فَزِعٌ، فقال: يا رسول الله، هذا عمر بن الخطاب متوشِّحًا السيف، فقال حمزة بن عبد المطلب: فأذنْ له، فإن كان جاء يريد خيرًا بذلناه له، وإن كان يريد شرًا قتلناه بسيفه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: ائذنْ له، فأذن له الرجل،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الهينمة: كلام لا يفهم، واسم الفاعل منه مهينم، كأنه تصغير، وليس بتصغير.
2 قال السهيلي عند الكلام على تطهير عمر ليمس القرآن، وقول أخته له:
{لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79]: والمطهرون في هذه الآية هم الملائكة، وهو قول مالك في الموطأ، واحتج بالآية الأخرى التي في سورة عبس ولكنهم وإن كانوا الملائكة، ففي وصفهم بالطهارة مقرونًا بذكر المس ما يقتضي ألا يمسه إلا طاهر اقتداء بالملائكة المطهرين، فقد تعلق الحكم بصفة التطهير، ولكنه حكم مندوب إليه، وليس محمولًا على الفرض، وإن كان الفرض فيه أبين منه في الآية؛ لأنه جاء بلفظ النهي عن مسه على غير طهارة. راجع: الروض الأنف، من تحقيقنا ج2 ص 98-99".

ص -297-      ونهض إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى لقيه في الحجرة، فأخذ حُجْزَته1، أو بمجمع ردائه، ثم جَبَذه به جَبْذةً شديدة، وقال: "ما جاء بك يابن الخطاب؟ فوالله ما أرى أن تنتهي حتى يُنزلَ الله بك قارعة"، فقال عمر: يا رسول الله، جئتك لأومن بالله وبرسوله، وبما جاء من عند الله؛ قال: فكبَّر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تكبيرةً عَرَف أهلُ البيت من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن عمر قد أسلم.
فتفرق أصحابُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مكانهم، وقد عَزُّوا في أنفسهم حين أسلم عمر مع إسلام حمزة، وعرفوا أنهما سَيَمْنعان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وينتصفون بهما من عدوِّهم. فهذا حديث الرواة من أهل المدينة عن إسلام عمر بن الخطاب حين أسلم.
ما رواه عطاء ومجاهد عن إسلام عمر: قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي نَجِيح المكي عن أصحابه: عطاء، ومجاهد، أو عمن روى ذلك: أن إسلام عمر فيما تحدثوا به عنه، أنه كان يقول: كنت للإِسلام مباعدًا، وكنت صاحب خمر في الجاهلية، أحبها وأسَر بها، وكان لنا مجلس يجتمع فيه رجالٌ من قريش بالحَزْوَرَة، عند دُور آل عمر بن عبد بن عمران المخزومي. قال: فخرجت ليلة أريد جلسائي أولئك في مجلسهم ذلك، قال: فجئتهم فلم أجد فيه منهم أحدًا فقلت: لو أني جئت فلانًا الخمار، وكان بمكة يبيع الخمر، لعلي أجد عنده خمرًا فأشرب منها. قال: فخرجت فجئته فلم أجده. قال: فقلت: فلو أني جئت الكعبةَ فطفت بها سبعًا أو سبعين قال: فجئت المسجد أريد أن أطوف بالكعبة، فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يصلي، وكان إذا صلى استقبل الشام وجعل الكعبة بينه وبين الشام، وكان مصلاه بين الركنين: الركن الأسود، والركن اليماني. قال: فقلت حين أتيته: والله لو أني استمعت لمحمد الليلة حتى أسمعَ ما يقول فقلت: لئن دنوت منه أستمع منه لأرَوِّعنَّه؛ فجئت من قِبلِ الحِجْر، فدخلت تحت ثيابها، فجعلت أمشي رُوَيْدًا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يصلي يقرأ القرآن، حتى قمت في قبلته مُسْتقبلَه، ما بيني وبينه إلا ثياب الكعبة. قال: فلما سمعت القرآن رقَّ له قلبي فبكيت ودخلني الِإسلام فلم أزل قائمًا في مكاني ذلك، حتى قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاته، ثم انصرف، وكان إذا انصرف خرج على دار ابن أبي حُسَين، وكانت طريقَه، حتى يَجزع2 المسْعَى، ثم يسلك بين دار عباس بن عبد المطلب، وبين دار ابن أزهر بن عبد عَوْف

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 موضع شد الإزار.
2 يجزع: يقطع.

