الثلاثاء، 3 مارس 2015

جزء ثانى من ص139/70

ص -70-                                       لو نِلته طُلَّت هناك جراحُه         وكانت حَرِيًّا أن يُهان ويُهدَرَا1
قال ابن هشام: ويروى:
وكان حقيقًا أن يُهان ويُهدَرا
قال ابن إسحاق: فأجابه حسان بن ثابت فيهما فقال:
لستَ إلى سعدٍ ولا المرء مُنذِرٍ              إذا ما مَطايا القومِ أصبحْن ضُمَّرَا
فلولا أبو وهْبٍ لمرَّت قصائد                   على شرفِ البَرقاءِ يَهْوينَ حُسَّرَا
أتفخُر بالكتانِ لما لبسْتَه                     وقد تلبَس الأنباطُ رِيطًا مُقَصَّرَا2
فلا تَكُ كالوَسْنانِ يحلمُ أنه                   بقريةِ كِسْرَى أو بقريةِ قَيْصَرَا
ولا تك كالثَّكلَى وكانت بمعْزِلٍ                عن الثُّكْلِ لو كان الفؤادُ تفكَّرَا
ولا تكَ كالشاةِ التي كان حتفُها             بحفرِ ذرِاعَيْها فلم ترضَ محفَرَا3
ولا تك كالعاوِي فأقبلَ نحرَه                   ولم يَخْشَه سهمًا من النَّبلِ مُضْمَرا
فإنا ومن يُهدِي القصائدَ نحوَنا                كمسْتَبضِعٍ تمرًا إلى أهلِ خَيْبَرَا
قصة صنم عمرو بن الجموح:
فلما قدموا المدينة أظهروا الإسلام بها، وفى قومهم بقايا من شيوخ لهم على دينهم من الشرك، منهم عمرو بن الجَمُوح بن زيد بن حرام بن كعب بن غَنْم بن كعب بن سلمة، وكان ابنه مُعاذ بن عمرو شهد العقبة، وبايع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بها، وكان عَمرو بن الجَموح سيدًا من سادات بني سَلمة، وشريفًا من أشرافِهم؛ وكان قد اتخذ في داره صنمًا من خشب،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 طلت: هدرت.
2 الريط: الملاحف البيض.
3 تقول العرب في مثل قديم فيمن أثار على نفسه شرًّا كالباحث عن المدية، وأنشد أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ:
وكان يجيز الناس من سيف مالك               فأصبح يبغي نفسه من يجيزها
وكان كعنز السوء قامت بظلفها                  إلى مدية تحت التراب تثيرها

ص -71-         يقال له: مَناةُ1، كما كانت الأشراف يصنعون، تتخذه إِلَهًا تعظّمه وتطهره، فلما أسلم فتيان بني سَلَمة: معاذُ بن جبل، وابنه مُعاذ بن عَمْرو بن الجَموح، في فتيان منهم ممن أسلم وشهد العقبة كانوا يدلجون بالليل على صنم عَمرو ذلك فيحملوِنه فيطرحونه في بعض حُفر بني سلمة، وفيها عِذَرُ2 الناس، مُنَكَّسًا على رأسه، فإذا أصبح عمرو، قال: ويلكم! من عدا على آلهتنا هذه الليلة؟ قال: ثم يغدو يلتمسه، حتى إذا وجده غسلَه وطهره وطيبه، ثم قال: أما والله لو أعلم من فعل هذا بك لأخْزِينَّه. فإذا أمسى ونام عَمرو، عَدَوا عليه، ففعلوا به مثل ذلك، فيغدو فيجده في مثل ما كان فيه من الأذى، فيغْسله ويطهره ويطيبه، ثم يعدون عليه، إذ أمسى، فيفعلون به مثل ذلك. فلما أكثروا عليه، استخرجه من حيث ألْقَوْه يومًا، فغسله وطهره وطيبه، ثم جاء بسيفه فعلقه عليه، ثم قال: إني والله ما أعلم من يصنع بك ما ترى، فإن كان فيك خير فامتنع، فهذا السيف معك، فلما أمسى ونام عمرو، عَدَوا عليه، فأخذوا السيف من عنقه، ثم أخذوا كلبًا ميتًا فقرنوه به بحبل، ثم ألْقَوْه في بئر من آبار بني سَلَمة، فيها عِذَر من عِذر الناس، ثم عدا عَمرو بن الجَموح فلم يجده في مكانه الذي كان به.
إسلام عمرو وما قاله من الشعر: فخرج يتبعه حتى وجده في تلك البئر منَكَّسًا مقرونًا بكلب ميت، فلما رآه وأبصر شأنه، وكلمه من أسلم من قومه، فأسلم برحمة الله، وحسُنَ إسلامه، فقال حين أسلم وعرَف من الله ما عرَف، وهو يذكر صنمه ذلك وما أبصر من أمره، ويشكر الله تعالى الذي أنقذه مما كان فيه من العَمَى والضلالة:
واللهِ لو كنتَ إِلَهًا لم تكنْ                      أنتَ وكلب وسْطَ بئر في قَرَنْ3
أفّ لمَلْقَاك إلهًا مُسْتَدَن                      الآنَ فتشناكَ عَنْ سُوءِ الغَبَنْ4
الحمدُ للهِ العليِّ ذي المئنَ                   الواهبِ الرزاقِ دَيانِ الدّيَنْ5
هو الذي أنقذني من أن                      أكونَ في ظُلمةِ قبر مُرْتَهنْ
بأحمدَ المهدي النبيِّ المرتهنْ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مناة: وزنه فعلة من منيت الدم وغيره إذا صببته؛ لأن الدماء كانت تمني، ومن هنا سميت الأصنام: دمى يقول الله سبحانة وتعالى:
{وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} أي ثالثة للات والعزى.
2 فضلات الناس.
3 القرن: الحبل.
4 مستدن: مستعبد، والغبن السفه.
5 الدين جمع دينة، وهى العادة، ويقال لها دين أيضًا، وقال ابن الطبرية، واسمه يزيد:
أرى سبعة يسعون للوصل كلهم                      له عند ليلى دينة يستدينها
فالقيت سهمي بينهم حين أوخشوا                فما صار لي في القسم إلا ثمينها
ويجوز أن يكون أراد بالدين: الأديان أي هو ديان أهل الأديان، ولكن جمعها على الدين، لأنها مِلل ونِحل، كما قالوا في جمع: الحرة: حرائر؛ لأنهن في معنى الكرائم والعقائل.

ص -72-         شروط البيعة في العقبة الأخيرة:
قال ابن إسحاق: وكانت بيعةُ الحرب، حين أذِن اللهُ لرسولِه -صلى الله عليه وسلم- في القتال شروطًا سوى شرطِه عليهم في العقبة الأولى، كانت الأولى على بيعة النساء وذلك أن الله تعالى لم يكن أذِنَ لرسوله -صلى الله عليه وسلم- في الحرب، فلما أذن الله له فيها، وبايعهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في العقبة الأخيرة على حرب الأحْمر والأسود، أخذ لنفسه واشترطَ على القوم لربِّه، وجعل لهم على الوفاء بذلك الجنة.
قال ابن إسحاق: فحدثني عُبادة بن الوليد بن عُبادة بن الصامت، عن أبيه الوليد، عن جَدِّه عُبادة بن الصامت، وكان أحد النقباء، قال: بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بَيْعة الحرب وكان عُبادة من الاثني عشر الذين بايعوه في العقبة الأولى على بيعة النساء وعلى السمع والطاعة؛ في عُسرنا ويُسرنا ومُنْشَطنا ومُكْرَهنا، وأثْرَةٍ علينا، وألا ننازع الأمرَ أهلَه، وأن نقولَ بالحقِّ أينما كنا، لا نخاف في الله لَوْمة لائم.
أسماء من شهد العقبة الأخيرة:
قال ابن إسحاق: وهذا تسمية من شهد العقبة، وبايع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بها من الأوْس والخزرج، وكانوا ثلاثة وسبعين رجلًا وامرأتين.
شهدها من الأوس بن حارثة بن ثَعلبة بن عَمرو بن عامر، ثم من بني عبد الأشْهل بن جُشَم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن الأوْس: أسَيْد بن حُضيْر بن سِمَاك بن عَتِيك بن رافعٍ بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشْهَل، نقيب لم يشهد بدرًا. وأبو الهَيْثم بن التَّيِّهان، واسمه مالك، شهد بدرًا. وسَلَمة بن سلامة بن وَقْش بن زِغْبة بن زَعُوراء بن عبد الأشْهل، شهد بدرًا، ثلاثة نفر. قال ابن هشام: ويقال: ابن زعَوْراء.
قال ابن إسحاق: ومن بني حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عَمرو بن مالك بن الأوْس: ظُهَيْر بن رافع بن عَدي بن زيد بن جُشم بن حارثة: وأبو بُرْدَة بن نِيَار، واسمه هاني بن نِيار بن عمرو بن عبيد بن كلاب بن دُهْمان بن غَنْم بن ذُبْيان بن هُمَيْم بن كاهل بن ذهْل بن هَنيّ بن بَلِيّ بن عَمرو بن الحاف بن قُضاعة، حليف لهم، شهد بدرًا. ونُهَيْر بن الهَيْثم، من بني نابي

ص -73-         ابن مجْدعة بن حارثة، بن الحارث؛ بن الخزرج بن عَمرو بن مالك بن الأوس، ثم من آل السواف بن قيس بن عامر بن نابي بن مَجْدعة بن حارثة. ثلاثة نفر.
ومن بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس: سعد بن خيثمة بن الحارث بن مالك بن كعب بن النَّحَّاط بن كعب بن حارثة بن غَنْم بن السَّلَم بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس، نقيب، شهد بدرًا، فقُتل به مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شهيدًا.
قال ابن هشام: ونسبه ابن إسحاق في بني عَمرو بن عوف؛ وهو من بني غَنْم بن السَّلَم؛ لأنه ربما كانت دعوة الرجل في القوم، ويكون فيهم فيُنسب إليهم.
قال ابن إسحاق: ورفاعة بن عبد المُنْذِر بن زَنْبَر بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عَوْف بن عمرو، نقيب، شهد بدرًا. وعبد الله بن جُبَيْر بن النعمان بن أمية بن البُرَك واسم البُرَك: امرؤ القيس بن ثَعْلبة بن عَمرو بن عَوْف بن مالك بن الأوْس، شهد بدرًا، وقُتل يومَ أحد شهيدًا أميرًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الرُّمَاة؛ ويقال: أمية بن البَرْك، فيما قال ابن هشام.
قال ابن إسحاق: ومعْنُ بن عدي بن الجد بن العَجْلان بن حارثة بن ضبَيْعة، حليف لهم من بَلِي، شهد بدرًا وأحدًا والخندق، ومشاهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلها، قُتل يومَ اليمامة شهيدًا في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وعُوَيْم بن ساعدة، شهد بدرًا وأحدًا والخندق. خمسة نفر.
فجميع من شهد العقبة من الأوس أحد عشر رجلًا.
وشهدها من الخزرج بن حارثة بن ثَعْلبة بن عَمرو بن عامر؛ ثم من بني النجار، وهو تَيْم الله بن ثعلبة بن عَمرو بن الخزرج: أبو أيوب، وهو خالد بن زيد بن كلَيب بن ثَعلبة بن عبد بن عَوْف بن غَنْم بن مالك بن النجار، شهد بدرًا وأحدًا والخندق، والمشاهد كلها؛ مات بأرض الروم غازيًا في زمن معاوية بن أبي سفيان. ومُعاذ بن الحارث بن رفاعة بن سَواد بن مالك بن غَنْم بن مالك بن النجار، شهد بدرًا وأحدًا والخندق، والمشاهد كلها، وهو ابن عفراء، وأخوه عَوْف بن الحارث شهد بدرًا وقتل به شهيدًا، وهو لعفراء. وأخوه مُعوّذ بن الحارث، شهد بدرًا وقُتل به شهيدًا، وهو الذي قَتل أبا جهل بن هشام بن المغيرة: وهو لعفراء ويقال: رفاعة بن الحارث بن سواد فيما قال ابن هشامِ وعُمارة بن حَزْم بن زيد

ص -74-         ابن لَوذان بن عَمْرو بن عبد عوف بن غنْم بن مالك بن النجار: شهد بدرًا وأحدًا والخندق، والمشاهد كلَّها، قُتل يوم اليمامة شهيدًا في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وأسعد بن زرارة بن عُدَس بن عُبَيد بن ثعلبة بن غَنْم بن مالك بن النجار، نقيب، مات قبل بدر ومسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُبنى، وهو أبو أمامة. ستة نفر.
ومن بني عمرو بن مبذول. ومبذول: عامر بن مالك بن النجار: سهل بن عَتيك بن نعمان بن عَمرو بن عَتيك بن عمرو، شهد بدرًا. رجل.
ومن بني عمرو بن مالك بن النجار، وهم بنو حُدَيْلة قال ابن هشام: حُدَيْلة: بنت مالك بن زيد مَناة بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غَضْب بن جُشَم بن الخزرج
أوس بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عَمرو بن زيد مَناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار، شهد بدرًا، وأبو طلحة، وهو زَيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عَمرو بن زيد مَناة بن عَدي بن مالك بن النجار، شهدا بدرًا. رجلان.
ومن بني مازن بن النجار، قيس بن أبي صَعصعة، واسم أبي صعصَعة: عَمرو بن زيد بن عوف بن مَبْذُول بن عَمرو بن غَنْم بن مازن، شهد بدرًا، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جعله على السَّاقَة يومئذ. وعمرو بن غزية بن عمرو بن ثعلبة بن خَنْساء بن مبذول بن عمرو بن غَنْم بن مازن. رجلان. فجميع من شهد العقبة من بني النجار أحد عشر رجلًا.
قال ابن هشام: عمرو بن غزية بن عمرو بن ثعلبة بن خنساء، هذا الذي ذكره ابن إسحاق، إنما هو غزية بن عمرو بن عطية بن خنساء.
قال ابن إسحاق: ومن بلحارث بن الخزرج: سعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زُهَيْر بن مالك بن امرئ القيس بن مالك بن ثَعْلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث، نقيب، شهد بدرًا وقُتل يوم أحد شهيدًا. وخارجة بن زيد بن أبي زُهَيْر بن مالك بن امرئ القيس بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث، شهد بدرًا وقُتل يوم أحد شهيدًا. وعبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن عمرو بن امرئ القيس بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث، نقيب، شهد بدرًا وأحدًا والخندق ومشاهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلها، إلا الفتح وما بعده، وقُتل يوم مؤتة شهيدًا أميرًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم. وبشير بن سعد بن ثعلبة بن خلاس بن زيد بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث

ص -75-         أبو النعمان بن بشير، شهد بدرًا. وعبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد الله بن زيد مَناة بن الحارث بن الخزرج، شهد بدرًا، وهو الذي أرِيَ النداءَ للصلاة، فجاء به إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأمر به، وخَلاَّد بن سُوَيد بن ثعلبة بن عمرو بن حارثة بن امرئ القيس بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج، شهد بدرًا وأحدًا والخندق، وقُتل يوم بني قُرَيْظة شهيدًا، طُرِحَتْ عليه رحى من أطَم من أطَامها فشدخته شدخًا شديدًا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما يذكرون إن له لأجر شهيدين. وعُقبة بن عَمرو بن ثعلبة بن أسَيْرة بن عُسَيْرة بن جِدَارة بن عَوْف بن الحارث بن الخزرج، وهو أبو مسعود وكان أحدث من شهد العقبة سِنًّا، مات في أيام معاوية لم يشهد بدرًا، سبعة نفر.
ومن بني بَيَاضة بن عامر بن زُريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جُشَم بن الخزرج: زياد بن لَبِيد بن ثعلبة بن سِنان بن عامر بن عَدي بن أمية بن بَيَاضة، شهد بدرًا، وفروة بن عَمرو بن وذْفَة بن عبيد بن عامر بن بياضة، شهد بدرًا. قال ابن هشام: ويقال: ودفة.
قال ابن إسحاق: وخالد بن قَيْس بن مالك بن العَجْلان بن عامر بن بَيَاضة شهد بدرًا، ثلاثة نفر.
ومن بني زُرَيق بن عامر بن زُرَيق بن عبد حارثة بن مالك بن غضْب بن جُشَم بن الخزرج: رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زُريْق، نقيب، وذَكوان بن عبد قيس مخلَّد بن عامر بن زُرَيق، وكان خرج إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان معه بمكة وهاجر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المدينة، فكان يقال له: مهاجري أنصاري، شهد بدرًا وقُتل يوم أحد شهيدًا. وعبَّاد بن قيس بن عامر بن خَلدة بن مخُلّد بن عامر بن زُرَيق، شهد بدرًا، والحارث بن قيس بن خالد بن مَخْلد بن عامر بن زُرَيْق، وهو أبو خالد شهد بدرًا، أربعة نفر.
ومن بني سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن سَارِدَة بن تَزِيد بن جُشَم بن الخزِرج، ثم من بني عبيد بن عدي بن غَنْم بن كعب بن سَلَمة: البَراء بن معرور بن صخر بن خَنْساء بن سِنان بن عبيد بن عدي بن غَنْم، نقيب، وهو الذي تزعُم بنو سلمة أنه كان أول من ضرب على يد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وشرط له، واشترط عليه، ثم تُوفي قبلَ مقْدَمِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة. وابنه بشر بن البَراء بن معرور، شهد بدرًا وأحدًا والخندق ومات بخيبر من أكلة أكلها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الشاة التي سُمَّ فيها، وهو

ص -76-         الذي قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين سأل بني سلَمة من سيدكم يا بني سَلَمة؟ فقالوِا: الجَدُّ بن قَيْس، على بخله، فقال رسول -صلى الله عليه وسلم: وأي داءٍ أكبر من البُخْل! سيد بني سلَمة الأبيضُ الجَعْدُ بِشْر بن البَراء بن معرور، وسِنان بن صيفي بن صخر بن خنساء بن سِنان بن عبيد، شهد بدرًا، وِقتل يوم الخندق شهيدًا. والطُّفَيْل بن النعمان بن خَنْساء بن سنان بن عُبَيْد، شهد بدرًا، وحُمل يوم الخندق شهيدًا. ومَعْقل بن المنذر بن سَرْح بن خُناس بن سِنان بن عُيَيْد، شهد بدرًا، ويزيد بن المنذر، شهد بدرًا، ومسعود بن يزيد بن سبيع بن خنساء بن سنان بن عبيد، والضحاك بن حارثة بن زيد بن ثَعلبة بن عُبَيْد، شهد بدرًا، ويزيد بن حرام بن سبيع بن خنساء بن سنان بن عُبَيْد، وجُبار بن صخْر بن أمية بن خَنْساء بن سِنان بن عُبَيد، شهد بدرًا.
قال ابن هشام: ويقال: جَبَّار بن صخر بن أمية بن خُناس.
قال ابن إسحاق: والطفيل بن مالك بن خنساء بن سِنان بن عُبَيْد، شهد بدرًا. أحد عشر رجلًا.
ومن بني سواد بن غَنْم بن صب بن سَلَمة،َ ثم من بني كعب بن سَوَاد: كعب بن مالك بن أبي كعب بن القيْن بن كعب، رجل.
ومن بني غَنْم بن سَوَاد بنِ غَنْم بن كعب بن سَلَمة: سُلَيم بن عمرو بن حديدة بنِ عمرو بن غنْم، شهد بدرًا، وقُطْبة بن عامر بن حَديدة بن عمرو بن غنْم، شهد بدرًا، وأخوه يزيد بن عامر بن حَديدة بن عَمرو بن غَنْم، وهو أبو المنذِر، شهد بدرًا، وأبو اليَسَر، واسمه كعب بن عمرو بن عَبَّاد بن عَمرو بن غَنْم، شهد بدرًا، وصَيْفيُّ بن سَوَاد بن عَبَّاد بن عَمرو بن غَنْم، خمسة نفر.
قال ابن هشام: صيفي بن أسْود بن عَبَّاد بن عمرو بن غنم بن سَوَاد، وليس لسواد ابن يقال له: غَنْم.
قال ابن إسحاق: ومن بني نابي بن عَمْرو بن سَوَاد بن غنْم بن كعب بن سَلَمة: ثعلبة بن غَنَمَة بن عدي بن نابي، شهد بدرًا، وقُتل بالخندق شهيدًا، وعمرو بن غَنَمَة بن عَدي بن نابي، وعَبْس بن عامر بن عدي بن نابي، شهد بدرًا. وعبد الله بن أنيْس، حليف لهم من قُضاعة وخالد بن عَمرو بن عَدِي بن نابي، خمسة نفر.

ص -77-         قال ابن إسحاق: ومن بني حرام بن كعب بن غنْم بن كعب بن سَلَمة: عبد الله بن عمرو بن حرام بن ثَعْلبة بن حرام، نقيب، شهد بدرًا، وقُتل يوم أحد شهيدًا وابنه جابر بن عبد الله. ومُعاذ بن عَمرو بن الجَموح بن يزيد بن حرام، شهد بدرًا، وثابت بن الجِذْع والجِذْع: ثعلبة بن زيد بن الحارث بن حرام شهد بدرًا، وقُتل بالطائف شهيدًا. وعُمَيْر بن الحارث بن ثعلبة بن الحارث بن حرام، شهد بدرًا، قال ابن هشام: عُمير بن الحارث بن لَبْدَة بن ثعلبة.
قال ابن إسحاق: وخَدِيج بن سَلاَمة بن أوْس بن عمرو بن الفُرَافِرِ، حليف لهم من بَلِيّ. ومُعاذ بن جَبَل بن عَمرو بن أوْس بن عائذ بن كعب بن عَمرو بن أدِي بن سعد بن على بن أسد، ويقال: أسد بن سَارِدة بن تَزيد بن جُشَم بن الخزرج؛ وكان في بني سَلَمة، شهد بدرًا والمشاهد كلَّها ومات بعِمْواس، عام الطاعون بالشام، في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإنما ادعته بنو سَلَمة أنه كان أخا سهل بن محمد بن الجد بن قيس بن صخر بن خَنْساء بن سِنان بن عبيد بن عدي بن غَنْم بن كعب بن سلمة. سبعة نفر.
قال ابن هشام: أوس: ابن عباد بن عدى بن كعب بن عمرو بن أذن بن سعد.
قال ابن إسحاق: ومن بني عَوْف بن الخزرج؛ ثم من بني سالم بن عَوْف بن عَمْرو بن عوف بن الخزرج: عُبادة بن الصامت بن قَيْس بن أصْرَم بن فِهْر بن ثعلبة بن غَنْم بن سالم بن عَوْف، نقيب، شهد بدرًا والمشاهد كلها.
قال ابن هشام: هو غَنْم بن عَوْف، أخو سالم بن عَوْف بن عمرو بن عوف بن الخزرج.
قال ابن إسحاق: والعباس بن عُبادة بن نَضْلة بن مالك بن العجلان بن زيد بن غَنْم بن سالم بن عوف وكان ممن خرج إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو بمكة، فأقام معه بها، فكان يُقال له: مهاجري أنصاري، وقُتل يوم أحد شهيدًا، وأبو عبد الرحمن يزيد بن ثعلبة بن خَزَمة بن أصرم بن عَمرو بن عُمارة، حليف لهم من بني غصينة من بلي. وعَمْرو بن الحارث بن لَبْدة بن عمرو بن ثَعلبة: أربعة نفر، وهم القَوَاقِل.
ومن بني سالم بن غَنْم بن عوف بن الخزرج، وهم بنو الحُبُلَّى قال ابن هشام: الحبلى: سالم بن غنم بن عوف، وإنما سُمي الحبُلَّى لعظم بطنه: رفاعة بن عمرو بن زيد بن عمرو

ص -78-         ابن ثعلبة بن مالك بن سالم بن غَنْم. شهد بدرًا؛ وهو أبو الوليد.
قال ابن هشام: ويقال: رفاعة بن مالك، ومالك: ابن الوليد بن عبد الله بن مالك بن ثعلبة بن جُشم بن مالك بن سالم.
قال ابن إسحق: وعقبة بن وهب بن كَلَّدة بن الجَعْد بن هلال بن الحارث بن عمرو بن عدي بن جشم بن عوف بن بُهْثَة بن عبد الله بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان، حليف لهم، شهد بدرًا، وكان ممن خرج إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مهاجرًا من المدينة إلى مكة، فكان يقال له: مهاجري أنصاري.
قال ابن هشام: رجلان.
قال ابن إسحاق: ومن بني ساعدة بن كعب بن الخزرج: سعد بن عُبادة بن حارثة بن أبي خُزَيمة بن ثعلبة بن طَريف بن الخزرج بن سَاعدة نقيب، والمُنذر بن عَمرو بن خنيس بن حارثة بن لَوْذان بن عبد وُدّ بن زيد بن ثعلبة بن جُشم بن الخزرج بن ساعدة. نقيب. شهد بدرًا وأحدًا. وقُتل يوم بئر معونة أميرًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو الذي كان يقال له أعنق ليموت. رجلان.
قال ابن هشام: ويقال: المنذر بن عمرو بن خنش.
قال ابن إسحاق: فجميع من شهد العقبة من الأوس والخزرج ثلاثة وسبعون رجلًا وامرأتان منهم، يزعمون أنهما قد بايعتا، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يصافح النساءَ إنما كان يأخذ عليهنَّ، فإذا أقررن، قال: اذهبْنَ فقد بايعتكنَّ.
ومن بني مازن بن النجار: نُسَيْبة بنت كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عَمرو بن غَنْم بن مازن، وهي أم عمارة، كانت شهدت الحرب مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وشهدت معها أختها. وزوجها زيد بن عاصم بن كعب. وابناها: حبيب بن زيد، وعبد الله بن زيد، وابنها حبيب الذي أخذه مُسيلمة الكذاب الحنفي، صاحب اليمامة، فجعل يقول له: أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ فيقول: نعم فيقول: أفتشهد إني رسول الله؟ فيقول: لا أسمع، فجعل يقطعه عضوًا عضوًا حتى مات في يده، لا يزيده على ذلك، إذا ذكر له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آمن به وصلى عليه، وإذا ذكر له مُسيلمة قال: لا أسمع فخرجتْ إلى اليمامة مع المسلمين،

ص -79-         فباشرت الحربَ بنفسِها، حتى قَتل اللهُ مسيلمةَ ورجعت وبها اثنا عشر جرحًا، من بين طعنة وضربة.
قال ابن إسحاق: حدثني هذا الحديث عنها محمدُ بن يحيى بن حِبَّان، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صَعْصَعة.
ومن بني سلمة: أم مَنيع، واسمها: أسماء بنت عَمرو بن عَدي بن نابي بن عمرو بن غَنْم بن كعب بن سَلَمة1.
نزول الأمر لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، في القتال:
بسم الله الرحمن الرحيم. قال: حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هشام، قال: حدثنا زياد بن عبد الله البكائي، عن محمد بن إسحاق المطَّلبي: وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل بيعة العقبة لم يُؤْذَن له في الحرب ولم تُحلل له الدماء، إنما يؤمر بالدعاء إلى الله والصبر على الأذى، والصفح عن الجاهل، وكانت قريش قد اضطهدت من اتبعه من المهاجرين حتى فتنوهم عن دينهم ونفوهم من بلادهم، فهم من بين مفتون في دينه، ومن بين مُعذَّب في أيديهم، ومن بين هارب في البلاد فرارًا منهم، منهم مَن بأرض الحبشة، ومنهم من بالمدينة، وفي كل وجه، فلما عتت قريش على الله عز وجل، وردّوا عليه ما أرادهم به من الكرامة، وكذبوا نبيه -صلى الله عليه وسلم- وعذبوا ونَفَوْا من عبَدَه ووحَّده وصدَّق نبيه، واعتصم بدينه، أذن الله عز وجل لرسوله -صلى الله عليه وسلم- في القتال والانتصار ممن ظلمهم وبغى عليهم. فكانت أولُ آية أنزلت في إذنه له في الحرب، وإحلاله الدماء والقتال، لمن بنى عليهم، فيما بلغني عن عروة بن الزبير وغيره من العلماء، قول الله تبارك وتعالى:
{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ، الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} أي: أني إنما أحللت لهم القتال

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 راجع زيادة في أنساب من ذكروا وأخبارًا كثيرة عنهم في: "الروض الأنف، بتحقيقنا، ج2 ص214 وما بعدها".

ص -80-         لأنهم ظُلموا، ولم يكن لهم ذنب فيما بينهم وبين الناس، إلا أن يعبدوا الله، وأنهم إذا ظهروا أقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، يعني النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابَه رضي الله عنهمِ أجمعين، ثم أنزل الله تبارك وتعالى عليه: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ}، أي: حتى لا يفتَن مؤمن عن دينه. {وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [البقرة: 193] أي: حتى يُعبد الله، لا يُعبد معه غيره.
الإذن لمسلمي مكة بالهجرة إلى المدينة: قال ابن إسحاق: فلما أذن الله تعالى له صلى الله عليه وسلم في الحرب، وبايعه هذا الحي من الأنصار على الإسلام والنُّصْرة له ولمن اتبعه، وأوى إليهم من المسلمين، أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصحابه من المهاجرين من قومه، ومن معه بمكة من المسلمين، بالخروج إلى المدينة والهجرة إليها، واللحوق بإخوانهم من الأنصار وقال: إن الله عز وجل قد جعل لكم إخوانًا ودارًا تأمنون بها، فخرجوا أرْسالًا1، وأقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمكة ينتظر أن يأذن له رُّبه في الخروج من مكة، والهجرة إلى المدينة.
ذكر المهاجرين إلى المدينة: فكان أولُ من هاجر إلى المدينة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المهاجرين من قريش، من بني مخزوم: أبو سَلمة بن عبد الأسَد بن هلال بن عبد الله بن عُمر بن مخزوم، واسمه: عبد الله، هاجر إلى المدينة قبل بَيعة أصحاب العقبة بسنة، وكان قدم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة من أرض الحبشة، فلما آذته قريش، وبلغه إسلام من أسلم من الأنصار، خرج إلى المدينة مهاجرًا.
قال ابن إسحاق: حدثني أبي: إسحاق بن يسار، عن سَلَمة بن عبد الله بن عُمر بن أبي سَلَمة عن جدته أم سلمة، زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: لما أجمع أبي سلمة الخروج إلى المدينة رحَّل لي بعيره ثم حملني عليه، وحمل معي ابني سلمة بن أبي سلمة في حجري، ثم خرج بي يقود بعيرَه، فلما رأته رجالُ بني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم قاموا إليه، فقالوا: هذه نفسك غلبتَنا عليها، أرأيتَ صاحبتك هذه؟ علامَ نتركك تسير بها في البلاد؟ قالت: فنزعوا خطامَ البعير من يده، فأخذوني منه قالت: وغضب عند ذلك بنو عبد الأسد، رهْط أبي سلمة، فقالوا: لا والله، لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا.
قالت: فتجاذبوا بُنَيَّ سَلَمة بينهم حتى خلعوا يده وانطلق به بنو عبد الأسد، وحبسني بنو المغيرة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 جماعة وراء جماعة.

ص -81-         عندهم، وانطلق زوجي أبو سَلَمة إلى المدينة. قالت: ففرق بيني وبين زوجي وبين ابني. قالت: فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطَح، فلا أزال، أبكي، حتى أمسي: سنةً أو قريبًا منها حتى مر بي رجل من بني عمي، أحد بني المغيرة، فرأى ما بي فرحمني فقال لبني المغيرة. ألا تخرجون هذه المسكينة، فرقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها! قالت: فقالوا لي: الحقي بزوجك إن شئتِ. قالت: ورد بنو عبد الأسد إليَّ عند ذلك ابني.
قالت: فارتحلت بعيري ثم أخذت ابني فوضعته في حجري، ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة. قالت: وما معي أحد من خلق الله. قالت: أتبلَّغ بمن لَقِيتُ حتى أقْدُمَ على زوجي، حتى إذا كنت بالتنعيم1 لَقِيتُ عثمانَ بن طلحة بن أبي طلحة، أخا بني عبد الدار فقال لي: إلى أين يا بنت أبي أمية؟ قالت: فقلت أريد زوجي بالمدينة. قال: أوَما معكِ أحد؟ قالت: فقلت: لا والله، إلا الله ثم بنيَّ هذا. قال: والله ما لك من مَتْرك، فأخذ بخطام البعير، فانطلق معي يهوي بي، فوالله ما صحبت رجلًا من العرب قط، أرى أنه كان أكرم منه، كان إذا بلغ المنزل أناخ بي، ثم استأخر عني؛ حتى إذا نزلت استأخر ببعيري؟ فحطَّ عنه، ثم قيده في الشجرة، ثم تنحى عني إلى شجرة، فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرَّواحُ، قام إلى بعيري فقدمه فرَحله ثم استأخر عني، وقال: اركبي، فإذا ركبت واستويت على بعيري أتى فأخذه بخطامِه فقاده، حتى ينزل بي حتى أقدمني المدينة، فلما نظر إلى قرية بني عَمْرو بن عَوْف بقُباء، قال: زوجُك في هذه القرية وكان أبو سلمة بها نازلًا فادخليها على بركة الله، ثم انصرف راجعًا إلى مكة.
قال: فكانت تقول: والله ما أعلم أهلَ بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة، وما رأيت صاحبًا قط كان أكرمَ من عثمان بن طلحة2.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 موضع على فرسخين من مكة.
2 وقد كان عثمان يومئذ على كفره، وإنما أسلم عثمان في هدنة الحديبية، وهاجر قبل الفتح مع خالد بن الوليد، وقُتل يوم أحد إخوته مسافع، وكلاب والحارث، وأبوهم، وعمه عثمان بن أبي طلحة قتل أيضًا يوم أحد كافرًا وبيده كانت مفاتيح الكعبة ودفعها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الفتح إلى عثمان بن طلحة بن أبي طلحة؛ وإلى ابن عمه شيبة بن أبي عثمان بن أبي طلحة وهو جد بني شيبة حجبة الكعبة، واسم أبي طلحة جدهم: عبد الله بن عبد الله بن عبد العزى، وقُتل عثمان رحمه الله شهيدًا بأجنادين في أول خلافة عمر.

ص -82-         قال ابن إسحاق: ثم كان أول من قدمها من المهاجرين بعد أبي سلمة: عامر بن ربيعة، حليف بني عدي بن كعب، معه امرأته ليلى بنت أبي حَثْمَة بن غانم بن عبد الله بن عَوْف بن عُبَيد بن عَدي بن كعب. ثم عبد الله بن جَحْش بن رِئاب بن يَعْمُر بن صَبرة بن مُرة بن كثير بن غَنْم بن دُودان بن أسد بن خُزَيمة، حليف بني أمية بن عبد شمس، احتمل بأهله وبأخيه عبد بن جَحْش، وهو أبو أحمد وكان أبو أحمد رجلًا ضرير البصر، وكان يطوف مكة، أعلاها وأسفلها، بغير قائد، وكان شاعرًا، وكانت عنده الفَرْعَة بنت أبي سفيان بن حرب، وكانت أمه أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم فغُلِّقت دار بني جَحْش1 هجرةً، فمر بها عُتبة بن ربيعة، والعباس بن عبد المطلب، وأبو جهل بن هشام بن المغيرة، وهي دار أبان بن عثمان اليوم التي بالردْم، وهم مُصعِدون إلى أعلى مكة، فنظر إليها عُتبة بن ربيعة تخفقَ أبوابُها يَبابًا2 ليس فيها ساكن، فلما رآها كذلك تنفس الصُّعَداء، ثم قال:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وبنو جحش، هم: عبد الله وأبو أحمد واسمه: عبد، وقد كان أخوهم عبيد الله أسلم ثم تنصر بأرض الحبشة، وزينب بنت جحش أم المؤمنين التي كانت عند زيد بن حارثة ونزلت فيها:
{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] وأم حبيب بنت جحش التيَ كانت تستحاض، وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف وحمنة بنت جحش التى كانت تحت مصعب بن عمير، وكانت تستحاض أيضًا، وقد روي أن زينب استحيضت، أيضًا، ووقع في الموطأ أن زينب بنت جحش التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف، وكانت تستحاض ولم تك قط زينب عند عبد الرحمن بن عوف، ولا قاله أحد، والغلط لا يسلم بشر منه، وإنما كانت تحت عبد الرحمن أختها أم حبيب، ويقال فيها أم حبيبة، غير أن شيخنا أبا عبد الله محمد بن نجاح، أخبرني أن أم حبيب كان اسمها: زينب فهما زينبان غلبت على إحداهما الكنية، فعلى هذا لا يكون في حديث الموطأ وهم ولا غلط والله أعلم. وكان اسم زينب بنت جحش: برة فسماها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زينب، وكذلك زينب بنت أم سلمة ربيبته عليه السلام، كان اسمها برة، فسماها زينب كأنه كره أن تزكي المرأة نفسها بهذا الاسم، وكان اسم جحش بن رئاب: برة بضم الباء، فقالت زينب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله لو غيرت اسم أبي، فإن البرة صغيرة، فقيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: "لو أبوك مسلمًا لسميته باسم من أسمائنا أهل البيت، ولكني سميته جحش والجحش أكبر من البرة". وذكر هذا الحديث مسندًا في كتاب "المؤتلف والمختلف"، لأبي الحسن الدارقطني. عن الروض الأنف.
2 اليباب: القفر.

ص -83-                                        وكل دار وإن طالت سلامتُها      يومًا ستُدركُها النكْباءُ والحُوبُ
قال ابن هشام: وهذا البيت لأبي دُؤاد الإيادي في قصيدة له. والحوب: التوجع.
قال ابن إسحاق: ثم قال عتبة بن ربيعة: أصبحت دار بني جحش خلاء من أهلها! فقال أبو جهل: وما تبكي عليه من قُلّ ابن قُلّ.
قال ابن هشام: القُل: الواحد. قال لَبيد بن ربيعة:
كل بني حرة مصيرهم                          قُلّ وإن أكثرتْ من العَددِ
قال ابن إسحاق: ثم قال: هذا عمل ابن أخي هذا، فرق جماعتنا، وشتت أمرَنا وقطع بيننا. فكان منزل أبي سلمة بن عبد الأسد، وعامر ابني ربيعة، وعبد الله بن جحش، وأخيه أبي أحمد بن جحش، على مبشر بن عبد المنذر بن زنبر بقُباء، في بني عمرو بن عوف، ثم قدم المهاجرون أرْسالًا، وكان بنو غَنم بن دودان أهل إسلام، قد أوعبوا إلى المدينة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هجرة رجالهم ونساؤهم: عبد الله بن جحش، وأخوه أبو أحمد بن جحش، وعُكاشة بن مِحصن، وشُجاع وعقبة ابنا وهب، و أرَبد بن حُمَيِّرَة.
قال ابن هشام: ويقال ابن حُمَيْرَة.
قال ابن إسحاق: ومُنْقذ بن نُباتة، وسعيد بن رُقَيش، ومُحرِز بن نَضلة، ويزيد بن رُقَيش، وقيس بن جابر، وعَمرو بن مِحصن، ومالك بن عمرو، وصفوان بن عمرو، وثَقْف بن عمرو، وربيعة بن أكثم، والزبير بن عُبيد، وتمَّام بن عُبيدة، وسَخْبَرة بن عُبَيْدة، ومحمد بن عبد الله بن جَحْش.
ومن نسائهم: زينب بنت جَحش، وأم خبيب بنت جَحْش، وجُذَامة بنت جَنْدَل، وأم قيس بنت مِحْصن، وأم حبيب بنت ثُمامة، وآمنة بنت رُقيشَ، وسَخْبَرة بنت تميم، حَمْنة بنت جحش.
وقال أبو أحمد بن جَحْش بن رِئاب، وهو يذكر هجرة بني أسد بن خُزَيمة من قومه إلى الله تعالى وإلى رسوله -صلى الله عليه وسلم- وإيعابهم في ذلك حين دُعوا إلى الهجرة:
ولو حلفتْ بين الصفا أمُّ أحمد                   ومَرْوتها باللهِ بَرَّتْ يمينُها
لنحنُ الألى كنا بها ثُم لم نزلْ                   بمكةَ حتى عاد غَثًّا سمينُها
بها خيَّمت غَنْم بنُ دُودانَ وابتنتْ               وما إِنْ غَدتْ غَنْم وخف قطينُها1

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 القطين: القوم المقيمون.
ص -84-                                           إلى الله تغدو بين مَثْنى وواحدٍ           ودينُ رسولِ الله بالحقِّ دينُها
وقال أبو أحمد بن جحش أيضًا:
لما رأتني أمُّ أحمدَ غاديًا                           بذمةِ من أخشى بغَيْبٍ وأرهبُ
تقول: فإما كنتَ لا بدَّ فاعلًا                        فيممْ بنا البلدانَ ولتنأ يثربُ
فقلت لها: بل يثربُ اليومَ وجهُنا                  وما يشاءُ الرحمنُ فالعبدُ يركبُ
إلى اللهِ وجهي والرسول ومن يُقمْ               إلى اللهِ يومًا وجهُه لا يُخيَّبُ
فكم قد تركنا من حميمٍ مُناصحٍ                   وناصحةٍ تبكي بدمعٍ وتندُبُ
ترى أن وِترًا نأينا عن بلادِنا                         ونحنُ نرى أن الرغائبَ تُطْلَبُ
دعوْتُ بني غَنْمٍ لحقْنِ دمائِهم                   وللحق لما لاح للناسِ مَلْحبُ1
أجابوا بحمدِ اللهِ لما دعاهمُ                        إلى الحقِّ داعٍ والنجاح فأوْعبوا
وكنا وأصحابًا لنا فارقوا الهدَى                      أعانوا علينا بالسلاح وأجْلَبوا
كَفَوْجَيْن: أمَّا منهما فمُوفّق                        على الحقِّ مهدى، وفوج مُعَذَّبُ
طغَوْا وتمنوْا كذبة وأزلَّهم                            عن الحقِّ إبليس فخابوا وخُيبوا
وَرِعْنا إلى قولِ النبيِّ محمد                       فطاب وُلاةُ الحقِّ منا وطُيِّبوا2
نمتْ بأرحام إليهم قريبةٍ                            ولا قربَ بالأرحام إذ لا نُقَرَّبُ
فأيُّ ابنِ أختٍ بعدَنا يأمننَّكم                       وأيةُ صِهْر بعدَ صِهريَ ترْقَبُ
ستعلمُ يومًا أينا إذ تزايلوا                          وزُيل أمرُ الناسِ للحقِّ أصوبُ
قال ابن هشام: قوله "ولتنأ يثرب"، وقوله "إذ لا نقرب"، عن غير ابن إسحاق. قال ابن هشام يريد بقوله: "إذ" إذا، كقول الله عز وجل: {إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [سبأ: 31] قال أبو النجم العِجْلي:
ثم جزاه الله عنا إذ جَزَى                    جنَّات عدنٍ في العَلالِيِّ والعُلاَ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الملحب: الطريق الواضح.
2 رعنا: رجعنا.
ص -85-         هجرة عُمر وقصة عياش وهشام معه:
قال ابن إسحاق: ثم خرج عُمر بن الخطاب، وعَيَّاش بن أبي ربيعة المخزومي، حتى قدما المدينة. فحدثني نافع مولى عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر، عن أبيه عمر بن الخطاب، قال: اتعَدْتُّ، لما أردنا الهجرة إلى المدينة، أنا وعَيَّاش بن أبي ربيعة، وهشام بن العاص بن وائل السهمي التَّناضِبَ من أضاة بني غفار، فوق سَرِف وقلنا: أينا لم يصبح عندها فقد حُبس فليمض صاحباه. قال: فأصبحت أنا وعياش بن أبي ربيعة عند التَّناضِب، وحُبس عنا هشام، وفُتن فافتتن.
فلما قدمنا المدينة نزلنا في بني عَمرو بن عوف بقُباء، وخرج أبو جهل بن هشام والحارث بن هشام إلى عَيَّاش بن أبي ربيعة، وكان ابن عمهما وأخاهما لأمهما، حتى قدما علينا المدينة ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمكة، فكلماه وقالا: إن أمَّك قد نذرت أن لا يَمس رأسَها مُشط حتى تراك، ولا تستظل من شمس حتى تراك، فرقَّ لها، فقلت له: يا عياش، إنه والله إن يريدك القوم إلا ليفتنوك عن دينك فاحذرْهم، فوالله لو قد آذى أمَّك القملُ لامتشطت، ولو قد اشتد عليها حرُّ مكة لاستظلت. قال: فقال: أبرّ قَسَمَ أمي، ولي هنالك مال فآخذه. قال: فقلت: والله إنك لتعلم أني لمن أكثر قريش مالًا، فلك نصف مالي ولا تذهب معهما. قال: فأبى علي إلا أن يخرج معهما؛ فلما أبى إلا ذلك؛ قال: قلت له: أما إذ قد فعلت ما فعلت، فخذ ناقتي هذه، فإنها ناقة نجيبة ذلول، فالزم ظهرَها، فإن رابك من القوم ريْب، فانجُ عليها.
فخرج عليها معهما، حتى إذا كانوا ببعض الطريق، قال له أبو جهل: يابن أخي، والله لقد استغلظتُ بعيري هذا، أفلا تُعْقِبني على ناقتك هذه؟ قال: بلَى. قال: فأناخ، وأناخا ليتحول عليها، فلما استَوَوْا بالأرض عدَوَا عليه، فأوثقاه وربطاه ثم دخلا به مكة، وفتناه فافتُتن.
قال ابن إسحاق: فحدثني به بعضُ آل عَيَّاش بن أبي ربيعة: أنهما حين دخلا به مكة دخلا به نهارًا مُوثَقًا، ثم قالا: يا أهل مكة، هكذا فافعلوا بسفهائكم، كما فعلنا بسفيهنا هذا.
كتاب عمر إلى هشام بن العاص: قال ابن إسحاق: وحدثني نافع، عن عبد الله بن عمر، عن عمر في حديثه، قال: فكنا نقول: ما الله بقابل ممن افتُتن صَرْفًا ولا عَدْلًا ولا تَوْبة، قوم عرفوا الله، ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء أصابهم. قال: وكانوا يقولون ذلك لأنفسِهم. فلما