ص -298-      الزهري، ثم على دار الأخنس بن شَرِيق، حتى يدخل بيته. وكان مسكنُه صلى الله عليه وسلم في الدار الرَّقْطاء1، التي كانت بيدي معاوية بن أبي سفيان. قال عمر رضي الله عنه: فتبعته حتى إذا دخل بين دار عباس، ودار ابن أزهر، أدركتُه، فلما سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حسي عَرَفني، فظن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أني إنما تبعته لأوذيه فنهمني2 ثم قال: ما جاء بك يابن الخطاب هذه الساعة؟ قال: قلت: لأومن بالله وبرسوله، وبما جاء به من عند الله قال: فحمد الله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: قد هداك الله يا عمر، ثم مسح صدري، ودعا لي بالثبات، ثم انصرفتُ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيته.
قال ابن إسحاق، والله أعلم أي ذلك كان.
ثبات عمر في إسلامه: قال ابن إسحاق: وحدثني نافع مولى عبد الله بن عمر، عن ابن عمر قال: لما أسلم أبي: عمر قال: أي قريش أنقل للحديث؟ فقيل له: جميل بن مَعْمر3 الجُمحي. قال: فغدا عليه. قال عبد الله بن عمر: فغدوت أتبع أثره، وأنظر ما يفعل، وأنا غلام أعقل كل ما رأيت، حتى جاءه، فقال له: أعلمت يا جميل أني قد أسلمت ودخلت في دين محمد؟ قال: فوالله ما راجعه حتى قام يجر رداءه واتبعه عمر، واتبعت أبي، حتى إذا قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش، وهم في أنديتهم حول الكعبة، ألا إن عمر بن الخطاب قد صَبا. قال: يقول عمر من خلفه: كَذَب، ولكني قد أسلمتُ، وشهدتُ أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله. وثاروا إليه، فما برح يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الرقطاء: الملونة.
2 نهمني: زجرني.
3 جميل هذا هو الذي كان يقال له: ذو القلبين، وفيه نزلت في أحد الأقوال:
{مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب: 4] وفيه قيل:
وكيف ثوائي بالمدينة بعد ما                قضى وطرًا منها جميل بن معمر
وهو البيت الذي تغنى به عبد الرحمن بن عوف في منزله، واستأذن عمر فسمعه، وهو يتغنى، وينشد بالركبانية، وهو غناء يحدي به الركاب، فلما دخل عمر قال له عبد الرحمن: إنا إذا خلونا، قلنا ما يقول الناس في بيوتهم: وقلب المبرد هذا الحديث، وجعل المنشد عمر، والمستأذن عبد الرحمن، ورواه الزبير. انظر: "الروض الأنف، ج2 ص101".