ص -86-         قَدِم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة، أنزل الله تعالى فيهم، وفى قولنا وقولهم لأنفسهم: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ، وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ}.
قال عمر بن الخطاب فكتبتها بيدي في صحيفة، وبعثت بها إلى هشام بن العاص قال: فقال هشام بن العاص: فلما أتتني جعلت أقرؤها بذي طُوَى1، أصعد بها فيه وأصَّوَّب ولا أفهمها حتى قلت: اللهم فَهمْنيها. قال: فألقى اللهُ تعالى في قلبي أنها إنما أنزلت فينا، وفيما كنا نقول في أنفسنا ويقال فينا. قال: فرجعت إلى بعيري، فجلست عليه، فلحقت برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو بالمدينة.
أمر الوليد بن الوليد مع عياش وهشام: قال ابن هشام: فحدثني من أثق به: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال، وهو بالمدينة: من لي بعَيَّاش بن أبي ربيعة، وهشام بن العاص فقال الوليد بن الوليد بن المغيرة: أنا لك يا رسول الله بهما، فخرج إلى مكة، فقدمها مستخفيًا، فلقي امرأة تحمل طعامًا فقال لها: أين تريدين يا أمة الله؟ قالت: أريد هذين المحبوسين -تعنيهما- فتبعها حتى عرف موضعهما، وكانا محبوسين في بيت لا سقف له؟ فلما أمسى تسور عليهما، ثم أخذ مَرْوة2 فوضعها تحتَ قيديهما، ثم ضربهما بسيفه فقطعهما، فكان يقال لسيفه: "ذو المرْوة" لذلك، ثم حملهما على بعيره، وساق بهما، فعثر فدَميت إصبُعه، فقال:
هل أنتِ إلا إصبعٌ دميت                         وفى سبيلِ اللهِ ما لَقيت
ثم قدم بهما على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة.
منازل المهاجرين بالمدينة:
قال ابن إسحاق: ونزل عمر بن الخطاب حين قدم المدينة ومن لحق به من أهله وقومه، وأخوه زيد بن الخطاب؛ وعمرو وعبد الله ابنا سراقة بن المعتمر، وخُنَيس بن حُذافة السَّهْمي -وكان صهره على ابنته حَفْصة بنت عمر، فخلف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده-

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 موضع بأسفل مكة.
2 المروة: الحجر.

ص -87-         وسعيد بن زيد بن عَمرو بن نُفَيل، وواقد بن عبد الله التميمي، حليف لهم؛ وخَؤْليّ بن أبي خَوْلِيّ؛ ومالك بن أبي خَوْلِيّ، حليفان لهم.
قال ابن هشام: أبو خولي: من بني عجل بن لُجَيم بن صعب بن على بن بكر بن وائل.
قال ابن إسحاق: وبنو البُكير أربعتهم: إياس بن البكير، وعاقل بن البُكير، وعامر بن البكير، وخالد بن البكير، وحلفاؤهم من بني سعد بن ليث، على رفاعة بن عبد المنذر بن زنْبَر، في بني عَمرو بن عَوْف بقُباء، وقد كان منزل عَيَّاش بن أبي ربيعة معه عليه حين قدما المدينة.
ثم تتابع المهاجرون، فنزل طلحة بن عبيد الله بن عثمان، وصُهيب بن سنان على خُبَيْب بن إساف أخي بلحارث بن الخزرج بالسُّنْح1، ويقال: بل نزل طلحة بن عُبيد الله على أسعد بن زُرارة، أخي بني النجار.
قال ابن هشام: وذُكر لي عن أبي عثمان النهْدي أنه قال: بلغني أن صُهيبًا حين أراد الهجرة قال له كفار قريش: أتيتنا صُعلوكًا حقيرًا، فكثر مالُك عندنا، وبلغتَ الذي بلغتَ، ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسِك، والله لا يكون ذلك؛ فقال لهم صُهَيْب: أرأيتم إن جعلت لكم مالي أتخلون سبيلي؟ قالوا: نعم. قال: فإني جعلت لكم مالي. قال: فبلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ربح صُهيب؛ ربح صهيب.
قال ابن إسحاق: ونزل حمزةُ بنُ عبد المطلب، وزيد بن حارثة، وأبو مَرْثَد كَنَّاز بن حِصْن.
قال ابن هشام: ويقال، ابن حُصَيْن وابنه مرثد الغنويان، حليف حمزة بن عبد المطلب وأنَسة، وأبو كَبْشة2، موليا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على كُلثوم بن هِدْم، أخي بني

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 السنح: بعوالي المدينة.
2 أنسة مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مولدي السراة ويكنى: أبا مسروح شهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومات في خلافة أبي بكر، وأبو كبشة اسمه: سُلَيم يقال: إنه من فارس، ويقال؛ من مولدي أرض دوس، شهدا بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومات في خلافة عمر في اليوم الذي ولد فيه عروة بن الزبير، وأما الذي كانت كفار قريش تذكره وتنسب النبي عليه السلام إليه، وتقول: قال ابن أبي كبشة وفعل ابن أبي كبشة، فقيل فيه أقوال: قيل: إنها كنية أبيه لأمه وهب بن عبد مناف؛ وقيل: كنية أبيه من الرضاعة الحارث بن عبد العزى، وقيل: إن سلمى أخت عبد المطلب كان يكنى أبوها أبا كبشة وهو عمرو بن لبيد، وأشهر من هذه الأقْوال كلها عند الناس أنهم شبهوه برجل كان يعبد الشعرى وحده دون العرب، فنسبوه إليه لخروجه عن دين قومه.
وذكر الدارقطني اسم أبي كبشة هذا في المؤتلف والمختلف، فقال: اسمه وجز بن غالب، وهو خزاعي، وهو من بني غبشان.

ص -88-         عمرو بن عَوْف بقُباء ويقال بل نزلوا على سعد بن خَيْثمة ويقال: بل نزل حمزة بن عبد المطلب على أسعد بن زُرارة، أخي بني النجار. كل ذلك يقال.
ونزل عبيدة بن الحارث بن المطلب، وأخوه الطُّفَيل بن الحارث، والحُصَيْن بن الحارث، ومِسْطَح بن أثَاثة بن عَبّاد بن المطلب، وسُوَيْبط بن سعد بن حُرَيْملة، أخو بني عبد الدار وطُلَيب بن عُمَير، أخو بني عبد بن قصي، وخَبّاب، مولى عُتبة بن غزوان، على عبد الله بن سلمة، أخي بلعجلان بقباء.
ونزل عبد الرحمن بن عوف في رجال من المهاجرين على سعد بن الربيع أخي بِلْحَارث بن الخزرج، في دار بِلْحارث بن الخزرج.
ونزل الزبير بن العوام، وأبو سَبْرة بن أبي رُهْم بن عبد العُزى، على مُنْذِر بن محمد بن عُقْبة بن أحَيْحة بن الجُلاح بالعُصبة، دار بني جحجبي.
ونزل مُصْعَب بن عُمَير بن هاشم، أخو بني عبد الدار على سعد بن مُعاذ بن النعمان، أخي بني عبد الأشْهل، في دار بني عبد الأشْهل.
ونزل أبو حذيفة بن عُتبة بن ربيعة، وسالم مولى أبي حذيفة.
قال ابن هشام: سالم مولى أبي حُذَيفة سائبة1 لثُبَيْتة بنت يَعَار بن زيد بن عُبَيْد بن زيد بن مالك بن عوف بن عَمْرو بن عوف بن مالك بن الأوْس، سيبته فانقطع إلى أبي حذيفة بن عُتْبة بن ربيعة فتبناه، فقيل: سالم مولى أبي حذيفة، ويقال: كانت ثُبَيْتة بنت يَعار تحت أبي حُذيفة بن عتبة فأعتقت سالمًا سائبة. فقيل: سالم مولى أبي حذيفة.
منزل عتبة بن غزوان: قال ابن إسحاق: ونزل عتبة بن غزوان بن جابر على عَبَّاد بن بشر بن وَقْش أخي بني عبد الأشْهل، في دار عبد الأشهل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 السائبة: أي لا ولاء لأحد عليه.

ص -89-         ونزل عثمان بن عفان على أوْس بن ثابت بن المنذِر، أخي حسان بن ثابت في دار بني النجار، فلذلك كان حسان يحبُّ عثمان ويبكيه حين قُتل.
وكان يقال: نزل الأعزابُ من المهاجرين على سعد بن خَيْثمة، وذلك أنه كان عَزَبا، فالله أعلم أي ذلك كان. هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم:
وأقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمكةَ بعدَ أصحابه من المهاجرين ينتظر أن يُؤْذَن له في الهجرة، ولم يتخلفْ معه بمكة أحد من المهاجرين إلا من حُبس أو فُتن، إلا على بن أبي طالب، وأبو بكر بن أبي قُحافة الصديق -رضى الله عنهما- وكان أبو بكر كثيرًا ما يستأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الهجرة، فيقول له رسول الله -صلى الله عليه وسلم:
"لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبًا"، فيطمع أبو بكر أن يكونَه.
قريش تتشاور في أمره عليه السلام: قال ابن إسحاق: ولما رأت قريش أن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قد صارت له شِيعة وأصحاب من غيرهم بغيرِ بلدهم، ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم، عرفوا أنهم قد نزلوا دارًا، وأصابوا منهم مَنَعَة، فحذروا خروج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إليهم، وعرفوا أنهم قد أجمع لحربهم. فاجتمعوا له في دار الندوة وهي دار قُصَي بن كلاب التي كانت قريش لا تقضي أمرًا إلا فيها يتشاورون فيها ما يصنعون في أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين خافوه.
قال ابن إسحاق: فحدثني مَنْ لا أتهم من أصحابنا، عن ابن أبي نَجيح، عن مجاهد بن جُبير أبي الحجاج، وغيره ممن لا أتهم، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: لما أجمعوا لذلك، واتَّعدوا أن يدخلوا في دار الندوة ليتشاوروا فيها في أمرِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غَدَوْا في اليوم الذي اتَّعدوا له، وكان ذلك اليوم يسمى يوم الرحمة، فاعترضهم إبليس في هيئة شيخ جليل، عليه بتلة1، فوقف على باب الدار فلما رأوه واقفًا على بابها؟ قالوا: من الشيخ؟ قال: شيخ من أهل نجد2 سمع بالذي اتَّعدتم له فحضر معكم ليسمع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 البتلة: الكساء الغليظ.
2 وإنما قال لهم إني من أهل نجد فيما ذكر بعض أهل السيرة؛ لأنهم قالوا لا يدخل =

ص -90-         ما تقولون، وعسى أن لا يُعدمكم منه رأيًا ونصحًا، قالوا: أجل فادخل معهم، وقد اجتمع فيها أشراف قريش من بني عبد شمس: عتبة بن ربيعة، وشَيْبة بن ربيعة، وأبو سفيان بن حرب، ومن بني نوفل بن عبد مناف: طُعَيمة بن عدي، وجُبَيْر بنُ مُطْعِم، والحارث بن عامر بن نَوْفل. ومن بني عبد الدار بن قُصَي: النضر بن الحارث بن كَلَدة. ومن بني أسد بن عبد العُزَّى: أبو البَخْتَرِيّ بن هشام، وزَمْعَة بن الأسود بن المطلب، وحكيم بن حِزام. ومن بني مخزوم، أبو جهل بن هشام. ومن بني سَهْم: نُبيه ومُنبَّه ابنا الحجاج. ومن بني جُمَح: أمية بن خلف. ومن كان معهم وغيرهم ممن لا يعد من قريش.
فقال بعضهم لبعض: إن هذا الرجل قد كان من أمره ما قد رأيتم، فإنا والله ما نأمنه على الوثوب علينا فيمن قد اتبعه من غيرنا، فأجمعوا فيه رأيًا. قال: فتشاوروا ثم قال قائل منهم: احبسوه في الحديد، وأغلقوا عليه بابًا، ثم تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين كانوا قبله، زهيرًا والنابغة، ومن مضى منهم، من هذا الموت، حتى يصيبه ما أصابهم. فقال الشيخ النجدي: لا والله، ما هذا لكم برأي. والله لئن حبستموه كما تقولون ليخرجن أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه، فلأوشكوا أن يثبوا عليكم، فيُنزِعوه من أيديكم، ثم يكاثروكم به، حتى يغلبوكم على أمرِكم، ما هذا لكم برأي، فانظروا في غيره. فتشاوروا. ثم قال

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= معكم في المشاورة أحد من أهل تهامة؛ لأن هواهم مع محمد. فلذلك تمثل لهم في صورة شيخ نجدي، وقد ذكر السهيلي في خبر بنيان الكعبة أنه تمثل في صورة شيخ نجدي أيضًا، وحين حكموا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أمر الركن: من يرفعه، فصاح الشيخ النجدي: يا معشر قريش أقد رضيتم أن يليه هذا الغلام دون أشرافكم وذي أسنانكم، فإن صح هذا الخبر فلمعنى آخر تمثل نجديًّا، وذلك أن نجد ومنها يطلع قرن الشيطان، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قيل له: وفي نجد يا رسول الله؟ قال:
"هنالك الزلازل والفتن، ومنها يطلع قرن الشيطان، فلم يبارك عليها، كما بارك على اليمن والشام وغيرها"، وحديثه الآخر أنه نظر إلى المشرق، فقال: "إن الفتنة ههنا من حيث يطلع قرن الشيطان"، وفي حديث ابن عمر، حين قال هذا الكلام، ووقف عند باب عائشة، ونظر إلى المشرق فقاله، وفي وقوفه عند باب عائشة ناظرًا إلى المشرق يحذر من الفتن، وفكر في خروجها إلى المشرق عند وقوع الفتنة تفهم من الإشارة، واضمم إلى قوله عليه السلام حين ذكر نزول الفتن: "أيقظوا صواحب الحجر". والله أعلم. عن: "الروض الأنف".

ص -91-         قائل منهم: نخرجه من بين أظهرنا، فننفيه من بلادنا، فإذا أخرج عنا فوالله ما نبالي أين ذهب ولا حيث وقع، إذا غاب عنا وفرغنا منه، فأصلحنا أمرنا وألفتنا كما كانت، فقال الشيخ النجدي: لا والله، ما هذا لكم برأي، ألم تَرَوْا حُسنَ حديثه، وحلاوةَ منطقه، وغَلبته على قلوب الرجال بما يأتي به، والله لو فعلتم ذلك ما أمنتم أن يحل على حي من العرب، فيغلب عليهم بذلك من قوله وحديثه حتى يتابعوه عليه، ثم يسير بهم إليكم حتى يطأكم بهم في بلادكم، فيأخذ أمرَكم من أيديكم، ثم يفعل بكم ما أراد، دبروا فيه رأيًا غير هذا. قال: فقال أبو جهل بن هشام: والله إن لي فيه لرأيًا ما أراكم وقعتم عليه بعدُ قالوا: وما هو يا أبا الحكم؟ قال أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابًا جليدًا نسيبًا وسيطًا فينا، ثم نُعطي كل فتى منهم سيفًا صارمًا ثم يَعْمِدوا إليه، فيضربوه بها ضربة رجل واحد، فيقتلوه، فنستريح منه. فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعًا، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعًا، فرضوا منا بالعقل، فعقلناه لهم. قال: فقال الشيخ النجدي: القول ما قال الرجل، هذا الرأي الذي لا رأي غيره، فتفرق القوم على ذلك وهم مجمعون له.
استخلافه لعلي: فأتى جبريلُ عليه السلام رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: لا تَبِتْ هذه الليلة على فراشِك الذي كنتَ تبيت عليه، قال: فلما كانت عَتْمَة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام، فيثبون عليه؟ فلما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكانهم، قال لعليِّ بن أبي طالب: نم على فراشي وتَسَجَّ بِبُرْدي هذا الحَضْرمي الأخضر، فنم فيه، فإنه لن يَخْلُص إليك شيء تكرهه منهم، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينام في بُرْدِه ذلك إذا نام.
قال ابن إسحاق: فحدثني يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب القُرظي قال: لما اجتمعوا له، وفيهم أبو جهل بن هشام، فقال وهم على بابه: إن محمدًا يزعُم أنكم إن تابعتموه على أمره، كنتم ملوك العرب والعجم، ثم بُعثتم من بعد موتكم، فجُعلت لكم جِنان كجنان الأردن، وإن لم تفعلوا كان له فيكم ذَبْح، ثم بُعثتم من بعدِ موتكم، ثم جُعلت لكم نار تُحرقون فيها. قال: وخرج عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخذ حفنةً من تُراب في يده،ثم قال: أنا أقول ذلك، أنتَ أحدُهم. وأخذ الله تعالى على أبصارِهم عنه، فلا يَرَوْنَه، فجعل يَنثرُ ذلك الترابَ على رءوسِهم وهو يتلو هؤلاءِ الآيات من يس:
{يّس، وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ، إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ، عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} إلى قوله: {فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} [يس: 9] حتى فرغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من هؤلاء الآيات، ولم يبق منهم رجل إلا قد وضع على رأسه ترابًا، ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهبَ، فأتاهم آت ممن لم يكن معهم، فقال:

ص -92-         ما تنتظرون ههنا؟ قالوا: محمدًا: قال: خيبكم الله! قد والله خرج عليكم محمد، ثم ما ترك منكم رجلًا إلا وقد وضع على رأسِهِ ترابًا، وانطلق لحاجته، أفما تَرَوْنَ ما بكم؟ قال: فوضع كلُّ رجلٍ منهم يدَه على رأسِه، فإذا عليه ترابٌ ثم جعلوا يتطلَّعون فَيَروْن عليًّا على الفراش مُتَسَجِّيًا بِبُرْد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيقولون: والله إن هذا لمحمد نائم عليه بُرْدُه. فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا1 فقام علي رضي الله عنه عن الفراش فقالوا: والله لقد كان صدَّقنا الذي حدثنا.
ما نزل في تربص المشركين بالنبي: قال ابن إسحاق: وكان مما أنزل الله عز وجل من القرآنِ في ذلك اليوم، وما كانوا أجمعوا له:
{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30]، وقول الله عز وجل: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ، قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ} [الطور: 30، 31].
قال ابن هشام: المنون: الموت. وريب المنون: ما يريب ويعرض منها. قال أبو ذؤيب الهذلي:
أمن المنُون ورَيْبها تتوجَّعُ                   والدهرُ ليس بِمُعْتِبٍ من يَجْزعُ
وهذا البيت في قصيدة له.
قال ابن إسحاق: وأذِنَ الله تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم- عند ذلك في الهجرة.
أبو بكر يطمع في المصاحبة: قال ابن إسحاق: وكان أبو بكر رضي الله عنه رجلًا ذا مال، فكان حين استأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الهجرة، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم: لا تعجلْ، لعل الله يجد لك صاحبًا، قد طمع بأن يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما يعني نفسه، حين قال له ذلك، فابتاع راحلتين، فاحتبسهما في دارِه، يعلفهما إعدادًا لذلك.
حديث الهجرة إلى المدينة: قال ابن إسحاق: فحدثني من لا أتهم، عن عروة بن الزبير،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال السهيلي: "وذكر بعض أهل التفسير السبب المانع لهم من التقحم عليه في الدار مع قصر الدار وأنهم إنما جاءوا لقتله، فذكر في الخبر أنهم هموا بالولوج عليه، فصاحت امرأة من الدار، فقال بعضهم لبعض: والله إنها لسبة في العرب أن يتحدث عنا أنا تسورنا الحيطان على بنات العم، وهتكنا ستر حرمتنا، فهذا هو الذي أقامهم بالباب حتى أصبحوا ينتظرون خروجه، ثم طمست أبصارهم عنه حين خرج". انظر: "الروض الأنف" بتحقيقنا ج2.

ص -93-         عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: كان لا يُخطئ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أن يأتيَ بيتَ أبي بكر أحدَ طرفي النهار، إما بكرة وإما عشية، حتى إذا كان اليوم الذي أذن فيه لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الهجرة، والخروج من مكة من بين ظهريْ قومه، أتانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالهاجرة، في ساعة كان لا يأتى فيها: قالت: فلما رآه أبو بكر، قال: ما جاء رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الساعة إلا لأمر حدث. قالت: فلما دخل، تأخر له أبو بكر عن سريره، فجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وليس عند أبي بكر إلا أنا وأختي أسماءُ بنت أبي بكر، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: أخرجْ عني من عندَك. فقال: يا رسول الله، إنما هما ابنتاي، وما ذاك؟ فداك أبي وأمي! فقال: إن الله قد أذن لي في الخروج والهجرة. قالت: فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله. قال: الصحبة. قالت: فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدًا يبكي من الفرح، حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ، ثم قال: يا نبي الله إن هاتين راحلتان قد كنت أعددتهما لهذا. فاستأجرا عبد الله بن أرقط -رجلًا من بني الدّئل بن بكر، وكانت أمه امرأة من بني سَهْم بن عمرو، وكان مشركًا -يدلهما على الطريق، فدفعا إليه راحلتيهما، فكانتا عنده يرعاهما لميعادهما.
قال ابن إسحاق: ولم يعلم فيما بلغني، بخروج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحد، حين خرج، إلا علي بن أبي طالب، وأبو بكر الصديق، وآل أبي بكر. أما علي فإن رسول الله، صلى الله عليه وسلم -فيما بلغني- أخبره بخروجه، وأمره أن يتخلف بعدَه بمكه، حتى يؤدِّيَ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الودائعَ، التي كانت عندَه للناس، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليس بمكة أحد عندَه شىء يخشى عليه إلا وضعه عنده، لما يعلم من صدقه وأمانته -صلى الله عليه وسلم.
في الغار: قال ابن إسحاق: فلما أجمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الخروج، أتى أبا بكر بن أبي قحافة، فخرجا من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته، ثم عمدا إلى غار بثور -جبل بأسفل مكة- فدخلاه، وأمر أبو بكر ابنه عبد الله بن أبي بكر أن يتسمَّع لهما ما يقول الناسُ فيهما نهارَه، ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم من الخبر وأمر عامرَ بنَ فُهيرة مولاه أن يرعى غنمَهُ نهارَه، ثم يريحها عليهما، يأتيهما إذا أمسى في الغارِ. وكانت أسماءُ بنت أبي بكر تأتيهما من الطعام إذا أمست بما يصلحهما.
قال ابن هشام: وحدثني بعضُ أهلِ العلم، أن الحسنَ بنَ أبي الحسن البَصْريَّ قال: انتهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر إلى الغار ليلًا، فدخل أبو بكر رضي الله عنه

ص -94-         قبلَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلَمِس الغار، لينظر أفيه سبع أو حية، يقي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بنفسِهِ.
من قام بشأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الغار: قال ابن إسحاق: فأقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الغار ثلاثًا ومعه أبو بكر وجعلت قريش فيه حين فقدوه مائةَ ناقة، لمن يرده عليهم. وكان عبد الله بن أبي بكر يكون في قريش نهارَه معهم، يسمع ما يأتمرون به، وما يقولون في شأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر. ثم يأتيهما إذا أمسى فيخبرهما الخبر. وكان عامر بن فُهَيْرة مولَى أبي بكر رضي الله عنه، يرعى في رُعْيانِ أهل مكة، فإذا أمسى أراح عليهما غنمَ أبي بكر. فاحتلبا وذبحا، فإذا عبد الله بن أبي بكر غدَا من عندهما إلى مكة، اتبع عامرُ بنُ فُهَيْرة أثرَه بالغنم حتى يُعَفِّى عليه، حتى إذا مضت الثلاثُ، وسكن عنهما الناسُ أتاهما صاحبُهما الذي استأجراه ببعيريْهما وبعير له، وأتتهما أسماءُ بنت أبي بكر رضي الله عنها بسُفْرتهما، ونسيت أن تجعل لها عِصامًا1 فلما ارتحلا ذهبت لتعلق السّفرةَ، فإذا ليس لها عِصام، فتحل نِطاقها فتجعله عِصامًا، ثم علقتها به.
سبب تسمية أسماء بذات النطاق: فكان يقال لأسماء بنت أبي بكر: ذات النطاق، لذلك. قال ابن هشام: وسمعت غيرَ واحد من أهل العلم يقول: ذات النطاقين، وتفسيره: أنها لما أرادت أن تعلق السفرة شقت نطاقها باثنين: فعلقت السفرة بواحد، وانتطَقَتْ بالآخر.
راحلة الرسول: قال ابن إسحاق: فلما قَرَّب أبو بكر، رضي الله عنه، الراحلتين إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدم له أفضَلَهما، ثم قال: اركبْ، فداك أبي وأمي فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: إني لا أركب بعيرًا ليس لي قال: فهي لك يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، قال: لا، ولكن ما الثمنُ الذي ابتعتها به؟ قال: كذا وكذا؟ قال: قد أخذتُها به. قال: هي لك يا رسول الله2. فركبا وانطلقا وأردف أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه عامرَ بن فهيرة مولاه خلفَه، ليخدمَهما في الطريق.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 العصام: الحبل يشد على فم المزادة.
2 سئل بعض أهل العلم: لم لم يقبلها إلا بالثمن، وقد أنفق أبو بكر عليه من ماله ما هو أكثر من هذا فقيل، وقد قال عليه السلام: ليس من أحد أمَنَّ علي من أهل ومال من أبي بكر، وقد دفع إليه،حين بني بعائشة ثنتي عشرة أوقية ونشًا، فلم يأب من ذلك فقال المسئول إنما ذلك لتكون هجرته إلى الله بنفسه وماله رغبة منه عليه السلام في استكمال فضل الهجرة والجهاد على أتم أحوالها، وهو قول حسن.
وذكر ابن إسحاق في غير رواية ابن هشام: أن الناقة التي ابتاعها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أبي بكر يومئذٍ، هي ناقته التي تسمى بالجدعاء، وهى غير العضباء التي جاء فيها الحديث.

ص -95-         أبو جهل يضرب أسماء: قال ابن إسحاق: فَحُدثت عن أسماءَ بنتِ أبي بكر أنها قالت: لما خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر رضي الله عنه، أتانا نفر من قريش، فيهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجت إليهم، فقالوا: أين أبوك يا بنت أبي بكر قالت: قلت: لا أدري والله أين أبي؟ قالت: فرفع أبو جهل يده، وكان فاحشًا خبيثًا؟ فلطم خدي لطمةً طرح منها قُرطي.
الجني الذي تغنى بمقدمه صلى الله عليه وسلم: قالت: ثم انصرفوا. فمكثنا ثلاثَ ليالٍ، وما ندري أينَ وَجْهُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أقبل رجل من الجن من أسفل مكة، يتغنى بأبيات من شعر غِناءَ العرب، وإن الناس ليتبعونه، يسمعون صوتَه وما يَرَوْنَه حتى خرج من أعلى مكة وهو يقول:
جزى الله ربُّ الناسِ خيرَ جزائهِ                 رفيقين حلاَّ خَيْمَتَيْ أم مَعْبَدِ
هما نزلا بالبَرِّ ثم تَرَوَّحَا                           فأفلح من أمسى رفيقَ محمدِ
لِيهْنِ بنو كَعْبٍ مكانُ فتاتِهم                     ومقعدُها للمؤمنين بمرصد
نسب أم معبد: قال ابن هشام: أم مَعْبَدِ بنت كعب، امرأة من بني كعب، من خزاعة وقوله، "حلاَّ خيمَتَيْ" و "هما نزلا بالبر ثم تروحا" عن غير ابن إسحاق.
قال ابن إسحاق: قالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما فلما سمعنا قوله، عرفنا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 اسمها: عاتكة بنت خالد إحدى بني كعب من خزاعة وهي أخت حبيش بن خالد وله صحبة ورواية، ويقال له الأشعر، وأخوها: حبيش بن خالد وخالد الأشعر أبوهما،
هو: ابن حنيف بن منقذ بن ربيعة بن أصرم بن ضبيش بن حرام بن حبشية بن كعب بن عمرو وهو أبو خزاعة.

ص -96-         حيث وَجْه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأن وَجْهَه إلى المدينة وكانوا أربعة: رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر الصديق رضي الله عنه وعامرُ بن فُهَيْرة مولى أبي بكر، وعبد الله بن أرْقَطْ دليلهما.
قال ابن هشام: ويقال: عبد الله بن أرَيْقط.
موقف آل أبي بكر بعد الهجرة: قال ابن إسحاق: فحدثني يحيى بن عَبَّاد بن عبد الله بن الزبير أن أباه عَبَّادًا حدثه عن جدته أسماء بنت أبي بكر، قالت: لما خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخرج أبو بكر معه، احتمل أبو بكر ماله كلَّه، ومعه خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف، فانطلق بها معه. قالت: فدخل علينا جَدي أبو قحافة، وقد ذهب بصره، فقال: والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه. قالت: قلت: كلا يا أبت! إنه قد ترك لنا خيرًا كثيرًا. قالت: فأخذت أحجارًا فوضعتها في كُوَّةٍ في البيت الذي كان أبي يضع ماله فيها، ثم وضعت عليها ثوبًا، ثم أخذت بيده، فقلت: يا أبت، ضع يدك على هذا المال. قالت: فوضع يده عليه، فقال لا بأس، إذا كان ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا بلاغ لكم. لا والله ما ترك لنا شيئًا ولكني أردت أن أسكن الشيخ بذلك.
سراقة بن مالك: قال ابن إسحاق: وحدثني الزهري أن عبد الرحمن بن مالك بن جُعْشُمْ حدثه عن أبيه، عن عمه سُرَاقة بن مالك بن جُعْشُم، قال: لما خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مكةَ مهاجرًا إلى المدينة، جعلت قريش فيه مائةَ ناقة لمن رده عليهم. قال: فبَيْنا أنا جالس في نادي قومي إذ أقبل رجل منا، حتى وقف علينا، فقال: والله قد رأيتُ رَكَبة ثلاثة مروا عليَّ آنفًا، إني لأراهم محمدًا وأصحابه، قال: فأومأت إليه بعيني: أن اسكت، ثم قلت: إنما هم بنو فلان، يبتغون ضالة بهم، قال: لعله، ثم سكت. قال: ثم مكثت قليلًا، ثم قمت فدخلت بيتي، ثم أمرت بفرسي، فقُيد لي إلى بطن الوادي، وأمرت بسلاحي، فأخرج لي من دُبُر حجرتي، ثم أخذت قِداحي التي أستقسم بها، ثم انطلقت، فلبست لأمتي ثم أخرجت قِداحي فاستقسمت بها، فخرج السهم الذي أكره "لا يضره". قال: وكنت أرجو أن أرده على قريش، فآخذ المائة الناقة، قال: فركبت على أثره، فبينما فرسي يشتد بي عثر بي، فسقطت عنه قال: فقلت: ما هذا؟ قال: ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها، فخرج السهم الذي أكره "لا يضره"، قال: فأبيت إلا أن أتبعه، قال: فركبت في أثره فبينا فرسي يشتد بي، عثر بي، فسقطت عنه، قال: فقلت: ما هذا؟ قال: ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها فخرج السهم الذي أكره "لا يضره" قال: فأبيت إلا أن أتبعه فركبت في أثره، فلما بدا لي القوم ورأيتهم

ص -97-         عثر بي فرسي، فذهبت يداه في الأرض، وسقَطْت عنه ثم انتزع يديه من الأرض، وتبعهما دخان كالإِعصار. قال: فعرفت حين رأيت ذلك أنه قد مُنع مني، وأنه ظاهر. قال: فناديت القوم: فقلت: أنا سُراقة بن جُعْشُم: انظروني أكلمْكم، فوالله لا أريبكم ولا يأتيكم مني شيء تكرهونه. قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر: "قل له: وما تبتغي منا؟" قال: فقال ذلك أبو بكر، قال: قلت: تكتب لي كتابًا يكون آية بيني وبينك. قال: "اكتب له يا أبا بكر".
قال: فكتب لي كتابًا في عَظْم، أو في رُقعة، أو في خزَفة، ثم ألقاه إليَّ، فأخذته، فجعلته فَي كِنانتي، ثم رجعت، فسكتُّ فلم أذكر شيئًا مما كان حتى إذا كان فتح مكة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفرغ من حُنَين والطائف، خرجت ومعي الكتاب لألقاه، فلقيته بالجِعِرَانة. قال: فدخلت في كتيبة من خيل الأنصار. قال: فجعلوا يقرعونني بالرماح ويقولون: إليك ماذا تريد؟ قال: فدنوت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو على ناقته، والله لكأني أنظر إلى ساقه في غِرْزِهِ كأنها جُمَّارة. قال: فرفعت يدي بالكتاب، ثم قلت: يا رسول الله، هذا كتابك، أنا سُراقة بن جُعْشُم قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "يوم وفاء وبر، أدنه"، قال: فدنوت منه، فأسلمت. ثم تذكرت شيئًا أسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنه فما أذكره، إلا أني قلت: يا رسول الله، الضالة من الإِبل تغشى حياضي، وقد ملأتها لإِبلي، هل لي من أجر في أن أسقيها؟ قال: "نعم، في كل ذات كَبد حَرَّى أجر". قال: ثم رجعت إلى قومي فسُقت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صدقتي.
قال ابن هشام: عبد الرحمن بن الحارث بن مالك بن جعشم.
طريق الهجرة: قال ابن إسحاق: فلما خرج بهما دليلهما عبد الله بن أرْقَط، سلك بهما أسفل مكة، ثم مضى بهما على الساحل، حتى عارض الطريق أسفل من عُسْفان، ثم سلك بهما على أسفل أمَج، ثم استجاز بهما، حتى عارض بهما الطريق، بعد أن أجاز قُدَيدًا، ثم أجاز بهما من مكانه ذلك، فسلك بهما الخَرَّار، ثم سلك بهما ثَنِيَّة المرة، ثم سلك بهما لِقْفا.
قال ابن هشام: ويقال؟ لَفْتا. قال مَعْقِل بن خُوَيلد الْهُذَلي:
نزيعا مُحْلِبًا من أهل لَفْت                            لحيّ بين أثْلةَ والنِّحامِ
قال ابن إسحاق: ثم أجاز بهم مَدْلَجة لِقْف ثم استبطن بهما مَدْلجة محاج -ويقال: مِجاج

ص -98-         فيما قال ابن هشام- ثم سلك بهما مَرْجِح مَحاجِ، ثم تبطن بهما مَرْجِح من ذي الغَضَوين -قال ابن هشام: ويقال: العضوين- ثم في ذي كَشْر، ثم أخذ بهما على الجَداجَد، ثم على الأجْرد ثم سلك بهما ذا سَلَم مَن بطن أعداء مَدْلِجَة تِعْهِن1: ثم على العَبابيد؛ قال ابن هشام: ويقال: العَبابيب: ويقال: العِثْيانة. يريد: العبابيب.
قال ابن إسحاق: ثم أجاز بهما الفاجَّة، ويقال: القاحَّة، فيما قال ابن هشام.
قال ابن هشام: ثم هبط بهما العَرْج وقد أبطأ عليهم بعضُ ظهرهم، فحمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجل من أسلم، يقال له: أوس بن حجر، على جمل له -يقال له: ابن الرَّداء- إلى المدينة، وبعث معه غلامًا له، يقال له: مسعود بن هُنَيْدة، ثم خرج بهما دليلهما من العَرْج فسلك بهما ثَنية العائر، عن يمين رَكُوبة -ويقال: ثنية الغائر، فيما قال ابن هشام- حتى هبط بهما في رِئْم، ثم قدم بهما قُباء، على بني عَمرو بن عوف، لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول يوم الاثنين، حين اشتد الضَّحاء، وكادت الشمس تعتدل.
قدومه صلى الله عليه وسلم قباء: قال ابن إسحاق: فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عُوَيْمر بن ساعدة، قال: حدثني رجال من قومي من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالوا: لما سمعنا بمخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مكة، وتوكفنا2 قدومه، كنا نخرج إذا صلينا الصبح، إلى ظاهر حَرَّتنا ننتظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوالله ما نبرح حتى تغلبنا الشمس على الظلال، فإذا لم نجد ظلًّا دخلنا وذلك في أيام حارة، حتى إذا كان اليومُ الذي قدم فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جلسنا كما كنا نجلس، حتى إذا لم يبق ظل دخلنا بيوتنا، وقدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين دخلنا البيوت، فكان أول من رآه رجل من اليهود، قد رأى ما كنا نصنع، وأنا ننتظر قدوم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علينا، فصرخ بأعلى صوته: يا بني قَيْل3، هذا جَدكُم قد جاء قال: فخرجنا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في ظل نخلة، ومعه أبو بكر رضي الله عنه في مثل سنه وأكثرُنا لم يكن رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل ذلك، وركبه الناس4 وما يعرفونه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 اسم عين.
2 توكفنا: انتظرنا.
3 قيلة جدة الأنصار ينسبون إليها
4 ازدحموا عليه.

ص -99-         من أبي بكر، حتى زال الظل عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقام أبو بكر فأظله بردائه، فعرفناه عند ذلك1.
قال ابن إسحاق: فنزل رسول الله، صلى الله عليه وسلم -فيما يذكرون- على كُلْثوم بن هِدْم، أخي بني عَمرو بن عَوْف ثم أحد بني عُبَيْد ويقال: بل نزل على سعد بن خَيْثمة ويقول من يذكر أنه نزل على كُلثوم بن هِدْم: إنما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج من منزل كلثوم بن هِدْم جلس الناس في بيت سعد بن خَيْثمة. وذلك أنه كان عازبًا لا أهل له، وكان منزل الأعزاب2 من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المهاجرين، فمن هنالك يقال نزل على سعد بن خَيْثمة، وكان يقال لبيت سعد بن خيثمة: بيت الأعزاب. فالله أعلم أي ذلك كان، كلا قد سمعنا.
ونزل أبو بكر الصديق رضي الله عنه على خُبَيْب بن إسَاف، أحد بني الحارث بن الخزرج بالسُّنْح. ويقول قائل: كان منزله على خارجة بن زيد بن أبي زُهَيْر، أخي بني الحارث بن الخزرج.
وأقام علي بن أبي طالب عليه السلام بمكة ثلاث ليال وأيامها، حتى أدى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الودائع التي كانت عنده للناس حتى إذا فرغ منها، لحق برسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنزل معه على كلثوم بن هِدْم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كان قدوم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة من ربيع الأول ومن شهر أيلول من شهور العجم، وقال غير ابن إسحاق قدمها لثمان خلون من ربيع الأول، وقال ابن الكلبي، خرج من الغار يوم الاثنين أول يوم ربيع الأول. ودخل المدينة يوم الجمعة لثنتي عشرة منه، وكان بيعة العقبة أوسط أيام التشريق.
2 وكلثوم هذا هو ابن الهدم بن امرئ القيس بن الحارث بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، وكان شيخًا كبيرًا مات بعد قدوم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المدينة بيسير، وهو أول من مات من الأنصار بعد قدوم النبي -صلى الله عليه وسلم. ثم مات بعده أسعد بن زرارة بأيام، وسعد بن خيثمة وأنه كان يقال لبيته، بيت العزاب هكذا روي -وصوابه، الأعزاب؛ لأنه جمع عزب، يقال رجل عزب، وامرأة عزب، وقد قيل، امرأة عزبة بالتاء.

ص -100-      فكان علي بن أبي طالب، وإنما كانت إقامته بقباء ليلة أو ليلتين يقول: كانت بقباء امرأة لا زوج لها، مسلمة. قال فرأيت إنسانًا يأتيها من جوف الليل، فيضرب عليها بابها، فتخرج إليه فيعطيها شيئًا معه فتأخذه. قال: فاستربت بشأنه، فقلت لها: يا أمة الله، من هذا الرجل الذي يضرب عليك بابك كل ليلة، فتخرجين إليه فيعطيك شيئًا لا أدري ما هو، وأنت امرأة مسلمة لا زوج لك؟ قالت: هذا سهل بن حنيف بن واهب، قد عرف أني امرأة لا أحد لي، فإذا أمسى عدا على أوثان قومه فكسرها، ثم جاءني بها، فقال: احتطبي بهذا، فكان علي رضي الله عنه يأثر ذلك من أمر سهل بن حنيف، حتى هلك عنده بالعراق.
قال ابن إسحاق: وحدثني هذا، من حديث علي رضي الله عنه: هند بن سعد بن سهل بن حنيف، رضي الله عنه.
مسجد قباء1: قال ابن إسحاق: فأقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقباء، في بني عمرو بن عَوْف، يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس، وأسس مسجده.
خروج الرسول من قباء وذهابه إلى المدينة: ثم أخرجه الله من بين أظهرهم يوم الجمعة وبنو عمرو بن عوف يزعمون أنه مكث فيهم أكثر من ذلك -فالله أعلم أي ذلك كان، فأدركتْ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- الجمعةُ في بني سالم بن عَوْف، فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي، وادي رانُونَاء، فكانت أول جمعة صلاها بالمدينة.
اعتراض القبائل له لينزل عندها: فأتاه عِتْبان بن مالك، وعباس بن عُبادة بن نَضلة في رجال من بني سالم بن عوف، فقالوا: يا رسول الله، أقم عندنا في العَدد والعُدَّة والمَنَعَة؟ قال خلوا سبيلَها: فإنها مأمورة، لناقته: فخلَّوْا سبيلَها؛ فانطلقت حتى إذا وازنت دار بني بَيَاضَة، تلقاه زياد بن لبيد، وفروة بن عمرو، في رجال من بني بَيَاضة فقالوا: يا رسول الله: هلم إلينا، إلى العَدد والعُدة والمَنَعة؛ قال: خلوا سبيلها فإنها مأمورة، فخلَّوْا سبيلها. فانطلقت، حتى إذا مرت بدار بني ساعدة، اعترضه سعد بن عبادة، والمنذر بن عمرو، في رجال من بني ساعدة فقالوا: يا رسول الله؟ هلم إلينا إلى العدد والعُدة والمنَعة؟ قال: خلوا سبيلها فإنها مأمورة، فخلَّوْا سبيلها، فانطلقت. حتى إذا وازنت دار بني الحارث بن الخزرج، اعترضه سعد بن الربيع، وخارجة بن زيد، وعبد الله بن رَوَاحَة، في رجال من بني الحارث بن الخزرج فقالوا: يا رسول الله، هلُم إلينا إلى العَدد والعُدة والمَنَعة قال: خلوا سبيلها، فإنها مأمورة، فخلَّوْا سبيلها. فانطلقت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهو أول مسجد بني في الإسلام.