ص -299-      على رءوسهم. قال: وطلح1، فقعد وقاموا على رأسه وهو يقول: افعلوا ما بدا لكم، فأحلف بالله أن لو قد كنا ثلثمائة رجل لقد تركناها لكم، أو تركتموها لنا، قال: فبينما هم على ذلك، إذا أقبل شيخ من قريش، عليه حُلة حبْرة2، وقميص مُوَشى، حتى وقف عليهم، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: صبأ عمر؛ فقال: فمه، رجل اختار لنفسه أمرًا فماذا تريدون؟ أترون بني عدي بن كعب يُسلمون لكم صاحبكم هكذا! خلّوا عن الرجل. قال: فوالله لكأنما كانوا ثوبا كُشط عنه. قال: فقلت لأبي بعد أن هاجر إلى المدينة: يا أبت، من الرجل: الذي زجر القوم عنك بمكة يوم أسلمت، وهم يقاتلونك؟ فقال: ذاك، أي بُني، العاص بن وائل السهمي.
قال ابن هشام: وحدثني بعض أهل العلم، أنه قال: يا أبت، من الرجل الذي زجر القوم عنك بمكة يوم أسلمت، وهم يقاتلونك جزاه الله خيرًا. قال: يا ابني ذلك، العاص بن وائل، لا جزاه الله خيرًا.
قال ابن إسحاق: وحدثني عبدُ الرحمن بن الحارث عن بعض آل عمر، أو بعض أهله، قال: قال عمر: لما أسلمت تلك الليلة، تذكرتُ أيَّ أهل مكة أشد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- عداوة حتى آتيه فأخبره أني قد أسلمت؟ قال قلت: أبو جهل –وكان عمر لَحَنْتَمة بنت هشام بن المغيرة– قال: فأقبلت حين أصبحت حتى ضربت عليه بابه. قال: فخرج إليَّ أبو جهل، فقال: مرحبًا وأهلا بابن أختي، ما جاء بك؟ قلت جئت لأخبرك أني قد آمنت بالله وبرسوله ومحمد، وصدَّقت بما جاء به؟ قال: فضرب الباب في وجهي وقال: قبحك الله، وقبح ما جئتَ به.
بعون الله وحسن توفيقه، انتهى الجزء الأول من سيرة ابن هشام ويليه إن شاء الله الجزء الثاني وأوله خبر الصحيفة -أعان الله على تمامه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 طلح: تعب وأعيا.
2 الحيرة: نوع من برود اليمن.

ص -300-      ص الموضوع 
"ج" إهداء 
"د" مقدمة 
"ح" ترجمة ابن إسحاق 
"ل" ترجمة ابن هشام 
"م" ترجمة السهيلي 
"س" مراجع المقدمات 
3 ذكر سرد النسب الذكي 
6 منهج ابن هشام في عرض السيرة 
7 سياقة النسب من ولد إسماعيل أولاد اسماعيل، عمر إسماعيل ومواطن أمه ووفاته
حديث الوصاة بأهل مصر
8 أصل العرب 
10 ذكر نسب الأنصار قنص بن معد ونسب النعمان 
11 لخم بن عدى 
12 أمر عمرو بن عامر وقصة سد مأرب 
13 حديث ربيعة بن نصر 
14 نسب بجيلة 
16 استيلاء أبي بكر تبان على ملك اليمن وغزوه إلى يثرب 
17 تبان يغضب على أهل المدينة عمرو بن طلة ونسبه 
18 قصة مقاتلة تبان لأهل المدينة 
20 تبع يذهب إلى مكة ويطوف بالكعبة 
22 أصل اليهود باليمن 
23 هم البيت المسمى رئام 
24 ملك حسان بن تبان وقتله على يد أخيه عمرو 
25 هلاك عمرو وتفرق حمير، خبر لخنيعة وذى نواس، فسوق لخنيعة 
26 ملك ذي نواس، سبب وجود النصرانية بنجران، حديث فيميون 
28 خبر عبد الله بن الثامر، عبد الله بن الثامر والاسم الأعظم 
29 عبد الله بن الثامر يدعو إلى التوحيد 
30 ذو نواس يدعو إلى اليهودية، تفسير الأخدود، نهاية عبد الله بن الثامر 
31 فرار دوس ذي ثعلبان من ذي نواس واستنجاده بقيصر، النجاشي ينصر دوسًا، نهاية ذي نواس

ص -301-      32 قول ذي حدن الحميري في هذه القصة. 
34 قول ربيعة بن الذئبة في هذه القصة. 
35 قول عمرو بن معدي كرب في هذه القصة، نسب زبيد ومراد، لماذا قال عمرو هذا الشعر 
36 تصديق قول شق وسطيح، النزاع على اليمن بين أبرهة وأرياط، غضب النجاشي على أبرهة 
37 القليس، أو كنيسة أبرهة النسأة 
38 أول من ابتدع النسيء 
40 الكناني يحدث في القليس، خروج أبرهة لهدم الكعبة، أشراف اليمن يدافعون عن البيت 
41 خثعم تجاهد أبرهة، نسب ثقيف 
42 ثقيف تهادن أبرهة، اللات، أبو رغال ورجم قبره 
43 الأسود بن مقصود يهاجم مكة، رسول أبرهة إلى مكة أنيس يشفع لعبد المطلب 
44 الإبل لي والبيت له رب يحميه 
44 الوفد المرافق لعبد المطلب، قريش تستنصر الله على أبرهة 
45 عكرمة بن عامر يدعو على الأسود 
46 أبرهة يهاجم الكعبة 
47 عقاب الله لأبرهة وجنده 
48 الله جل جلاله يذكر حادثة الفيل ويمتن على قريش، تفسير مفردات سورتي الفيل وقريش 
50 مصير قائد الفيل وسائسه، ما قيل في قصة الفيل من الشعر، شعر عبد الله بن الزبعرى 
51 شعر ابن الأسلت 
52 شعر طالب بن أبي طالب 
53 شعر أبي الصلت الثقفي، شعر الفرزدق 
54 شعر ابن قيس الرقيات، ولد أبرهة 
55 خروج سيف بن ذي يزن وملك وهرز على اليمن، سيف يشكو لقيصر، النعمان يتشفع لسيف عند كسرى 
56 معاونة كسرى لسيف، انتصار سيف 
57 شعر سيف في هذه القصة
58 شعر أبي الصلت 

ص -302-      60 شعر عدي بن زيد 
62 ذكر ما انتهى إليه أمر الفرس باليمن، مدة مكث الحبشة باليمن، أمراء الفرس باليمن
الرسول صلى الله عليه وسلم يتنبأ بموت كسرى 
63 إسلام باذان 
64 كتاب الحجر الذي باليمن، الأعشى يذكر نبوءة شق وسطيح 
65 قصة ملك الحضر، سابور يستولى على الحضر 
66 قول أعشى قيس في قصة الحضر 
67 قول عدي بن زيد 
68 ذكر ولد نزار بن معد أولاد أنمار 
70 ولدا مضر أولاد الياس 
71 حديث عمرو بن لحي وذكر أصنام العرب، عمرو يجر قصبه في النار 
72 أصل عبادة الأصنام في أرض العرب، سبب عبادة الأصنام 
73 أصنام قوم نوح 
74 القبائل العربية وأصنامها 
74 عباد يغوث، عباد يعوق 
75 عباد نسر، عباد عميانس 
76  عباد سعد، دوس وصنعم 
77  عباد هبل، إساف ونائلة، حديث عائشة عنهما 
78  فعل العرب مع أصنامهم، الطواغيت، الغزى وسدنتها وحجابها 
79  اللات وسدنتها، مناة وسدنتها هدم مناة، ذو الخلصة وعباده وهدمه 
80  فلس وعباده وهدمه، رئام -رضاء وعباده 
81  عمر المستوغر، ذو الكعبات وعباده 
82  البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي، رأى ابن إسحاق فيها 
83  ابن هشام يخالف ابن إسحاق 
84  البحيرة والوصيلة والحامي لغة، عود إلى النسب، نسب خزاعة