ص -101-      حتى إذا مرت بدار بني عدي بن النجار، وهم أخواله دِنْيا -أم عبد المطلب، سَلْمى بنت عمرو إحدى نسائهم- اعترضه سَلِيط بن قَيْس، وأبو سَلِيط، أسَيْرة بن أبي خارجة، في رجال من بني عدي بن النجار، فقالوا: يا رسول الله، هلم إلى أخوالك، إلى العَدد والعُدة والمَنَعة قال: خلوا سبيلَها فإنها مأمورة، فخلَّوْا سبيلها، فانطلقت.
مبرك الناقة: حتى إذا أتت دار بني مالك بن النجار بركت على باب مسجده، صلى الله عليه وسلم، وهو يومئذ مِرْبَد1 لغلامين يتيمين من بني النجار، ثم من بني مالك بن النجار، وهما في حِجر مُعاذ بن عَفْراء، سَهْل وسُهَيْل ابني عمرو، فلما بركت، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليها لم ينزل، وثبت فسارت غيرَ بعيد ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- واضع لها زمامها لا يثنيها به، ثم التفتت إلى خلفها، فرجعت إلى مبركها أول مرة، فبركت فيه، ثم تَحلْحَلت ورزَمت وألقت بجرانِها2 فنزل عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاحتمل أبو أيوب خالدُ بن زَيْد رحلَه، فوضعه في بيته، ونزل عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسأل عن المِرْبَد لمن هو؟ فقال له معاذ بن عفراء: هو يا رسول الله لَسهْل وسُهَيْل ابنيْ عمرو3 وهما يتيمان لي، وسأرضيهما منه، فاتخذْه مسجدًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المربد: المكان الذي يجفف فيه التمر.
2 تحلحلت ورزمت وألقت بجرانها أي: بعنقها، وفسره ابن قتيبة على تلحلح أي: لزم مكانه: ولم يبرح وأنشد:
أناس إذا قيل انفروا قد أتيتم                    أقاموا على أثقالهم وتلحلحوا
قال: وأما تحلحل بتقديم الحاء على اللام فمعناه: زال عن موضعه، وهذا الذي قاله قوي من الاشتقاق فإن التلحلح يشبه أن يكون من لححت عينه إذا التصقت، وهو ابن عمي لحا.
وأما التحلحل: فاشتقاته من الحل والانحلال؛ لأنه انعكاك شيء، ولكن الرواية في سيرة ابن اسحاق: تحلحلت بتقديم الحاء على اللام، وهو خلاف المعنى إلا أن يكون مقلوبًا من تحلحلت فيكون معناه: لصقت بمرضعها، وأقامت، على المعنى الذي فسره ابن قتيبة في تلحلحت. وأما قوله: ورزمت الناقة رزومًا إذا أقامت من الكلال.. ونوق رزمى، أما أرزمت بالألف، فمعناه: رغت ورجَّعت في رغائها، ويقال منه: أرزم الرعد، وأرزمت الريح. قاله صاحب العين.
3 سهل وسهيل هما ابنا رافع بن عمرو بن أبي عمرو بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار وقد شهد سهيل بدرًا والمشاهد كلها، ومات في خلافة عمر؛ أما سهل فلم يشهد إلا ما بعد بدر، ومات قبل أخيه سهيل.

ص -102-      مسجد المدينة: قال: فأمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبنَ مسجدًا، ونزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أبي أيوب حتى بنى مسجده ومساكنه، فعمل فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليرغب المسلمين في العمل فيه، فعمل فيه المهاجرون والأنصار: ودأبوا فيه: فقال قائل من المسلمين:
لئن قعدنا والنبيُّ يعملُ                          لذاك منا العمل المضلِّلُ
وارتجز المسلمون قوهم يبنونه يقولون:
لا عيشَ إلا عيش الآخره                    اللهم ارحم الأنصار والمهاجره
قال ابن هشام: هذا كلام وليس برجز.
قال ابن إسحاق: فيقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم:
"لا عيش إلا عيش الآخرة، اللهم ارحم المهاجرين والأنصار".
عمّار والفئة الباغية: قال: فدخل عمار بن ياسر، وقد أثقلوه باللَّبِن، فقال يا رسول الله قتلوني؟ يحملون عليّ ما لا يحملون. قالت أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم: فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينفُض وَفْرَته بيده: وكان رجلًا جَعْدًا، وهو يقول:
"ويح ابن سُمَية ليسوا بالذين يقتلونك. إنما تقتلك الفئةُ الباغية".
وارتجز على بن أبي طالب رضي الله عنه يومئذ:
لا يستوي من يُعمرُ المساجدا                          يدأبُ فيه قائمًا وقاعدَا
قال ابن هشام: سألت غير واحد من أهل العلم بالشعر، عن هذا الرجز، فقالوا: بلغنا أن علي بن أبي طالب ارتجز به، فلا يُدْرَى: أهو قائله أم غيره؟.
قال ابن إسحاق: فأخذها عمار بن ياسر، فجعل يرتجز بها.
قال ابن هشام: فلما أكثر، ظن رجل من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه إنما يعرِّض به، فيما حدثنا زياد بن عبد الله البكَّائي، عن ابن إسحاق، وقد سمى ابنُ إسحاق الرجلَ2.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لا يوجد لها متن.
2 وإنما لم يسمه ابن هشام لئلا يذكر بسوء أحد الصحابة ولا نسميه نحن أيضًا فقد اختلفوا في اسمه على أقوال كثيرة، وليس في تسمية فائدة.

ص -103-      قال ابن إسحاق: فقال قد سمعتُ ما تقول منذ اليوم يابنَ سمية، والله إني لأراني سأعرض هذه العصا لأنفك. قال: وفى يده عصًا. قال: فغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: ما لهم ولعمار، يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار، إن عمارًا جِلْدَة ما بين عينيَّ وأنفي، فإذا بلغ ذلك من الرجل فلم يُستبق فاجتنبوه.
قال ابن هشام: وذكر سفيان بن عيينة عن زكريا، عن الشعبي، قال: إن أول من بني مسجدًا عمار بن ياسر1.
الرسول ينزل في بيت أبي أيوب: قال ابن إسحاق: فأقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيت أبي أيوب، حتى بني له مسجده ومساكنُهُ2، ثم انتقل إلى مساكنه من بيت أبي أيوب رحمة الله عليه و رضوانه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كيف أضاف إلى عمار بنيان المسجد، وقد بناه معه الناس؟ فيقول إنما عنى بهذا الحديث مسجد قباء؛ لأن عمارًا هو الذي أشار على النبي -صلى الله عليه وسلم- ببنيانه، وهو جمع الحجارة له، فلما أسسه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استتم بنيانه عمار.
2 وبُني مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسقف بالجريد وجعلت قبلته من اللبن، ويقال: بل من حجارة منضود بعضها على بعض، وجعلت عمده من جذوع النخل، فنخرت في خلافة عمر فجردها، فلما كان عثمان بناه بالحجارة المنقوشة بالفضة وسقفه بالساج، وجعل قبلته من الحجارة. فلما كانت أيام بني العباس بناه محمد بن أبي جعفر المتسمى بالمهدى، ووسعه وزاد فيه، وذلك في سنة ثنتين ومائتين: وأتقن بنيانه، ونقش فيه، ثم زيد فيه البنيان والنقوش على ممر العصور زاده الله تشريفًا، وأما بيوته عليه السلام فكانت تسعة بعضها من جريد مطين بالطين وسقفها جريد، وبعضها من حجارة مرضومة، بعضها فوق بعض، مسقفة بالجريد أيضًا. وقال الحسن بن أبي الحسن: كنت أدخل بيوت النبي عليه السلام، وأنا غلام مراهق، فأنال السقف بيدي، وكانت حُجُرَه -عليه السلام -أكسية من شعر مربوطة في خشب عرعر. وفي تاريخ البخاري أن بابه -عليه السلام- كان يقرع بالأظافر، أي لا حلق له، ولما توفي أزواجه عليه السلام -خلطت البيوت والحجر بالمسجد، وذلك في زمن عبد الملك، فلما ورد كتابه بذلك ضج أهل المدينة بالبكاء، كيوم وفاته عليه السلام، وكان سريره خشبات مشدودة بالليف، بيعت زمن بني أمية، فاشتراها رجل بأربعة آلاف درهم. قاله ابن قتيبة.

ص -104-      قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن أبي حبيب عن مَرْثد بن عبد الله اليَزَني عن أبي رُهْم السَّماعي قال: حدثني أبو أيوب، قال: لما نزل عليَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيتي، نزل في السُّفْل وإنا وأم أيوب في العُلو، فقلت له: يا نبي الله، بأبي أنت وأمي، إني لأكره وأعظم أن أكون فوقك، وتكون تحتي، فأظهر أنت فكن في العُلْوِ، وننزل نحن فنكون فِي السُّفْل. فقال: يا أبا أيوب، إن أرفق بنا وبمن يغشانا، أن نَكون في سُفْل البيت.
قال: فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سُفله، وكنا فوقه في المسكن، فقد انكسر حب1 لنا فيه ماء فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا، ما لنا لحاف غيرها، نكشف بها الماء، تخوّفًا أن يقطر على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منه شيء فيؤذيه.
قال: وكنا نصنع له العشاء، ثم نبعث إليه، فإذا رد علينا فضلَه تيممت أنا وأم أيوب موضع يده، فأكلنا منه نبتغي بذلك البركةَ، حتى بعثنا إليه ليلة بعَشائه وقد جعلنا له بصلًا أو ثَوْمًا، فرده رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم أر ليده فيه أثرًا. قال: فجئته فزعًا، فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، رددت عَشاءَك، لم أر فيه موضعَ يدك، وكنت إذا رددته علينا، تيممت أنا وأم أيوب موضعَ يدك، نبتغي بذلك البركة، قال: إني وجدت فيه ريح هذه الشجرة، وأنا رجل أناجى، فأما أنتم فكلوه، فأكلناه، ولم نصنع له تلك الشجرة بعدُ.
قال ابن إسحاق: وتلاحق المهاجرون إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم يبق بمكة منهم أحد، إلا مفتون أو محبوس، ولم يوعب أهل هجرة مكة بأهليهم وأموالهم إلى الله تبارك وتعالى وإلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا أهل دور مُسَمَّوْن: بنو مظعون من بني جُمَح، وبنو جحش بن رِئاب، حلفاء بني أمية، وبنو البُكَير، من بني سعد بن لَيْث، حلفاء بني عدي بن كعب، فإن دورَهم غُلقت بمكة هجرةً، ليس فيها ساكن.
أبو سفيان يعتدي على دار بني جحش: ولما خرج بنو جَحْش بن رِئاب من دارهم. عدا عليها أبو سفيان بن حرب، فباعها من عمرو بن علقمة، أخي بني عامر بن لؤي، فلما بلغ بني جحش ما صنع أبو سفيان بدارهم، ذكر ذلك عبد الله بن جحش لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم: ألا ترضى يا عبد الله أن يعطيك الله بها دارًا خيرًا منها في الجنة؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحب: الجرة الضخمة جمعه حببة مثل حجر وحجرة.

ص -105-      قال: بلى؟ قال: فذلك لك. فلما افتتح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة، كلمه أبو أحمد في دارِهم، فأبطأ عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال الناس لأبي أحمد: يا أبا أحمد، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكره أن ترجعوا في شيء من أموالكم أصيب منكم في الله عز وجل، فأمسك عن كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال لأبي سفيان:
أبلغْ أبا سُفيانَ عن                             أمر عواقبه ندامهْ
دارَ ابنِ عمِّك بعتَها                              تقضي بها عنك الغرامهْ
وحليفُكم بالله ربّ                              الناسِ مجتهد القَسَامَهْ
اذهبْ بها، اذهبْ بها                           طُوِّقْتَها طَوْقَ الحمامهْ
قال ابن إسحاق: فأقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة إذ قَدِمها شهرَ ربيع الأول، إلى صفر من السنة الداخلة، حتى بني له فيها مسجدُه ومساكنهُ، واستجمع له إسلام هذا الحي من الأنصار، فلم يبق دار من دور الأنصار إلا أسلم أهلُها، إلا ما كان من خَطْمة، وواقف، ووائل، وأمية، وتلك أوس الله، وهم حي من الأوس، فإنهم أقاموا على شركهم.
خطب رسول الله -صلى الله عليه وسلم: وكانت أول خطبة خطبها رسول الله -صلى الله عليه وسلم: فيما بلغني عن أبي سلمة بن عبد الرحمن -نعوذ بالله أن نقول على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ما لم يقل- أنه قام فيهم، فحمِد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال:
"أما بعد، أيها الناس، فقدِّموا لأنفسكم. تَعَلَّمنُ والله ليُصْعَقَنَّ أحدُكم ثم لَيَدَعَنَّ غنمَه ليس لها راعٍ، ثم ليقولنَّ له ربُّه وليس له تَرجمان ولا حاجب يحجبه دونه: ألم يأتك رسولي فبلَّغك، وآتيتك مالًا وأفضلت عليك، فما قدمت لنفسك، فلينظرن يمينًا وشمالًا فلا يرى شيئًا، ثم لينظرن قدامه فلا يرى غير جهنم. فمن استطاع أن يقي وجهه من النار ولو بِشِق من تمرة فليفعل، ومن لم يجد فبكلمة طيبة، فإن بها تُجزى الحسنة عشر أمثالها، إلى سبع مائة ضعف، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".
قال ابن إسحاق: ثم خطب رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- الناس مرةً أخرى، فقال:
"إنَّ الحمدَ للّه، أحمدُهُ وأستعينه، نعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إن أحسنَ الحديثَ كتاب الله تبارك وتعالى، قد أفلح من زينه الله في قلبه، وأدخله في الإسلام بعد الكفر، واختاره على ما سواه من أحاديث الناس، إنه أحسنُ الحديث وأبلغهُ، أحبوا ما أحب

ص -106-      الله، أحبوا الله من كل قلوبكم، ولا تملُّوا كلامَ الله وذِكْرَه، ولا تَقْسُ عنه قلوبُكم، فإنه من كل ما يخلق الله يختار ويصطفي، وقد سماه الله خِيرته من الأعمال ومصطفاه من العباد، والصالح من الحديث، ومن كل ما أوتي الناس الحلال والحرام، فاعبدوا الله ولا تُشركوا به شيئًا، واتقوه حق تقاته، وأصدقوا الله صالح ما تقولون بأفواهكم، وتحابُّوا بروح الله بينكم إن الله يغضب أن يُنْكَسَ عهدُهُ، والسلام عليكم".
الرسول يوادع اليهود وكتابه بين المسلمين: قال ابن إسحاق: وكتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتابًا بين المهاجرين والأنصار، وادع فيه يهود وعاهدهم، وأقرَّهم على دينهم وأموالهم، وشرط لهم، واشترط عليهم:
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد النبي -صلى الله عليه وسلم- بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم، فلحق بهم، وجاهد معهم، إنهم أمة واحدة من دون الناس، المهاجرون من قريش على رِبْعَتِهم يتعاقلون بينهم، وهم يَفدون عَانيهم1 بالمعروف والقِسط بين المؤمنين. وبنو عوف على رِبْعتهم يتعاقلون معاقِلَهم2 الأولى، كل طائفة تَفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. وبنو ساعدة على رِبْعَتهم يتعاقلون معاقلَهم الأولى وكل طائفة منهم تَفْدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو الحارث على رِبْعتهم يتعاقلون معاقلَهم الأولى، وكل طائفة تَفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو جُشَم على رِبْعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تَفْدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو النجار على رِبْعَتهم يتعاقلون معاقلَهم الأولى، وكل طائفة منهم تَفْدِي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو عَمْرو بن عَوْف على رِبْعَتهم يتعاقلون معاقلَهم الأولى، وكل طائفة تَفْدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو النَّبِيت على رِبْعتهم يتعاقلون معاقلَهم الأولى، وكل طائفة تَفْدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو الأوْس على رِبْعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفْدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وإن المؤمنين لا يتركون مُفْرَحًا بينهم أن يُعطوه بالمعروف في فِداء أو عقل.
قال ابن هشام: المفْرَح: المثقَّل بالدَّيْن والكثير العيال. قال الشاعر:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 عانيهم: أسيرهم.
2 المعاقل: الديات.

ص -107-                                     إذا أنت لم تبرح تؤدي أمانةً       وتحملُ أخرى أفرَحَتْك الودائعُ
وأن لا يحالف مؤمنٌ مولى مؤمن دونَه وإن المؤمنين المتقين على من بغى منهم، أو ابتغى دسيعة1 ظُلم، أو إثم، أو عدوان، أو فساد بين المؤمنين وإن أيديهم عليه جميعًا، ولو كان وَلدَ أحدهم، ولا يَقتلُ مؤمن مؤمنًا في كافر، ولا ينصرُ كافرًا على مؤمن وإن ذمة الله واحدة يُجير عليهم أدناهم وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس، وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة، غير مظلومين ولا متناصرين عليهم وإنَّ سِلْمَ المؤمنين واحدة لا يسالم مؤمن دون مؤمنٍ في قتال في سبيل الله، إلا على سواء وعدل بينهم وإن كل غازية غزت معنا يُعقب بعضها بعضًا وإن المؤمنين يبيء بعضهم على بعض بما نال دماءَهم في سبيل الله، وإن المؤمنين المتقين على أحسن هَدْي وأقومه، وأنه لا يجير مشرك مالًا لقريش ولا نفسًا، ولا يحول دونه على مؤمن وإنه من اعتبط2 مؤمنًا قتلًا عن بَينة فإنه قود به إلا أن يرضى وليُّ المقتول، وإن المؤمنين عليه كافة، ولا يحل لهم إلا قيام عليه وإنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر، أن ينصر مُحْدِثًا ولا يؤويه، وأنه من نصره أو آواه، فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل، وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء، فإن مردَّه إلى الله عز وجل، وإلى محمد -صلى الله عليه وسلم- وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وإن يهودَ بني عَوْف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم، إلا من ظَلم وأثِم، فإنه لا يُوتِغ3 إلا نفسَه، وأهلَ بيته، وإن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عَوْف، وإن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عَوْف، وإن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عَوْف، وإن ليهود بني جُشَم مثل ما ليهود بني عَوْف، وإن ليهود بني الأوْس مثل ما ليهود بني عَوْف، وإن ليهود بني ثَعْلبة مثل ما ليهود بني عَوْف، إلا من ظَلم وأثِم، فإنه لا يُوتغ إلا نفسه وأهل بيته، وإن جَفْنةَ بطن من ثعلبة كأنفسهم، وإن لبني الشُّطَيْبة مثل ما ليهود بني عَوْف، وإن البر دون الإثم وإن موالي ثعلبة كأنفسهم، وإن بطانة يهود كأنفسهم، وإنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد -صلى الله عليه وسلم- وإنه لا ينحجز على نار جُرْح، وإنه من فتك فبنفسه فتك، وأهل بيته، إلا من ظلم، وإن الله على أبر هذا وإن على اليهود نفقتَهم وعلى المسلمين نفقتَهم وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الدسيعة: العظيمة.
2 اعتبط: قتل بلا جناية.
3 يوتغ: يهلك.
4 أي على الرضا به.
ص -108-      النصح والنصيحة، والبر دون الإِثم، وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه وإن النصر للمظلوم وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة وإن الجار كالنفس غير مُضار ولا أثم، وإنه لا تُجار حُرمة إلا بإذن أهلها، وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يُخاف فساده، فإن مردَّه إلى الله عز وجل، وإلى محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبرّه وإنه لا تُجار قريش ولا من نصرها وإن بينهم النصر على من دهم يثرب، وإذا دُعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه، فإنهم يصالحونه ويلبسونه، وإنهم إذا دُعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين، إلا من حارب في الدين، على كل أناس حصتهم في جانبهم الذي قِبَلهم وإن يهود الأوس، مواليهم وأنفسهم، على مثل ما لأهل هذه الصحيفة، مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة.
قال ابن هشام: ويقال: مع البر المحسن من أهل هذه الصحيفة.
قال ابن إسحاق: وإن البر دون الإثم، لا يكسب كاسب إلا على نفسه، وإن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم وإثم، وأنه من خرج آمن ومن قعد آمن بالمدينة، إلا من ظَلم أو أثِم، وإن الله جار لمن بَرَّ واتقى، ومحمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم1.
المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار:
قال ابن إسحاق: وآخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أصحابه من المهاجرين والأنصار2

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وقال أبو عبيد من كتاب الأموال: إنما كتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا الكتاب قبل أن تفرض الجزية، وإذ كان الإسلام ضعيفًا. قال: وكان لليهود. إذ ذاك نصيب في المغنم إذا قاتلوا مع المسلمين، كما شرط عليهم في هذا الكتاب النفقة معهم في الحروب.
2 آخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أصحابه حين نزلوا المدينة، ليذهب عنهم وحشة الغربة ويؤنسهم من مفارقة الأهل والعشيرة، ويشد أزر بعضهم ببعض، فلما عز الإسلام واجتمع الشمل، وذهبت الوحشة أنزل الله سبحانه:
{وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75] أعني في الميراث ثم جعل المؤمنين كلهم أخوة فقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] يعني في التوادّ وشمول الدعوة.

ص -109-      فقال -فيما بلغنا، ونعوذ بالله أن نقول عليه ما لم يَقُلْ: "تآخَوْا في الله أخَوَيْن أخَوَيْن ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب، فقال: هذا أخي. فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سيد المرسلين، وإمام المتقين، ورسول رب العالمين، الذي ليس له خطير1 ولا نظير من العباد، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، أخوين، وكان حمزة بن عبد المطلب، أسد الله وأسد رسوله -صلى الله عليه وسلم- وعم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وزيد بن حارثة، مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخوين، وإليه أوصى حمزة يوم أحد حين حضره القتال إن حدث به حادث الموت وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين، الطيار في الجنة، ومعاذ بن جبل، أخو بني سلمة، أخوين.
قال ابن هشام: وكان جعفر بن أبي طالب يومئذ غائبًا بأرض الحبشة.
قال ابن إسحاق: وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ابن أبي قحافة، وخارجة بن زُهَير، أخو بَلْحَارث بن الخَزرج، أخوين وعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعِتْبان بن مالك، أخو بني سالم بن عَوْف بن عمرو بن عَوْف بن الخزرج أخوين، وأبو عُبيدة بن عبد الله بن الجراح، واسمه عامر بن عبد الله، وسعد بنُ مُعاذ بن النعمان، أخو بني عبد الأشْهَل، أخوين. وعبد الرحمن بن عَوْف، وسعد بن الربيع، أخو بَلْحارث بن الخزرج، أخَوَيْن، والزبير بن العوام، وسلامة بن سلامة بن وَقْش، أخو بني عبد الأشهل، أخوين، ويقال: بل الزبير وعبد الله بن مسعود حليف بني زُهرة، أخوين، وعثمان بن عفان، وأوْس بن ثابت بن المنذِر، أخو بني النجار، أخوين. وطلحة بن عُبَيْد الله، وكعب بن مالك، أخو بني سَلَمة، أخوين. وسعد بن زيد بن عمرو بن نُفَيْل، وأبي بن كعب، أخو بني النجار. أخوين. ومُصْعَب بن عُمَير بن هاشم، وأبو أيوب خالد بن زَيد، أخو بني النجار: أخَويْن. وأبو حذيفة بن عُتبة بن ربيعة، وعَبَّاد بن بشر بن وَقْش، أخو بني عبد الأشهل، أخوين. وعمار بن ياسر، حليف بني مخزوم، وحذيفة بن اليمان، أخو بني عبد عَبْس، حليف بني عبد الأشهل: أخوين. ويقال: ثابت بن قَيْس بن الشمَّاس، أخو بَلحارث بن الخزرج خطيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعمار بن ياسر، أخوين. وأبو ذَر، وهو بُرَيْر بن جُنادة الغِفاري، والمُنْذِر بن عمرو المُعْنِق ليموت2، أخو بني ساعدة بن كعب بن الخزرج: أخوين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الخطير: المثل.
2 أي أن الموت أسرع وساق إليه أجله.