ص -303-      85 أولاد مدركة وخزيمة، أولاد كنانة وأمهاتهم 
86 من يطلق عليه لقب قرشي
87 أولاد النضر وأمهاتهم 
88 أولاد مالك وفهر وأمهاتهم، أولاد غالب وأمهاتهم 
89 أولاد لؤي وأمهاتهم 
90 أمر سامة بن لؤي، هروبه من أخيه وموته 
91  أمر عوف بن لؤي ونقلته، سبب انتمائه إلى غطفان، مكانة مرة، نسب مرة 
93 أشراف مرة 
94 أمر البسل، تعريف البسل 
95 نسب زهير بن أبي سلمى، أولاد كعب وأمهم، أولاد مرة وأمهاتهم 
96 نسب بارق، ولدا كلاب وأمهما، نسب جعثمة 
97 نعم بنت كلاب وأمها وولداها، أولاد قصى وأمهم، أولاد بني عبد مناف وأمهاتهم 
98 أولاد هاشم وأمهاتهم 
99 أولاد عبد المطلب بن هاشم وأمهاتهم 
100 أم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمهاتها 
101 حديث مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، احتفار زمزم 
102 أمر جرهم ودفن زمزم، ولاة البيت من ولد إسماعيل 
103 بغي جرهم وقاطوراء 
104 انتشار ولد إسماعيل، بغي جرهم ونفيهم عن مكة، بنو بكر وغبشان يطردون جرهما 
105 معنى مكة 
108 استبداد قوم من خزاعة بولاية البيت 
109 تزوج قصي بن كلاب حبى بنت حليل، أولاد قصي، مساعدة رزاح لقصي في تولى البيت 
110 ما كان يليه الغوث بن مر من الإجازة للناس بالحج 
111 صوفة ورمي الجمار 
112 نسب صفوان بن جناب، صفوان وبنوه وإجازتهم للناس بالحج، ما كانت عليه عدوان من إفاضة المزدلفة، ذو الأصبع يذكر هذه الإفاضة

ص -304-      113 أبو سيارة يفيض بالناس، أمر عامر بن ظرب، ابن الظرب حاكم العرب 
114 غلب قصي على أمر مكة وجمعه، أمر قريش، قصي يتغلب على صوفة، قصي يقاتل خزاعة وبني بكر، قصي يتولى أمر مكة 
117 شعر رزاح بن ربيعة في هذه القصة 
118 شعر ثعلبة القضاعي شعر قصي 
119 قصى يفضل ولده عبد الدار 
120 الرفادة، اختلاف قريش بعد قصي وحلف المطيبين، النزاع بين عبد الدار وبني أعمامهم 
121 حلفاء بني عبد الدار وحلفاء بني أعمامهم، تقسيم القبائل في هذه الحرب 
122 تصالح القبائل، حلف الفضول، سبب تسميته 
123 حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه 
124 الحسين يهدد الوليد بالدعوة إلى إحياء الحلف، خروج بني عبد شمس ونوفل من الحلف 
125 هاشم يتولى الرفادة والسقاية، أفضال هاشم على قومه 
126 المطلب يلي الرفادة والسقاية، زواج هاشم بن عبد مناف 
127 سبب تسمية عبد المطلب باسمه، وفاة المطلب مطرود يبكي المطلب 
128 اسم عبد مناف وترتيب أولاده موتا، شعر آخر لمطرود 
131 عبد المطلب يلي السقاية والرفادة، حفر زمزم وما جرى من الخلف فيها، سبب حفر زمزم 
133 قريش تنازع عبد المطلب في زمزم التحاكم في بئر زمزم 
135 عبد المطلب يحفر زمزم 
136 ذكر بئار قبائل قريش، عبد شمس يحفر الطوى، هاشم يحفر بذر 
137 سجلة والاختلاف فيمن حفرها، أمية بن عبد شمس يحفر الحفر، بنو أسد تحفر أم أحراد 
138 بنو جمح تحفر السنبلة، بنو سهم تحفر الغمر، أصحاب رم وخم والحفرة 
139 فضل زمزم على سائر المياه

ص -305-      139 بنو عبد مناف يتفخرون بزمزم 
140 ذكر نذر عبد المطلب ذبح ولده، قداح هبل السبعة 
141 عبد المطلب يحتكم إلى القداح، خروج القداح على عبد الله، عبد المطلب يحاول ذبح ابنه ومنع قريش له 
142 ما أشارت به عرافة الحجاز، تنفيذ وصية العرافة ونجاه عبد الله 
143 ذكر المرأة المتعرضة لنكاح عبد الله، عبد الله يرفضها 
144 عبد الله يتزوج آمنة، أمهات آمنة، زهد المرأة المتعرضة لعبد الله فيه 
145 قصة حمل آمنة، ما قيل لآمنة عند حملها، رؤيا آمنة 
146 وفاة عبد الله، ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم، ابن إسحاق يحدد الميلاد 
147 إعلام جده بولادته وما فعله 
148 مرضعته حليمة، نسب مرضعته 
149 زوج حليمة ونسبه، أولاد حليمة 
150 حديث حليمة 
151 الخير الذي أصاب حليمة 
152 رجوع حليمة إلى مكة أول مرة، حديث الملكين الذين شقا بطنه، حليمه ترده عليه السلام 
153 الرسول يسأل عن نفسه وإجابته 
154 رعية الغنم وافتخاره بقرشيته، افتقاد حليمة له، سبب آخر لرجوع حليمة به 
155 وفاة آمنة عمره حين وفاة أمه 
156 إجلال عبد المطلب له، وفاة عبد المطلب، عبد المطلب يطلب من بناته أن يرثينه، رثاء صفية لأبيها 
157 رثاء برة 
158 رثاء عاتكة وأم حكيم 
159 رثاء أميمة وأروى
160 إعجاب عبد المطلب بالرثاء، نسب المسيب بن حزن، رثاء حذيفة بن غانم 
163 رثاء مطرود الخزاعي 
164 كفالة أبي طالب له عليه السلام، اللهبى العائف

ص -306-      165 قصة بحيرى، خروجه عليه السلام مع عمه إلى الشام، بحيرى يحتفي بتجار قريش 
166 بحيرى يتثبت منه عليه الصلاة والسلام 
167 بحيرى يوصي أبا طالب، بعض من أهل الكتاب يريدون الشر به عليه السلام، محمد عليه السلام يشب على مكارم الأخلاق، محمد عليه السلام يحدق عن حفظ الله له 
168  حرب الفجار 
169  سببها 
170  قتال هوزان لقريش، الرسول عليه السلام يشهد القتال، سنه في هذه الحرب، سبب تسميتها بحرب الفجار، قائد قريش وكنانة 
171 حديث تزويج الرسول عليه السلام بخديجة رضي الله عنها، خروجه مع تجار خديجة 
172 حديث الراهب، خديجة ترغب في الزواج منه 
173 نسب خديجة رضي الله عنها 
174 زواجه عليه السلام بعد استشارة أعمامه 
174 صداق خديجة، أولاده صلى الله عليه وسلم من خديجة 
175 ترتيب ولادتهم، إبراهيم وأمه، ورقة يتنبأ له "صلى الله عليه وسلم" بالنبوة، شعر لورقة 
178 حديث بنيان الكعبة وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قريش في وضع الحجر الأسود، سبب هذ البنيان 
179 أبو وهب وما حدث عند بناء الكعبة 
180 شعر في أبي وهب، الوليد بن المغير يبدأ بهدم الكعبة 
181 امتناع قريش عن هدم الأساس، الكتاب الذي وجد في الركن، الكتاب الذي وجد في المقام 
182 حجر الكعبة المكتوب عليه العظة، الاختلاف بين قريش في وضع الحجر، لعقة الدم، أبو أمية يجد حلا،الرسول -صلى الله عليه وسلم- يضع الحجر 
183 شعر الزبير في الحية التي كانت تمنع قريش من بنيان الكعبة 
184 حديث الحمس