ص -110-      فقال -فيما بلغنا، ونعوذ بالله أن نقول عليه ما لم يَقُلْ: "تآخَوْا في الله أخَوَيْن أخَوَيْن ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب، فقال: هذا أخي. فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سيد المرسلين، وإمام المتقين، ورسول رب العالمين، الذي ليس له خطير1 ولا نظير من العباد، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، أخوين، وكان حمزة بن عبد المطلب، أسد الله وأسد رسوله -صلى الله عليه وسلم- وعم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وزيد بن حارثة، مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخوين، وإليه أوصى حمزة يوم أحد حين حضره القتال إن حدث به حادث الموت وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين، الطيار في الجنة، ومعاذ بن جبل، أخو بني سلمة، أخوين.
قال ابن هشام: وكان جعفر بن أبي طالب يومئذ غائبًا بأرض الحبشة.
قال ابن إسحاق: وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ابن أبي قحافة، وخارجة بن زُهَير، أخو بَلْحَارث بن الخَزرج، أخوين وعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعِتْبان بن مالك، أخو بني سالم بن عَوْف بن عمرو بن عَوْف بن الخزرج أخوين، وأبو عُبيدة بن عبد الله بن الجراح، واسمه عامر بن عبد الله، وسعد بنُ مُعاذ بن النعمان، أخو بني عبد الأشْهَل، أخوين. وعبد الرحمن بن عَوْف، وسعد بن الربيع، أخو بَلْحارث بن الخزرج، أخَوَيْن، والزبير بن العوام، وسلامة بن سلامة بن وَقْش، أخو بني عبد الأشهل، أخوين، ويقال: بل الزبير وعبد الله بن مسعود حليف بني زُهرة، أخوين، وعثمان بن عفان، وأوْس بن ثابت بن المنذِر، أخو بني النجار، أخوين. وطلحة بن عُبَيْد الله، وكعب بن مالك، أخو بني سَلَمة، أخوين. وسعد بن زيد بن عمرو بن نُفَيْل، وأبي بن كعب، أخو بني النجار. أخوين. ومُصْعَب بن عُمَير بن هاشم، وأبو أيوب خالد بن زَيد، أخو بني النجار: أخَويْن. وأبو حذيفة بن عُتبة بن ربيعة، وعَبَّاد بن بشر بن وَقْش، أخو بني عبد الأشهل، أخوين. وعمار بن ياسر، حليف بني مخزوم، وحذيفة بن اليمان، أخو بني عبد عَبْس، حليف بني عبد الأشهل: أخوين. ويقال: ثابت بن قَيْس بن الشمَّاس، أخو بَلحارث بن الخزرج خطيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعمار بن ياسر، أخوين. وأبو ذَر، وهو بُرَيْر بن جُنادة الغِفاري، والمُنْذِر بن عمرو المُعْنِق ليموت2، أخو بني ساعدة بن كعب بن الخزرج: أخوين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الخطير: المثل.
2 أي أن الموت أسرع وساق إليه أجله.

ص -111-      عبد الله بن عبد الرحمن بن أسعد بن زُرارة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: بئس الميت أبو أمامة، ليهود ومنافقي العرب يقولون: لو كان نبيًّا لم يمت صاحبه، ولا أملك لنفسي ولا أصحابي من الله شيئًا.
قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عُمر بن قَتادة الأنصاري: أنه لما مات أبو أمامة، أسعد بن زُرارة، اجتمعت بنو النجار إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان أبو أمامة نقيبهم، فقالوا له: يا رسول الله، إن هذا قد كان منا حيث قد علمت، فاجعل منا رجلًا مكانه يقيم من أمرنا ما كان يقيم فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لهم: أنتم أخوالي، وأنا بما فيكم، وأنا نقيبكم وكره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يخص بها بعضَهم دون بعض. فكان من فضل بني النجار الذي يَعُدُّون على قومهم، أن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نقيبهم.
خبر الأذان:
قال ابن إسحاق: فلما اطمأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة، واجتمع إليه إخوانه من المهاجرين، واجتمع أمر الأنصار، استحكم أمر الإِسلام، فقامت الصلاة، وفُرضت الزكاة والصيام، وقامت الحدود، وفُرض الحلال والحرام، وتبوأ الإِسلام بين أظهرهم، وكان هذا الحي من الأنصار هم الذين تبوءوا الدار والإيمان. وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قدمها إنما يجتمع الناس إليه للصلاة لحين مواقيتها، بغير دعوة، فهمَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قدمها أن يجعل بوقًا كبوق يهود الذين يدعون به، لصلاتهم، ثم كرهه ثم أمر بالناقوس، فَنُحِتَ ليُضرب به للمسلمين للصلاة.
رؤيا عبد الله بن زيد الأذان: فبينما هم على ذلك إذ رأى عبدُ الله بن زَيْد بن ثعلبة بن عبد رَبِّه، أخو بَلْحارث بن الخزرج، النداء فأتى رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فقال له: يا رسولَ الله، إنه طاف بيِ هذه الليلة طائفٌ: مرّ بي رجل عليه ثوبان أخضران، يحمل ناقوسًا في يده، فقلت له: يا عبد الله، أتبيع هذا الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ قال: قلت: ندعو به إلى الصلاة، قال: أفلا أدلك على خير من ذلك؟ قال: قلت: وما هو؟ قال: تقول: الله أكبرُ الله أكبرُ، الله أكبرُ، الله أكبرُ، أشهدُ أن لا إله إلا الله، أشهدُ أن لا إله إلا الله، أشهدُ أن

ص -112-      محمدًا رسولُ الله، أشهد أن محمدًا رسولُ الله، حَيَّ على الصلاةِ، حَيَّ على الصلاةِ، حَيَّ على الفلاحِ، حَيَّ على الفلاح، الله أكبرُ، الله أكبرُ، لا إله إلا الله.
فلما أخبرَ بها رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال إنها لرؤيا حَقٌّ، إن شاء الله، فقم مع بلال فألقها عليه، فليؤذن بها، فإنه أنْدَى1 صوتًا منك. فلما أذَّن بها بلال سمعها عمر بنُ الخطاب وهو في بيته، فخرج إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يجر رداءَه، وهو يقول: يا نبي الله والذي بعثك بالحق، لقد رأيت مثل الذي رأى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلله الحمدُ على ذلك.
رؤيا عمر: قال ابن إسحاق: حدثني بهذا الحديث محمدُ بن إبراهيم بن الحارث، عن محمد بن عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد رَبِّه، عن أبيه.
قال ابن هشام: وذكر ابن جُرَيْج، قال لي عطاء: سمعت عُبَيْد بن عُمَيْر الليثي يقول: ائتمر النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه بالناقوس للاجتماع للصلاة، فبينما عمر بن الخطاب يريد أن يشتري خشبتين للناقوس، إذا رأى عمرُ بن الخطاب في المنام: لا تجعلوا الناقوس، بل أذِّنوا للصلاة فذهب عمر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ليخبره بالذي رأى، وقد جاء النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- الوحيُ بذلك، فما راع عمر إلا بلال يؤذِّن، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين أخبره بذلك: قد سبقك بذلك الوحي.
ما كان يدعو به بلال قبل الفجر: قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، عن امرأة من بني النجار، قالت: كان بيتي من أطولِ بيت حولَ المسجد، فكان بلال يؤذن عليه الفجرَ كُلَّ غَداة، فيأتي بسَحَر، فيجلس على البيت ينتظر الفجر، فإذا رآه تمطَّى، ثم قال: اللهم إني أحمدُك وأستعينُك على قريش أن يقيموا على دينك. قالت: والله ما علمته كان يتركها ليلةً واحدةً.
أمر أبي قيس بن أبي أنس:
قال ابن إسحاق: فلما اطمأنَّت برسول الله -صلى الله عليه وسلم- داره، وأظهر الله بها دينَه،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أندى: أحسن وأبدع.

ص -113-      وسرَّه بما جمع إليه من المهاجرين والأنصار من أهل ولايته قال أبو قيس صِرْمة بن أبي أنس أخو بني عَدِي بن النجار.
قال ابن هشام: أبو قيس، صِرْمة بن أبي أنس بن صِرْمة بن مالك بن عَدِيِّ بن عامر بن غَنْم بن عَدِي بن النجار.
قال ابن إسحاق: وكان رجلًا قد ترهَّب في الجاهلية، ولبس المُسوح، وفارق الأوثان، واغتسل من الجنابة وتطهر من الحائض من النساء، وَهَمَّ بالنصرانية، ثم أمسك عنها ودخل بيتًا له فاتخذه مسجدًا لا تدخله عليه فيه طامِثٌ ولا جُنُبٌ، وقال: أعبد ربَّ إبراهيم، حين فارق الأوثانَ وكَرِهها، حتى قدم رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- المدينةَ، فأسلم وحَسُنَ إسلامهُ، وهو شيخ كبير، وكان قوَّالًا بالحقِّ معظِّمًا لله عز وجل في جاهليته، يقول أشعارًا في ذلك حسانًا -وهو الذي يقول:
يقولُ أبو قيس وأصبح غاديًا                      ألا ما استطعتُمْ من وَصَاتي فافعلُوا
فأوصيكم بالله والبِر والتقى                      وأعراضِكم، والبرُّ بالله أوَّلُ
وإنْ قومُكم سادوا فلا تَحْسُدُنّهُمْ               وإن كنتمُ أهل الرياسةِ فاعدِلُوا
وإن نزلتْ إحدى الدواهي بقومِكم             فأنفُسَكم دون العشيرةِ فاجعلُوا
وإن نابَ غُرْم فادحٌ فارفِقُوهُمُ                    وما حَمَّلُوكم في الملمَّاتِ فاحملُوا
وإن أنتمُ أمْعَرتُمُ فتعفَّفُوا وإن                    كان فضلُ الخير فيكم فأفضلُوا1
قال ابن هشام: ويروى:
وإن ناب أمر فادح فارفدوهُمُ
قال ابن إسحاق: وقال أبو قَيْس صِرْمة أيضًا:
سبّحوا الله شرقَ كُلِّ صباحٍ                       طلعت شمسُه وكل هلالِ
عالم السِّر والبيان لَدَيْنَا                           ليس ما قال ربُّنا بضلالِ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أمعرتم: افتقرتم.

ص -114-                                       وله الطيرُ تستريدُ وتأوي         في وكورٍ من آمناتِ الجبالِ1
وله الوحشُ بالفلاةِ تراها                         في حِقافٍ وفى ظلالِ الرمالِ2
وله هَوَّدَت يهودُ ودانتْ                            كلَّ دينٍ إذا ذكرتَ عُضَالِ3
وله شَمَّسَ النصارى وقاموا                      كلَّ عيدٍ لربِّهم واحتفالِ4
وله الراهبُ الحبيسُ تراه                         رَهْنَ بُؤْسٍ وكان ناعمَ بالِ5
يا بَنِيَّ -الأرحامَ لا تقطعوها                     وصِلُوها قصيرة من طِوالِ6
واتقوا الله في ضِعافِ اليتامى                   رُبَّما يُسْتَحلُّ غيرُ الحلالِ
واعلموا أن لليتيمِ وليًّا                            عالِمًا يهتدي بغيرِ السؤالِ
ثم مالَ اليتيمِ لا تأكلوه                           إن مالَ اليتيمِ يرعاه وَالِي
يا بنيَّ -التخومَ لا تَخْزلوها                       إن خَزْلَ التُّخوم ذو عُقَّالِ7
يا بنيَّ -الأيامَ لا تأمَنُوها                         واحذَروا مَكْرَها ومَرَّ الليالي
واعلموا أن مَرَّها لنفادِ الـ                         ـخَلْقِ ما كانَ من جديدٍ وبالي
واجمعوا أمرَكم على البِرِّ والتقـ                  ـوى وتَرْكِ الخَنَا وأخذِ الحلالِ
وقال أبو قيس صِرْمة أيضًا يذكر ما أكرمهم الله تبارك وتعالى به من الإسلام وما خصهم الله به من نزول رسوله -صلى الله عليه وسلم- عليهم:
ثوى في قريش بِضْعَ عَشْرةَ                      حِجَّةً يذكِّرُ لو يَلْقى صديقًا مواتِيَا
ويَعْرِضُ في أهلِ المواسمِ نفسَه               فلم يرَ مَنْ يُؤوِي ولم يَرَ دَاعِيَا
فلما أتانا أظهرَ الله دينَه                           فأصبحَ مسرورًا بطيبةَ راضِيَا
وألفى صديقًا واطمأنتْ به النَّوى                وكان له عَوْنًا من الله باديَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تستريد: تذهب وترجع.
2 حقاف الرمل: ما تكدس منه في استدارة.
3 هودت: رجعت.
4 شمس: تعبد.
5 الراهب الحبيس: الذي حبس عن ملذات الدنيا.
6 أي إن كانت قصيرة فصلوها أنتم من فضلكم.
7 التخوم: الحدود، والخزلان القطع، والعقال المنع.
ص -115-                                         يَقُصُّ لنا ما قال نوحٌ لقومهِ   وما قال موسى إذ أجابَ المنادِيَا
فأصبح لا يَخْشَى من الناس واحدًا               قريبًا ولا يَخشى من الناسِ نَائِيَا
بذلْنا له الأموالَ من حِل مالِنا                      وأنفسَنا عندَ الوغَى والتَّآسِيَا
ونعلم أن الله لا شيء غَيْرُهُ                        ونعلمُ أن الله أفضلُ هاديَا
نعادِي الذي عادَى من الناسِ كلِّهم              جميعًا وإن كان الحبيبَ المُصافيَا
أقول إذا أدْعوك في كل بَيْعَةٍ:
تباركتَ قد أكثَرتُ لاسمِك داعيَا
أقولُ إذا جاوَزْتُ أرضًا مَخُوفَةً:
حَنَانَيْك لا تُظْهِرْ عَلَيَّ الأعَادِيَا                فطأ مُعْرِضًا إن الحُتُوفَ كثيرة
وإنك لا تُبقي لنفسِك بَاقِيَا                   فوالله ما يدرِي الفتى كيفَ يتَّقي
إذا هو لم يجعلْ له الله واقيَا                  ولا تَحْفِلُ النخلُ المُعِيمةُ ربَّها
إذا أصبحت رِيا وأصبح تاويَا1
قال ابن هشام: البيت الذي أوله:
فطأ مُعْرِضًا إن الحتوفَ كثيرة
والبيت الذي يليه:
فوالله ما يدري الفتى كيف يتَّقي
لأفنون التَّغْلبي، وهو صُرَيْم بن مَعْشَر، في أبيات له.
عداوة اليهود:
قال ابن إسحاق: ونصبتْ عندَ ذلك أحبارُ يهودَ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- العداوةَ، بغيًا وحسدًا وضغنًا، لما خص الله تعالى به العرب من أخذه رسوله منهم، وانضاف إليهم رجالٌ من الأوْس والخزرج، ممن كان عسى2 على جاهليته، فكانوا أهل نفاق على دين آبائهم من الشِّرك والتكذيب بالبعث، إلا أن الإسلام قهرهم بظهوره واجتماع قومِهم عليه، فظهروا بالإسلام، واتخذوه جُنَّة من القتل ونافقوا في السر، وكان هواهم مع يهودَ، لتكذيبهم النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- وجحودهم الإسلام، وكانت أحبار يهود هم الذين يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويتعنتونه، ويأتونه باللَّبس، ليَلْبِسوا الحقَّ بالباطل، فكان القرآن ينزل فيهم فيما يسألون عنه، إلا قليلًا من المسائل في الحلال والحرام، كان المسلمون يسألون عنها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المعيمة: العاطشة، والتاوي: الهالك.
2 عسى: بقى.
ص -116-       [من بني النضير]: حُيَيّ بن أخْطَب، وأخواه أبو ياسر بن أخطب، وجُدَيّ بن أخطب، وسلام بن مشْكم، وكنانة بن الربيع بن أبي الحُقَيق، وسلاَّم بن أبي الحُقَيق، وأبو رافع الأعور -وهو الذي قتله أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بخيبر- والربيع بن الربيع بن أبي الحُقيق، وعَمرو بن جَحَّاش، وكعْب بن الأشرف، وهو من طيئ، ثم أحد بني نَبْهان، وأمه من بني النضير، والحجاج بن عمرو، حليف كعب بن الأشرف، وكَرْدَم بن قيس، حليف كعب بن الأشرف فهؤلاء من بني النضير.
ومن بني ثعلبة بن الفِطْيَوْن1: عبد الله بن صُوريا الأعور، ولم يكن بالحجاز في زمانه أحد أعلم بالتوراة منه وابن صَلُوبا، ومُخَيْريق، وكان حبرهم، أسلم.
ومن بني قَينُقاع: زيد بن اللَّصِيت -ويقال: ابن اللُّصَيْت، فيما قال ابن هشام- وسعد بنُ حُنَيف، ومحمود بن سَيْحان، وعُزَيْز بن أبي عُزَيز، وعبد الله بن صَيْف.
قال ابن هشام: ويقال: ابن ضَيْف.
قال ابن إسحاق: وسُوَيْد بن الحارث، ورفاعة بن قيس، وفِنْحاص، وأشْيَع، ونُعمان بن آضا، وَبَحْرِيّ بن عمرو، وشَأس بن عديّ، وشأس بن قَيْس، وزيد بن الحارث، ونُعمان بن عَمرو، وسُكِين بن أبي سُكَين، وعَدي بن زيد، ونعمان بن أبي أوْفَى، أبو أنس، ومحمود بن دَحْية، ومالك بن صَيْف. قال ابن هشام: ويقال: ابن ضيف.
قال ابن إسحاق: وكعب بن راشد، وعازَر، ورافع بن أبي رافع، وخالد وأزَار بن أبي أزَار.
قال ابن هشام: ويقال: آزر بن آزر.
قال ابن إسحاق: ورافع بن حارثة، ورافع بن حُرَيْملة. ورافع بن خارجة، ومالك بن عَوْف، ورفاعة بن زيد بن التابوت، وعبد الله بن سَلام بن الحارث، وكان حَبْرَهم وأعلمهم، وكان اسمه الحُصَيْن، فلما أسلم سماه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عبدَ الله. فهؤلاء من بني قَيْنُقَاع.
ومن بني قريظة: الزبير بن باطا بن وَهْب، وعَزَّال بن شَمْوِيِل، وكعب بن أسد، وهو صاحب عَقد بني قريظة الذي نُقض عام الأحزاب، وشَمويل بن زيد، وجَبَل بن عمرو بن سُكَينة، والنَّحَّام بن زيد، وقَرْدم بن كعب، ووهب بن زيد، ونافع بن أبي نافع، وأبو نافع، عَدي بن زيد، والحارث بن عَوْف، وكَرْدَم بن زيد، وأسامة بن حَبيب، ورافع بن رُمَيْلة، وجَبل بن أبي قشَيْر، ووهب بن يَهوذا، فهؤلاء من بني قريظة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفطيون: كلمة عبرية تطلق على من ولي أمر اليهود.

ص -117-      ومن يهود بني زُريق: لَبِيد بن أعْصم، وهو الذي أخذَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن نسائِه1.
ومن يهودِ بني حارثة: كنانة بن صُورِيا.
ومن يهود بني عمرو بن عَوْف: قَرْدم بن عمرو.
ومن يهود بني النجار: سِلْسِلة بن بَرْهام.
فهؤلاء أحبار اليهود، أهل الشرور والعداوة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وأصحاب المسألة، والنصْب لأمْر الإِسلام الشرورَ ليطفئوه، إلا ما كان من عبد الله بن سَلام ومُخَيْريق.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يعني من الأخذة، وهي ضرب من السحر. وكان لبيد هذا قد سحر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجعل سحره في مشط ومُشاطة، وروي: مشاقة بالقاف، وهى مشاقة الكتان، وجُف طلعة ذكر. وهي فحال النخل، وهو ذكاره. والجف: غلاف للطلعة، ويكون لغيرها، ويقال للجف القيقاء وتصنع منه آنية يقال لها: الثلاثل، قاله أبو حنيفة الدينوري. ودفنه في بئر ذي أروان: وأكثر أهل الحديث يقولون: ذروان تحت راعوفة البئر، وهي صخرة في أسفله يقف عليها المائح، وهذا الحديث مشهور عند الناس، ثابت عند أهل الحديث، غير أني لم أجد في الكتب المشهورة: كم لبث -رسول الله –صلى الله عليه وسلم -بذلك السحر، حتى شفي منه، ثم وقعت على البيان في جامع معمر بن راشد، روى معمر عن الزهري، قال: سُحر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سنة يخيل إليه أنه يفعل الفعل، وهو لا يفعله وقد طعنت المعتزلة في الحديث وطوائف من أهل البدع، وقالوا لا يجوز على الأنبياء أن يُسحروا، ولو جاز أن يسحروا، لجاز أن يُجنوا، ونزع بعضهم بقوله عز وجل:
{وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] والحديث ثابت خرجه أهل الصحيح، ولا مطعن فيه من جهة النقل، ولا من جهة العقل؛ لأن العصمة إنما وجبت لهم في عقولهم وأديانهم وأما أبدانهم، فإنهم يبتلون فيها، ويخلص إليهم بالجراحة والضرب والسموم والقتل، والأخذة التي أخذها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من هذا الفن، إنما كانت في بعض جوارحه دون بعض. وأما قوله سبحانه: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] فإنه قد روي أنه كان يُحرس في الغزو، حتى نزلت هذه الآية، فأمر حراسه أن ينصرفوا عنه، وقال: لا حاجة لي بكم، فقد عصمني الله من الناس: أو كما قال. عن: "الروض الأنف".