ص -307-      184 قريش تبتدع الحمس 
185 القبائل التي آمنت بالحمس يوم جبلة 
186 يوم ذي نجب ما زادته قريش في الحمس 
187 اللقى عند الحمس 
188 الإسلام يبطل عادت الحمس، الرسول عليه السلام يخالف الخمس قبل الرسالة 
189  إخبار الكهان من العرب والأحبار من يهود والرهبان من النصارى بمبعثه، قذف الجن بالشهب 
191  ثقيف أول من فزعت برمي الجن، الرسول يسأل الأنصار عن رجم الجن 
192  الغيطلة وصاحبها 
193  نسب الغيطلة، كاهن جنب يذكر خبره عليه السلام 
194  سواد بن قارب يحدق عمر عن صاحبه من الجن 
195  إنذار يهود برسول الله صلى الله عليه وسلم، اليهود يعرفونه ويكفرون به 
196  سلمة يذكر حديث اليهودي الذي أنذر بالرسول 
196  ابن الهيبان اليهودي يتسبب في إسلام بعض الصحابة 
198  حديث إسلام سلمان، سلمان يتشوف إلى النصرانية، سلمان يهرب إلى الشام 
199  سلمان مع الأسقف السيء، سلمان مع الأسقف الصالح، سلمان يلحق بأسقف الموصل 
200  سلمان يلحق بأسقف نصيبين، سلمان يلحق بصاحب عمورية، سلمان يذهب إلى وادي القرى، سلمان يذهب إلى المدينة 
201  سلمان يسمع بهجرته عليه السلام، نسب قيلة، سلمان يستوثق من رسالته عليه السلام 
202  سلمان يعتق نفسه من الرق 
203  حديث سلمان مع الرجل الذي بعمورية 
204  ذكر ورقة بن نوفل وعبيد الله بن جحش وعثمان بن الحويرث وزيد بن عمرو بن نفيل
تشككهم في الوثنية 
205  تنصر ورقة وابن جحش، ابن جحش يغري مهاجري الحبشة على التنصر

ص -308-      206 رسول الله يخلف على زوجة ابن جحش بعد وفاته، تنصر ابن الحويرث وقدومه على قيصر، زيد يتوقف عن جميع الأديان 
208 شعر زيد في فراق الوثنية 
211 نسب الحضرمي 
212 زيد يعاتب زوجته لمنعها له عن البحث عن الحنيفية 
213 قول زيد حين يستقبل الكعبة، الخطاب يؤذي زيدا ويحاصره 
214 زيد يرحل إلى الشام وموته، ورقة يرثي زيدًا 
215 صفته صلى الله عليه وسلم من الإنجيل، مبعث النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا، أخذ الميثاق على الرسول بالإيمان به 
216 الرؤيا الصادقة أول ما بدئ به، سلام الحجر والشجر عليه 
218 نزول جبريل عليه، الحنث والتحنف 
221 الرسول يخبر خديجة بنزول جبريل عليه 
222 خديجة تخبر ورقة بن نوفل 
223 تثبت خديجة من الوحي 
224  ابتداء تنزيل القرآن، متى نزل القرآن، تاريخ وقعة بدر، إسلام خديجة، وقوفها بجانبه 
225  تبشير خديجة ببيت من قصب، جبريل يقرئ خديجة السلام من ربها، فترة الوحي ونزول سورة الضحى، تفسير مفردات سورة الضحى 
227 فرض الصلاة وأوقاتها، افترضت الصلاة ركعتين ثم زيدت، جبريل يعلم الرسول الوضوء والصلاة، الرسول يعلم خديجة الوضوء والصلاة 
228 جبريل يعين للرسول أوقات الصلاة، علي أول ذكر أسلم، نعمة الله عليه بنشأته في كنف الرسول، سبب هذه النشأة 
229 خروج الرسول وعلي إلى الصلاة في شعب مكة 
230 إسلام زيد بن حارثة، نسبه، شعر حارثة عندما فقد ابنه 
231 أبو بكر: نسبه واسمه وإسلامه