ص -118-      إسلام عبد الله بن سلاَم:
قال ابن إسحاق: وكان من حديث عبد الله بن سَلاَم، كما حدثني بعضُ أهلهِ عنه وعن إسلامه حين أسلم، وكان حَبْرًا عالمًا، قال: لما سمعتُ برسول الله -صلى الله عليه وسلم- عرفتُ صفتَه واسمه وزمانَه الذي كنا نتوكَّف1 له، فكنتُ مُسِرًّا لذلك صامتًا عليه، حتى قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة، فلما نزل بقُباء، في بني عَمْرو بن عوف، أقبل رجل حتى أخبر بقدومه، وأنا في رأس نخلة لي أعمل فيها، وعمتي خالدة ابنة الحارث تحتي جالسة، فلما سمعت الخبر بقدوم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كبَّرْتُ؟ فقالت لي عمتي، حين سمعت تكبيري: خيبك الله، والله لو كنتَ سمعتَ بموسى بن عمران قادمًا ما زدْتَ، قال: فقلت لها: أي عَمَّةُ، هو والله أخو موسى بن عمران، وعلى دينه، بُعث بما بُعث به. فقالت: أي ابن أخي، أهو النبي الذي كنا نُخبر أنه يُبعث مع نَفْس الساعة؟ قال: فقلت لها: نعم. قال: فقالت: فذاك إذن. قال: ثم خرجتُ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسلمتُ، ثم رجعت إلى أهل بيتي، فأمرتهم فأسلموا.
تكذيب قومه له: قال: وكتمت إسلامي من يهود، ثم جئت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت له: يا رسولَ الله، إن يهود قومٌ بُهْتٌ، وإني أحب أن تُدخلَني في بعضِ بيوتِك، وتغيِّبني عنهم، ثم تسألهم عني حتى يخبروك كيف أنا فيهم، قبل أن يعلموا بإسلامي، فإنهم إن علموا به بهتوني وعابوني. قال: فأدخلني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض بيوته، ودخلوا عليه، فكلموه وساءلوه، ثم قال لهم: أي رجل الحُصَيْن بن سلام فيكم؟ قالوا: سيدنا وابن سيدنا، وحَبْرنا وعالمنا. قال: فلما فرغوا من قولهم خرجت عليهم، فقلت لهم: يا معشرَ يهود، اتقوا الله واقبلوا ما جاءكم به، فوالله إنكم لتعلمون إنه لرسول الله، تجدونه مكتوبًا عندكم في التوراة باسمه وصفته، فإني أشهدُ أنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأومن به وأصدقه وأعرفه، فقالوا: كذبتَ ثم واقعوا بي. قال: فقلت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألم أخبرك يا رسول الله أنهم قوم بُهْت، أهل غدر وكذب وفجور! قال: فأظهرتُ إسلامى وإسلام أهل بيتي، وأسلمت عمتي خالدةُ بنت الحارث، فحسن إسلامُها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 نتوكف: نتوقع.

ص -119-      من حديث مخيريق: قال ابن إسحاق: وكان من حديث مُخَيْريق، وكان حَبْرًا عالمًا، وكان رجلًا غنيًا كثير الأموال من النخل، وكان يعرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصفته، وما يجد في علمه، وغلب عليه إلف دينه، فلم يزل على ذلك حتى إذا كان يوم أحد، وكان يوم أحد يوم السبت، قال: يا معشر يهود، والله إنكم لتعلمون أن نصرَ محمد عليكم لحقٌّ. قالوا: إن اليومَ يوم السبت، قال: لا سبتَ لكم، ثم أخذ سلاحَه، فخرج حتى أتى رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- بأحد، وعهد إلى مَنْ وراءَه من قومه: إن قُتلت هذا اليوم، فأموالي لمحمد -صلى الله عليه وسلم- يصنع فيها ما أراه الله. فلما اقتتل الناسُ قاتل حتى قُتل. فكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم -فيما بلغني-يقول: مُخَيْريق خيرُ يهود. وقبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أموالَه، فعامة صدقاتِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة منها.
حديث صفية: قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عَمرو بن حَزْم قال: حُدثت عن صَفية بنت حيي بن أخطب أنها قالت: كنت أحَبَّ ولد أبي إليه، وإلى عمي أبي: ياسر، لم ألْقَهما قط مع ولد لهما إلا أخذاني دونه، قالت: فلما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة، ونزل قُبَاء في بني عَمرو بن عوف غدا عليه أبي، حُيي بن أخطب، وعمي أبو ياسر بن أخطب، مُغَلَّسَيْن. قالت: فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس. قالت: فأتَيا كَالَّيْن كسلانين ساقطين يمشيان الهوينَى. قالت: فهشِشْتُ إليهما كما كنت أصنع، فوالله ما التفتَ إليَّ واحد منهما، مع ما بهما من الغَمِّ. قالت: وسمعت عمي أبا ياسر، وهو يقول لأبي، حُييّ بن أخْطَب: أهو هو؟ قال: نعم والله: قال: أتعرفه وتُثْبته؟ قال: نعم، قال: فما في نفسِك منه؟ قال: عداوتُهُ والله ما بَقِيتُ.
المنافقون بالمدينة: قال ابن إسحاق: وكان ممن انضاف إلى يهود ممن سمى لنا من المنافقين من الأوس والخزرج، والله أعلم: من الأوس، ثم من بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، ثم من بني لَوْذان بن عمرو بن عوف: زُوَيّ بن الحارث.
ومن بني حُبيب بن عمرو بن عوف: جُلاس بن سُوَيْد بن الصامت وأخوه الحارث بن سُوَيْد.
وجُلاس الذي قال -وكان ممن تخلف عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك، لئن كان هذا الرجل صادقًا لنحن شَر من الحُمُر، فرَفع ذلك من قوله إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عميرُ بنُ سعد، أحدهم، وكان في حِجر جُلاس، خَلَفَ جُلاس على أمه بعد أبيه،

ص -120-      فقال له عُمَيْر بن سعد: والله يا جُلاس، إنك لأحبُّ الناس إليَّ، وأحسنهم عندي يدًا، وأعزهم عليَّ أن يصيبه شيء يكرهه، ولقد قلت مقالة لئن رفعتُها عليك لأفضحَنَّك، ولئن صَمتُّ عليها ليهلكن ديني، ولإحداهما أيسرُ عليَّ من الأخرى. ثم مشى إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكر له ما قال جُلاس، فحلف جُلاس بالله لرسول الله -صلى الله عليه وسلم: لقد كذب عليَّ عُمَيْر، وما قلتُ ما قال عُمَيْر بن سعد. فأنزل الله عز وجل فيه: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} [التوبة: 74]. قال ابن هشام: الأليم: الموجع. قال ذو الرمة يصف إبلًا:
وتَرْفعُ من صُدورٍ شَمرْدَلات                        يَصُكُّ وجوهَها وهجٌ أليمُ1
وهذا البيت في قصيدة له.
قال ابن إسحاق: فزعموا أنه تاب فحسُنت توبتُه، حتى عُرف منه الخيرُ والإِسلام.
وأخوه الحارث بن سُوَيْد، الذي قتل المجذَّرَ بنَ زِياد البلوي، وقيسَ بن زيد، أحد بني ضُبَيْعة، يوم أحد. خرج مع المسلمين، وكان منافقًا، فلما التقى الناس عدا عليهما، فقتلهما ثم لحق بقريش.
قال ابنُ هشام: وكان المجذَّر بن زياد قتل سُوَيْدَ بن صامت في بعض الحروب التي كانت بين الأوس والخزرج، فلما كان يوم أحد طلب الحارث بن سُوَيد غرةَ المجذَّر بن زياد، ليقتله بأبيه، فقتله وحدَه، وسمعت غيرَ واحد من أهل العلم يقول، والدليل على أنه لم يقتل قيس بن زيد، أن ابن إسحاق لم يذكره في قتلى أحد.
قال ابن إسحاق: قَتل سُوَيدَ بن صامت معاذُ بن عَفْراء غِيلةً، في غير حرب، رماه بسهم فقتله قبل يومَ بعاث.
قال ابن إسحاق: وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم -فيما يذكرون- قد أمر عمر بن الخطاب بقتله إن هو ظفر به، ففاته، فكان بمكة، ثم بعث إلى أخيه جُلاس يطلب التوبة، ليرجع إلى قومه. فأنزل الله تبارك وتعالى فيه -فيما بلغني عن ابن عباس:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الشمردلات: الإبل الطوال.

ص -121-      {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 86] إلى آخر القصة.
ومن بني ضُبَيْعة بن زيد بن مالك بن عَوْف بن عمرو بن عوف، بِجَاد بن عثمان بن عامر.
ومن بني لَوْذان بن عَمْرو بن عَوْف: نَبْتَل بن الحارث، وهو الذي قال له رسول الله، صلى الله عليه وسلم -فيما بلغني: "من أحبَّ أن ينظر إلى الشيطان، فلينظر إلى نَبْتَل بن الحارث"، وكان رجلًا جسيمًا أذلم1 ثائر شعر الرأس، أحمر العينين أسْفَع2 الخدَّين، وكان يأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتحدث إليه فيسمع منه، ثم ينقل حديثه إلى المنافقين، وهو الذي قال: إنما محمد أذُن، من حدّثه شيئًا صدقه. فأنزل الله عز وِجل فيه:
{وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: 61].
قال ابن إسحاق: وحدثني بعضُ رجال بَلْعجلان أنه حُدِّث: أن جبريل عليه السلام أتى رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فقال له إنه يجلس إليك رجل أذلم، ثائرُ شعرِ الرأس، أسْفَع الخدين أحمر العينين، كأنهما قِدْران من صُفْر، كبده أغلظ من كبدِ الحمار، ينقل حديثَك إلى المنافقين، فاحذرْه. وكانت تلك صفةُ نَبْتَل بن الحارث، فيما يذكرون.
ومن بني ضُبَيعة: أبو حبيبة بن الأزْعَر، وكان ممن بني مسجدَ الضرار، وثعلبة بن حاطب، ومُعَتِّب بن قُشَير، وهما اللذان عاهدا الله لئن أتانا من فضله لنصدَّقَنَّ ولنكونن من الصالحين... إلخ القصة. ومُعَتِّب الذي قال يوم أحد: لو كان لنا من الأمر شيء ما قُتلنا ههنا. فأنزل الله تعالى في ذلك من قوله:
{وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَهُنَا} [آل عمران: 154] إلى آخر القصة. وهو الذي قال يوم الأحزاب: كان محمد يَعِدُنا أن نأكلَ كنوزَ كسرى وقيصر، وأحدُنا لا يأمن أن يذهَب إلى الغائط فأنزل الله عز وجل فيه: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [الأحزاب: 12] والحارث بن حاطب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأذلم: المسترخي الشفتين.
2 الأسفع: من تضرب حمرته إلى سواد.

ص -122-      قال ابن هشام: مُعَتِّب بن قُشَيْر، وثَعْلبة والحارث ابنا حاطب، وهم من بني أمية بن زيد من أهل بدر وليسوا من المنافقين فيما ذكر ليِ من أثق به من أهل العلم، وقد نسب ابن إسحاق ثعلبةَ والحارث في بني أمية بن زيد في أسماء أهل بدر.
قال ابن إسحاق: وعَبَّاد بن حُنَيْف، أخو سهل بن حُنَيف وبَحْزَج، وهم ممن كان بني مسجد الضرَار، وعمرو بن خِذَام، وعبد الله بن نَبْتَل.
ومن بني ثعلبة بن عمرو بن عَوْف: جارية بن عامر بن العَطَّاف، وابناه: زيد ومُجمَّع، ابنا جارية. وهم ممن اتخذ مسجدَ الضرار. وكان مُجَمَّع غلامًا حدثًا قد جمع من القرآن أكثره، وكان يصلي بهم فيه، ثم إنه لما أخرب المسجدُ، وذهب رجال من بني عمرو بن عوف، كانوا يصلون ببني عمرو بن عوف في مسجدهم، وكان زمان عمر بن الخطاب، كُلِّم في مُجَمِّع ليصلي بهم فقال: لا، أو ليس بإمام المنافقين في مسجد الضِّرار؟ فقال لعمر: يا أمير المؤمنين، والله الذي لا إِله إلا هو، ما علمتُ بشيء من أمرِهم، ولكني كنت غلامًا قارئًا للقرآن، وكانوا لا قرآنَ معهم، فقدموني أصلي بهم، وما أرى أمرَهم، إلا على أحْسن ما ذكروا، فزعموا أن عمر تركه فصلى بقومه.
ومن بني أمية بن زيد بن مالك: وَديعة بن ثابت، وهو ممن بني مسجدَ الضرار، وهو الذي قال: إنما كنا نخوض ونلعب. فأنزل الله تبارك وتعالى:
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة: 65] إلى آخر القصة.
ومن بني عُبَيد بن مالك: خذام بن خالد، وهو الذي أخرج مسجد الضرار من داره، وبشر ورافع، ابنا زيد.
ومن بني التَّبِيت -قال ابن هشام: النبيت: عمرو بن مالك ابن الأوس-قال ابن إسحاق: ثم من بني حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوْس: مِرْبع بن قَيْظِي، وهو الذي قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين أجاز في حائطه1 ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- عامد إلى أحد: لا أحِلُّ لك يا محمد، إن كنت نبيًّا، أن تمر في حائطي، وأخذ في يده حفنة من تراب، ثم قال: والله لو أعلم أني لا أصيب بهذا التراب غيرَك لرميتك به، فابتدره القوم ليقتلوه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: دعوه، فهذا الأعمى، أعمى القلب، أعمى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحائط: البستان.

ص -123-      البصيرة. فضربه سعد بن زيد، أخو بني عبد الأشهل بالقوس فشجَّه. وأخوه أوس بن قَيْظي وهو الذي قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الخندق: يا رسول الله، إن بيوتَنا عَوْرة، فأذَنْلنا فلنرجعْ إليها. فأنزل الله تعالى فيه: {يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} [الأحزاب: 13].
قال ابن هشام: عَوْرة أي مُعْوَرَّة للعدو وضائعة وجمعها: عَوْرات قال النابغة الذبيانى:
متى تَلْقَهم لا تلقَ للبيت عَوْرَةً                ولا الجارَ مَحْرومًّا وَلا الأمرَ ضائعًا
وهذا البيت في أبيات له، والعورة أيضًا: عَوْرة الرجل، وهي حُرْمته. والعورة أيضًا السَّوْءَة.
قال ابن إسحاق: ومن بني ظَفَر، واسم ظَفَر: كعب بن الحارث بن الخزرج: حاطب بن أمية بن رافع، وكان شيخًا. جسيمًا قد عَسَا في جاهليته وكان له ابن من خيار المسلمين، يقال له يزيد بن حاطب، أصيب يوم أحد حتى أثبتته الجراحات، فحُمل إلى دار بني ظفر.
قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بن قَتادة أنه اجتمع إليه من بها من رجال المسلمين ونسائهم وهو بالموت فجعلوا يقولون أبشر يابن حاطب بالجنة، قال: فنجم1 نفاقُه حينئذٍ، فجعل يقول أبوه: أجل جنة والله من حَرْمل، غررتم والله هذا المسكين من نفسهِ.
قال ابن إسحاق: وبُشَيْر بن أبَيْرق، وهو أبو طُعمَة، سارق الدِّرْعين، الذي أنزل الله تعالى فيه:
{وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا} [النساء: 107]: وقُزْمان: حليف لهم.
قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: إنه لمن أهل النار. فلما كان يوم أحد قاتل قتالًا شديدًا حتى قتلَ بضعةَ نفر من المشركين، فأثبتته الجراحاتُ، فحُمل إلى دار بني ظَفر، فقال له رجال من المسلمين: أبشر يا قُزْمَان، فقد أبليتَ اليوم، وقد أصابك ما ترى في الله. قال: بماذا أبشر، فوالله ما قاتلتُ إلا حمية عن قومي، فلما اشتدت به جراحاته وآذته أخذ سهمًا من كِنانتِه، فقطع به رواهشَ2 يده، فقتل نفسَه.
قال ابن إسحاق: ولم يكن في بني عبد الأشْهل منافق ولا منافقة يُعلم، إلا أن الضحاك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 نجم: ظهر ووضح.
2 الرواهش: العصب التي في ظاهر الذراع، واحدتها راهشة.

ص -124-      بن ثابت، أحد بني كعب، رهْط سعد بن زيد، وقد كان يُتهم بالنفاق وحُب يهود، قال حسان بن ثابت:
من مُبلغُ الضحاكِ أن عروقَه                  أعْيتْ على الإسلامِ أن تتمَجَّدَا
أتحب يُهْدانَ الحجازِ ودينَهم                  كِبدَ الحِمارِ، ولا تحب محمدا
دينًا لعَمْري لا يوافق ديننَا                    ما استنَّ آل في الفضاءِ وخَوَّدا
وكان جلاس بن سُوَيْد بن صامت قبل توبته -فيما بلغني- ومُعتِّب بن قُشَير، ورافع بن زيد، وبشر، وكانوا يُدْعَوْن بالإسلام، فدعاهم رجال من المسلمين في خصومة كانت بينهم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فدعوهم إلى الكهان، حكام أهل الجاهلية، فأنزل الله عز رجل فيهم: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا} [النساء: 60] إلى آخر القصة.
ومن الخزرج، ثم من بني النجار: رافع بن وَدِيعة، وزَيْد بن عَمرو، وعَمْرو بن قيْس، وقَيس بن عَمْرو بن سَهْل.
ومن بني جُشَم بن الخزرج، ثم من بني سَلِمَة: الجدُّ بن قَيْس، وهو الذي يقول: يا محمد، ائذن لي ولا تفتنِّي، فأنزل الله تعالى فيهم:
{وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة: 49]: إلى آخر القصة.
ومن بني عَوْف بن الخزرج: عبدُ الله بنُ أبَيِّ بنُ سَلول، وكان رأس المنافقين، وإليه يجتمعون وهو الذي قال:
{لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} في غزوة بني المصْطَلق. وفي قوله ذلك، نزلت سورة المنافقين بأسرها. وفيه وفي وديعة -رجل من بني عوف-ومالك بن أبي قَوْقَل، وسُوَيْد، ودَاعس وهم من رهط عبد الله بنُ أبي بن سَلُول: وعبد الله بن أبي بن سَلول. فهؤلاء النفر من قومِهِ الذين كانوا يدُسُّون إلى بني النضير حين حاصرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم: أن اثبتوا، فوالله لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدًا أبدًا وإن قُوتلتم لننصرنكم، فأنزل الله تعالى فيهم: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الحشر: 11] ثم القصة من السورة حتى انتهى إلى قوله:

ص -125-      {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الحشر: 16] المنافقون من أحبار اليهود: قال ابن إسحاق: وكان ممن تعوَّذ بالإسلام، ودخل فيه مع المسلمين وأظهره وهو منافق، من أحبار يهود.
من بني قينُقاع: سعد بن حُنَيْف، وزَيْد بن اللُّصيْت، ونعمان بن أوْفَى بن عمرو، وعثمان بن أوفى. وزيد بن اللُّصَيْت، الذي قاتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بسوق بني قينقاع، وهو الذي قال، حين ضلت ناقةُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم: يزعمُ محمد أنه يأتيه خبرُ السماء وهو لا يدري أين ناقته! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجاءه الخبر بما قال عدوُّ الله في رحله، ودَلَّ الله، تبارك وتعالى رسولَه -صلى الله عليه وسلم- على ناقته: "إن قائلا قال: يزعمُ محمد أنه يأتيه خبر السماء ولا يدري أين ناقته، وإني والله ما أعلم إلا ما علَّمني الله، وقد دلّني الله عليها، فهي في هذا الشِّعْب، قد حبستها شجرة بزمامِها، فذهب رجال من المسلمين، فوجدوها حيث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكما وصف. ورافع بن حُرَيْملة، وهو الذي قال له الرسول، صلى الله عليه وسلم -فيما بلغنا- حين مات: قد مات اليوم عظيم من عظماء المنافقين ورفاعة بن زَيْد بن التَّابوت، وهو الذي قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين هبت عليه الريح، وهو قافل من غزوة بني المصْطَلَق، فاشتدت عليه حتى أشفق المسلمون منها فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لا تخافوا، فإنما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار". فلما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة وجد رفاعة بن زيد بن التَّابوت مات ذلك اليوم الذي هَبَّت فيه الريح. وسِلْسلة بنَ بِرْهام وكنانة بن صُورِيا.
طرد المنافقين من المسجد: وكان هؤلاء المنافقون يحضُرون المسجد فيستمعون أحاديث المسلمين، ويَسْخَرون ويستهزئون بدينهم، فاجتمع يومًا في المسجد منهم ناس، فرآهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتحدثون بينهم، خافضي أصواتهم، قَد لصق بعضُهم ببعض، فأمر بهم رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فاخرجوا من المسجد إخراجًا عنيفًا، فقام أبو أيوب، خالدُ بنُ زيد بنُ كُلَيْب، إلى عُمر بن قَيْس، أحد بني غَنْم بن مالك بن النجار -كان صاحب آلهتهم في الجاهلية-فأخذ برجله فسحبه، حتى أخرجه من المسجد، وهو يقول: أتخرجني يا أبا أيوب من مرْبد بني ثعلبة، ثم أقبل أبو أيوب أيضًا إلى رافع بن وَدِيعة، أحد بني النجار فلبَّبه بردائه ثم نثره نثرًا شديدًا، ولطم وجهَه، ثم أخرجه من المسجد، وأبو أيوب يقول له: أفّ لك منافقًا خبيثًا. أدراجَك يا منافق من مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم.