ص -309-      232 إيلاف قريش له، من أسلم بدعوته، عثمان، الزبير، عبد الرحمن بن عوف، سعد بن أبي وقاص، طلحة
233 إسلام أبي عبيدة، وأبي سلمة، والأرقم، وعثمان بن مظعون، وعبيدة بن الحارث، وسعيد بن زيد وامرأته
234 إسلام عائشة وأسماء وخباب بن الأرت وعمير وابن، مسعود وابن القاري وسليط وأخيه، وعياش وامرأته، وخنيس وعامر 
235 إسلام ابن جحش، وجعفر وامرأته، وحاطب وإخوته، ونسائهم، والسائب، نسب نعيم، إسلام عامر بن فهيرة
236 نسبه، إسلام خالد بن سعيد ونسبه وإسلام امرأته، إسلام واقد وشيء من خبره، إسلام بني البكير، وصهيب ونسبه 
237 مباداة الرسول قومه، معنى: "اصدع بما تؤمر" 
238 خروج الرسول بأصحابه إلى الشعب 
238 عداوة قومه ومساندة أبي طالب 
239 وفد قريش يعاتب أبا طالب، الرسول يستمر في دعوته 
240 رجوع الوفد إلى أبي طالب مرة ثانية، ما دار بينه وبين الرسول، قريش تعرض عمارة بن الوليد على أبي طالب 
241 شعر أبي طالب في المطعم ومن خذله 
242 قريش تظهر عداوتها للرسول، شعر أبي طالب في مدح قومه لنصرته 
243 الوليد وموقفه من القرآن 
245 شعر أبي طالب في معاداة خصومه 
252 الرسول يستسقي لأهل المدينة ذكر الأسماء التي وردت في، قصيدة أبي طالب 
253 انتشار ذكر الرسول خارج مكة، نسب ابن الأسلت، شعره في الدفاع عن الرسول 
256 حرب داحس والغبراء 
257 حرب حاطب 
258 شعر حكيم بن أمية في نهي قومه عن معاداة الرسول، ذكر ما لقي الرسول من قومه

ص -310-      258 سفهاء قريش يأذونه 
259 أشر ما أوذى به الرسول 
260 إسلام حمزة وسببه 
261 عتبة يفاوض الرسول 
262  رأس عتبة، قريش تفتن المسلمين، زعماء قريش تفاوض الرسول 
264  أبو جهل يتوعد الرسول 
265  النضر بن الحارث ينصح قريشًا، أذى النضر للرسول، قريش تسأل أحبار يهود عن شأنه 
266  قريش تسأل الرسول، الرد على قريش فيما سألوه 
268  أهل الكهف 
270 ذو القرنين 
271 أمر الروح، "ما أوتيتم من العلم إلا قليلا"، تسيير الجبال وبعث الموتى، خذ لنفسك 
272 القرآن يرد على ابن أبي أمية 
273 القرآن ينفي أن رجلا من اليمامة يعلمه ما نزل في أبي جهل 
274 استكبار قريش عن الإيمان 
275 أول من جهر بالقرآن 
275 استماع قريش إلى القرآن 
276 الأخنس يستفهم عما سمعه، تعنت قريش عند سماعهم القرآن 
277 عدوان المشركين على المستضعفين، ما لقيه بلال 
278 من أعتقهم أبو بكر، أبو قحافة يلوم ابنه 
279 تعذيب آل ياسر، فتنة المسلمين، هشام يرفض الوليد إلى قريش 
280 الهجرة الأولى إلى أرض الحبشة، أوائل المهاجرين 
281 المهاجرون من بني هاشم، من بني أمية، من بني أسد 
282 المهاجرون من بني عبد شمس، من بني نوفل، من بني أسد، من بني عبد قصي، من بني عبد الدار بن قصي، من بني زهرة 
283 المهاجرون من بني هذيل، من بهراء، من بني تيم، من بني مخزوم، خبر الشماس 
284 المهاجرون من حلفاء بني مخزوم، من بني جمح، من بني سهم

ص -311-      285 المهاجرون من بني عدي، من بني عامر، من بني الحارث
286 عدد مهاجري الحبشة، شعر عبد الله بن الحارث في هجرة الحبشة 
288 إرسال قريش إلى الحبشة في طلب المهاجرين، شعر أبي طالب للنجاشي 
289 حديث أم سلمة عن الرسولين اللذين أرسلتهما قريش للنجاشي 
290  الحوار الذي دار بين المهاجرين والنجاشي 
291  المهاجرون يفرحون بانتصار النجاشي 
292  قصة تملك النجاشي على الحبشة، قتل أبي النجاشي وتملك عمه، الحبشة تبيع النجاشي 
293  حديث التاجر الذي اشتراه، إسلام النجاشي والصلاة عليه وخروج الحبشة عليه 
294  إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حديث أم عبد الله بنت أبي حثمة عن إسلام عمر 
295 سبب إسلام عمر
297 ما رواه عطاء ومجاهد عن إسلام عمر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Share to:

معجبين برنامج تحفيظ القران الكريم على الفايسبوك