ص -126-      قال ابن هشام: أي ارجعْ من الطريق التي جئتَ منها. قال الشاعر:
فولَّى وأدبرَ أدراجَه وقد                              باء بالظُّلْم من كان ثَمْ
وقام عُمارة بن حَزْم إلى زيد بن عمرو، وكان رجلًا طويل اللحية، فأخذ بلحيته فقاده بها قودًا عنيفًا حتى أخرجه من المسجد، ثم جمع عُمارة يَدَيْه فلَدَمَه بهما في صدرِهِ لَدْمَة خَرَّ منها. قال: يقول: خدشْتني يا عُمارة قال: أبعدك الله يا منافقُ، فما أعدَّ الله لك من العذاب أشدُّ من ذلك، فلا تقربنَّ مسجدَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
قال ابن هشام: اللَّدْم: الضرب ببطن الكف. قال تَميم بنُ أبيّ بنَ مُقْبِل:
وللفؤادِ وجِيب تحتَ أبْهرِه                     لَدْمَ الوليدِ وراءَ الغَيْبِ بالحَجرِ
قال ابن هشام: الغيب: ما انخفض من الأرض. والأبهر: عرق القلب.
قال ابن إسحاق: وقام أبو محمد، رجل من بني النجار، كان بدْريًا، و أبوِ محمد مسعود بن أوس بن زيد بن أصْرم بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار: إلى قَيْس بن عمرو بن سهل، وكان قيس غلامًا شابًا، وكان لا يُعلم في المنافقين شاب غيره، فجعل يدفع في قفاه حتى أخرجه من المسجد.
وقام رجل من بَلْخُدْرَة1 بن الخزرج، رهط أبي سعيد الخُدْري، يقال له: عبد الله بن الحارث حين أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإخراج المنافقين من المسجد إلى رجل يقال له: الحارث بن عَمْرو، وكان ذا جُمَّة، فأخذ بجُمته فسحبه بها سحبًا عنيفًا، على ما مر به من الأرض، حتى أخرجه من المسجد. قال يقول المنافقُ: لقد أغلظْتَ يابن الحارث فقال له: إنك أهل لذلك، أي عدوَّ الله لما أنزل الله فيك: فلا تقربنَّ مسجدَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنك نَجِس.
وقام رجل من بني عَمْرو بن عَوْف إلى أخيه زُوَيِّ بن الحارث فأخرجه من المسجد إخراجًا عنيفًا، وأفَّف منه، قال: غلب عليك الشيطان وأمْرُهُ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يريد: من بني الخدرة.

ص -127-      فهؤلاءِ من حضر المسجدَ يومئذ من المنافقين، وأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإخراجهم.
ما نزل في اليهود والمنافقين: ففي هؤلاء من أحبار يهود، والمنافقين من الأوس والخزرج، نزل صدرُ سورةِ البقرة إلى المائة منها -فيما بلغني-والله أعلم.
يقول الله سبحانَه وبحمده:
{الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 1، 2] أي لا شك فيه.
قال ابن هشام: قال ساعدة بن جُؤيَة الهُذَلي:
فقالوا عَهِدْنا القومَ قد حَصَروا به                  فلا رَيْبَ أن قد كان ثَمَّ لَحيمُ1
وهذا البيت في قصيدة له، والريب أيضًا: الريبة. قال خالد بن زُهير الهُذلي:
كأنني أرِيبُة بريْب2
قال ابن هشام: ومنهم من يرويه:
كأنني أربته بريْب
وهذا البيت في أبيات له. وهو ابن أخي أبي ذُؤيْب الهُذَلي.{هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} أي الذين يحذرون من الله عقوبتَه في تَرْك ما يعرفون من الهدَى، ويرجون رحمتَه بالتصديق بما جاءهم منه: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: 3] أي يقيمون الصلاةَ بفرْضِها، ويؤتون الزكاة احتسابًا لها: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} [البقرة: 4] أي: يصدقونك بما جئت به من الله عز وجل، وما جاء به مَنْ قبلك من المرسلين، لا يفرقون بينهم، ولا يجحدون ما جاءوهم به من ربهم: {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة: 4].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لحيم: قتيل.
2 والرجز الذي استشهد ببيت منه:
يا قوم مالي وأبا ذؤيب                                كنت إذا أتينه من غيب
يشم عطفي ويمس ثوبي                           كأنني أريبه بريب
وكان أبو ذؤيب قد اتهمه بامرأته، فلذلك، قال هذا.

ص -128-      أي بالبعثِ والقيامةِ والجنةِ والنارِ والحسابِ والميزانِ أي هؤلاء الذين يَزْعُمون أنهم آمنوا بما كان من قبلك، وبما جاءك من ربك: {أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ} أي: على نور من ربهم واستقامة على ما جاءهم {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 5] أي: الذين أدركوا ما طلبوا ونَجَوْا من شرِّ ما منه هربوا. {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي: بما أنزل إليك، وإن قالوا إنا قد آمنا بما جاءنا قبلك. {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 6]، أي أنهم كفروا بما عندهم من ذكرك، وجحدوا ما أخذ عليهم الميثاق لك، فقد كفروا بما جاءك، وبما عندهم مما جاءهم به غيرك، فكيف يستمعون منك إنذارًا أو تحذيرًا، وقد كفروا بما عندهم من علمك. {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} عن الهدَى أن يصيبوه أبدًا، يعني بما كذبوك به من الحق الذي جاءك من ربِّك حتى يؤمنوا به، وإن آمنوا بكلِّ ما كان قبلك: {وَلَهُمْ} بما هم عليه من خلافك: {عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: 7].
فهذا في الأحْبار من يهود، فيما كذبوا به من الحقِّ بعدَ معرفته.
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} يعني المنافقين من الأوس والخزرج، ومن كان على أمرهم: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ، فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [البقرة: 9، 10] أي شك: {فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} أي: شكا {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة: 10، 11] أي: إنما نريد الإصلاحَ بين الفريقين: من المؤمنين وأهل الكتاب، يقول الله تعالى: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ، وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} من يهود، الذين يأمرونهم بالتكذيب بالحق، وخلاف ما جاء به الرسول {قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ} أي: إنا على مثل ما أنتم عليه: {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} أي: إنما نستهزئ بالقوم، ونلعب بهم، يقول الله عز وجل: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة: 15].
قال ابن هشام: يَعْمَهون: يحارون تقول العرب: رجل عَمة وعامه: أي حيران، قال رُؤبة بن العَجاج يصف بلدًا:
أعْمى الهُدى بالجاهلين العُمَّه
وهذا البيت في أرجوزة له. فالعُمَّه: جمع عامه: وأما عَمِه: فجمعه: عَمِهون. والمرأة: عَمِهة وعَمْهاء.

ص -129-      {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى} أي: الكفر بالإيمان: {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ}.
قال ابن إسحاق: ثم ضرب لهم مثلًا فقال تعالى:
{مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ} [البقرة: 17] أي لا يُبصرون الحقَّ ويقولون به حتى، إذا خرجوا به من ظلمةِ الكفر أطفئوه بكفرِهم به ونفاقهم فيه، فتركهم الله في ظلمات الكفر فهم لا يبصرون هُدًى، ولا يستقيمون على حق: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ} [البقرة: 18] أي: لا يرجعون إلى الهُدَى، صُم بكم عُمي عن الخير، لا يرجعون إلى خير، ولا يصيبون نجاة ما كانوا على ما هم عليه: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ} [البقرة: 19].
قال ابن هشام: الصَيِّب: المطهر، وهو من صاب يصوب، مثل قولهم: السيِّد، من سادَ يسود، والميت: من مات يموت، وجمعه صيائِب. قالَ عَلْقمة بن عَبَدَة، أحد بني ربيعة بن مالك بن زيد مَناة بن تميم:
كأنهمُ صابت عليهم سحابة                         صواعقُها لطيرِهنَّ دَبيبُ
وفيها:
فلا تَعْدِلي بيني وبين مُغَمَّر                 سَقَتْكَ رَوَايا المُزْنِ حيثُ تَصوبُ1
وهذان البيتان في قصيدة له.
قال ابن إسحاق: أي هم من ظلمة ما هم فيه من الكفر والحذَر من القتل من الذي هم عليه من الخلاف والتخوف لكم، على مثل ما وُصف. من الذي هو في ظُلمة الصَّيْب. يجعل أصابعَه في أذنيه من الصواعق حَذَرَ الموت. يقول: والله مُنْزِل ذلك بهم من النَّقْمة. أي هو محيط بالكافرين:
{يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} أي: لشدة ضوء الحق: {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا} أي: يعرفون الحق ويتكلمون به. فهم من قولهم به على استقامة فإذا ارتكسوا منه في الكفر قاموا متحيرين: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ} أي: لما تركوا من الحق بعد معرفته: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 20].
ثم قال:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} للفريقين جميعًا: من الكفار والمنافقين. أي وحِّدوا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المغمر: الساذج الذي لم يجرب الأمور.

ص -130-      ربّكم: {الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 21،22]
قال ابن هشام: الأندادُ: الأمثالُ: واحدهم نِد. قال لَبيد بن ربيعة:
أحْمَدُ الله فلا نِدَّ له                          بيديْه الخيرُ ما شاء فَعَلْ
وهذا البيت في قصيدة له.
قال ابن إسحاق: أي لا تُشركوا بالله غيرَه من الأنداد التي لا تنفع ولا تضر، وأنتم تعلمون أنه لا ربَّ لكم يرزقكم غيره، وقد علمتم أن الذي يدعوكم إليه الرسول من توحيده هو الحق لا شك فيه.
{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} أي: في شك مما جاءكم: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} أي: من استطعتم من أعوانكم على ما أنتم عليه: {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 23، 24] أي: لمن كان على مثل ما أنتم عليه من الكفر.
ثم رغَّبهم وحذَّرهم نقضَ الميثاق الذي أخذ عليهم لنبيه -صلى الله عليه وسلم- إذا جاءهم وذكر لهم بدء خلقهم حين خلقهم، وشأن أبيهم آدم عليه السلام وأمره، وكيف صنع به في خالف عن طاعته، ثم قال:
{يَا بَنِي إِسْرائيلَ} للأحبار من يهود: {اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} أي: بلائي عندكم وعند آبائكم، لما كان نجاهم به من فرعون وقومه: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي} الذي أخذتُ في أعناقكم لنبيي أحمد، إذا جاءكم {أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} أنجز لكم ما وعدتكم على تصديقه واتباعه بوضع ما كان عليكم من الآصار والأغلال التي كانت في أعناقكم بذنوبكم التي كانت من أحداثكم: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} أي: أن أنزل بكم ما أنزلت بمن كان قبلكم من النقمات التي قد عرفتم من المسخ وغيره. {وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} وعندكم من العلم فيه ما ليس عند غيركم: {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ، وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 41، 42] أي: لا تكتموا ما عندكم من المعرفة برسولي ومما جاء به، وأنتم تجدونه عندكم فيما تعلمون من الكتب التي بأيديكم: {أتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44]، أي: أتنْهوْن الناسَ عن الكفر بما عندكم من النبوة والعهد من التوراة وتتركون أنفسكم، أي وأنتم تكفرون بما فيها من عهدي إليكم في تصديق رسولي، وتنقضون ميثاقي، وتجحدون ما تعلمون من كتابي.
ثم عدَّد عليهم أحداثهم، فذكر لهم العجل وما صنعوا فيه، وتوبته عليهم، وإقالته إياهم، ثم قولهم:
{أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} [النساء: 153].

ص -131-      قال ابن هشام: جهرة، أى: ظاهرًا لنا لا شيء يستره عنا. قال أبو الأخْزَر الحَمانِيُّ واسمه قتيبة:
يجهر أجوافَ المياه السَّدُم1
وهذا البيت في أرجوزة له.
يجهر: يقول: يظهر الماء، ويكشف عنه ما يستره من الرمل وغيره.
قال ابن إسحاق: وأخْذَ الصاعقة إياهم عند ذلك لغرّتهم، ثم إحياءَه إياهم بعد موتهم وتظليله عليهم الغمام، وإنزاله عليهم المن والسلوى، وقوله لهم:
{ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّة} [البقرة: 58] أي: قولوا ما أمركم به أحطّ به ذنوبَكم عنكم، وتبديلهم ذلك من قوله: استهزاءً بأمره، وإقالته إياهم ذلك بعد هُزْئهم.
قال ابن هشام: المنُّ شيء كان يسقط في السَّحَر على شجرهم، فَيَجْتَنونه حُلوًا مثل العسل فيشربونه ويأكلونه. قال أعشَى بني قَيْس بن ثَعْلبة:
لو أطعِموا المنَّ والسلْوَى مكانَهُمُ              ما أبصر الناسُ طُعْمًا فيهمُ نَجَعَا2
وهذا البيت في قصيدة له، والسّلْوى: طير واحدتها: سَلْواة ويقال: إنها السُّمَاني، ويقال للعسل أيضًا: السَّلْوى. وقال خالد بن زُهير الهُذَلي:
وقاسَمَها بالله حقّا لأنتم                  ألذ من السَّلْوَى إذا ما نَشُورُها
وهذا البيت في قَصيدة له وحِطَّة: أي حُطَّ عنا ذنوبَنا.
قال ابن إسحاق: وكان من تبديلهم ذلك كما حدثني صالح بن كَيْسان عن صالح مولى التَّوْءَمة بنت أمية بن خلف، عن أبي هريرة ومن لا أتهم، عن ابن عباس، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: دخلوا الباب الذي أمروا أن يدخلوا منه سُجَّدًا يزحفون، وهم يقولون حِنْط في شعير. قال ابن هشام: ويروى: حنطة في شعيرة.
قال ابن هشام: ويروي حنطة في شعيرة.
قال ابن إسحاق: واستسقاءَ موسى لقومهِ، وأمرَه إِياه أن يضربَ بعصاه الحجرَ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 السدم: هي المياة القديمة.
2 نجع: نفع.

ص -132-      فانفجرت لهم منه اثنتا عشرة عينًا، لكل سِبْط1 عين يشربون منها، قد عَلم كُلُّ سِبْط عينَه التي منها يشرب، وقولهم لموسى عليه السلام: {لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا} [البقرة: 60].
قال ابن هشام: الفوم: الحنطة. قال أمية بن أبي الصَّلت الثقفي:
فوقَ شِيزَى مثل الجوابي عليها                   قِطَعٌ كالوَذِيلِ في نِقْي فُومِ2
قال ابن هشام: الوذيل: قطع الفضة، والفوم: القمح، واحدته: فومة. وهذا البيت في قصيدة له.{وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ}.
قال ابن إسحاق: فلم يفعلوا، ورفْعه الطور فوقَهم ليأخذوا ما أوتوا، والمسخ الذي كان فيهم، إذ جعلهم قردةً بإحْداثهم، والبقرة التي أراهم الله عز وجل بها العبرة في القتيل الذي اختلفوا فيه، حتى بيَّن الله لهم أمره، بعد التردد على موسى عليه السلام في صفة البقرة، وقسوة قلوبهم بعد ذلك حتى كانت كالحجارة أو أشد قسوة، ثم قال تعالى:
{وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} أي: وإن من الحجارة لألين من قلوبكم عما تدعون إليه من الحق. {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}.
ثم قال لمحمد عليه الصلاة والسلام ولمن معه من المؤمنين يؤْيسهم منهم
{أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 75] وليس قوله "يسمعون التوراةَ" أنّ كلهم قد سمعها، ولكنه فريق منهم، أي خاصة.
قال ابن إسحاق: فيما بلغني عن بعض أهل العلم: قالوا لموسى: يا موسى، قد حيل بينَنا وبين رؤية الله، فأسمعنا كلامَه حين يكلمك، فطلب ذلك موسى عليه السلام من ربه، فقال له: نعم مُرْهُم فليطَّهروا، أو ليطهروا ثيابَهم، وليصوموا، ففعلوا، ثم خرج بهم حتى أتى بهم الطورَ فلما غشيهم الغمامُ أمرهم موسى فوقعوا سُجّدًا وكلمه ربه، فسمعوا كلامه تبارك وتعالى، يأمرهم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 السبط الجماعة، وهي كالقبيلة في أولاد إسماعيل من العرب.
2 الشيزى: خشب أسود صلب تصنع منه الأمشاط والقطاع وغيرها يقال هو الأبنوس والجوابي: الحياض يجبى إليها الماء، أي يجمع.

ص -133-      وينهاهم، حتى عقلوا عنه ما سمعوا، ثم انصرف بهم إلى بني إسرائيل، فلما جاءهم حرَّف فريق منهم ما أمرهم به، وقالوا، حين قال موسى لبني إسرائيل: إن الله قد أمركم بكذا وكذا، قال ذلك الفريق الذي ذكر الله عز وجل: إنما قال كذا وكذا، خلافًا لما قال الله لهم، فهم الذين عنى الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم.
ثم قال تعالى:
{وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا} أي: بصاحبكم رسول الله، ولكنه إليكم خاصة، {وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا}: لا تحدثوا العرب بهذا، فإنكم قد كنتم تستفتحون به عليهم، فكان فيهم فأنزل الله عز وجل فيهم: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 76] أي تقرون بأنه نبي، وقد عرفتم أنه قد أخذ له الميثاق عليكم باتباعه، وهو يخبركم أنه النبي الذي كنا ننتظر ونجد في كتابنا، اجحدوه ولا تقروا لهم به، يقول الله عز وجل: {أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ، وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ}. [البقرة: 77، 78].
قال ابن هشام، عن أبي عُبَيْدة: إلا أمانيّ، إلا قراءة؛ لأن الأمي: الذي يقرأ ولا يكتب. يقول: لا يعلمون الكتاب، إلا أنهم يقرءونه.
قال ابن هشام: عن أبي عُبيدة ويونس، أنهما تأولا ذلك عن العرب في قول الله عز وجل، حدثني أبو عُبَيدة بذلك.
قال ابن هشام: وحدثني يونس بن حبيب النحويُّ وأبو عُبَيدة: أن العرب تقول: تمنَّى، في معنى قرأ. وفى كتاب الله تبارك وتعالى:
{
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} [الحج: 82] قال: وأنشدني أبو عُبَيْدة النحوي:
تمنَّى كتابَ الله أولَ ليلهِ                       وآخرَهُ وافى حِمامُ المقادِرِ
وأنشدني أيضًا:
تمنَّى كتابَ الله في الليلِ خاليًا                  تَمنِّيَ داودَ الزَّبورَ على رِسْلِ
وواحدة الأماني: أمنيَّة. والأماني أيضًا: أن يتمنى الرجلُ المالَ أو غيرَه.
قال ابن إسحاق:
{وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} أي: لا يعلمون الكتاب ولا يدرون ما فيه، وهم يجحدون نبوتك بالظن. {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 80].

ص -134-      ما ادعاه يهود في عذاب الآخرة: قال ابن إسحاق: وحدثني مولى لزيد بن ثابت عن عِكْرمة، أو عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس، قال: قَدِمَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة، واليهود تقول: إنما مدة
الدنيا سبعةُ آلاف سنة، وإنما يُعذب الله الناسَ في النار بكل ألف سنة من أيام الدنيا يومًا واحدًا في النار من أيامِ الآخرة، وإنما هي سبعة أيام ثم ينقطع العذاب. فأنزل الله في ذلك من قولهم:
{وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ، بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} [البقرة: 80، 81] أي: من عمل بمثل أعمالكم، وكفر بمثل
ما كفرتم به، يحيط كفره بما له عند الله من حسنة
{فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} أي: خُلْد أبدًا {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 82] أي: من آمن بما كفرتم به، وعمل بما تركتم من دينه فلهم الجنة خالدين فيها، يخبرهم أن الثواب بالخير والشر مقيم على أهله أبدًا، لا انقطاع له.
قال ابن إسحاق: ثم قال الله عز وجل يؤنبهم:
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ} أي: ميثاقكم، {لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ} أي: تركتم ذلك كله ليس بالتنقص: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ} [البقرة: 84].
قال ابن هشام: تسفكون: تصبُّون. تقول العرب: سَفك دمَه، أي صبَّه وسفك الزق أي هراقه. قال الشاعر:
وكنا إذا ما الضيفُ حَلَّ بأرضِنا               سفكنا دماءَ البُدْنِ في تُرْبةِ الحالِ
قال ابن هشام: يعني "بالحال": الطين الذي يخالطه الرمل، وهو الذي تقول له العرب: السَّهلة. وقد جاء في الحديث: أن جبريل لما قال فرعونُ: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ} [يونس: 90] أخذ من حال البحر وحَمْأته، فضرب به وجه فرعون. والحال: مثل الحمأة.
قال ابن إسحاق:
{وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ}. على أن هذا حق من ميثاقي عليكمَ: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [البقرة: 85] أي: أهل الشرك: حتى يُسفكوا دماءَهم معهم، ويخرجوهم من ديارهم معهم. {وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ} وقد عرفتم أن ذلك عليكم في دينكم: {وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ} في كتابكم {إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ}،

ص -135-      أتفادونهم مؤمنين بذلك، وتخرجونهم كفارًا بذلك: {فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ، أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} [البقرة: 85، 86] فأنبهم الله عز وجل بذلك من فعلهم، وقد حرَّم عليهم في التوراة سفكَ دمائِهم. وافترض عليهم فيها فداء أسراهم.
فكانوا فريقين، منهم بنو قَيْنقاع ولَفُّهم1، حلفاء الخزرج والنضير وقريظة ولَفُّهم، حلفاء الأوس. فكانوا إذا كانت بين الأوس والخزرج حرب، خرجت بنو قَيْنقاع مع الخزرج وخرجت النضير وقريظة مع الأوس يظاهر كل واحد من الفريقين حلفاءه على إخوانه حتى يتسافكوا. دماءهم بينهم، وبأيديهم التوراة يعرفون فيها ما عليهم وما لهم، والأوس والخزرج أهل شرك يعبدون الأوثان. لا يعرفون جنةً ولا نارًا، ولا بَعْثًا ولا قيامة، ولا كتابًا، ولا حلالًا ولا حرامًا، فإذا وَضعت الحرب أوزارَها افتدوا أساراهم تصديقًا لما في التوراة، وأخذَ به بعضُهم من بعضٍ، يفتدي بنو قينقاع من كان من أسراهم في أيدي الأوس وتفتدي النضير وقريْظة ما في أيدي الخزرج منهم. ويُطِلُّون2 ما أصابوا من الدماء، وقَتْلى من قُتلوا منهم فيما بينهم، مظاهرة لأهل الشرك عليهم. يقول الله تعالى لهم حين أنبهم بذلك:
{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} أي: تفاديه بحكم التوراة وتقتله، وفي حكم التوراة ألا تفعل، تقتله وتُخرجه من داره وتُظاهر عليه من يُشركُ بالله، ويعبد الأوثان من دونه، ابتغاء عَرَض الدنيا. ففى ذلك من فعلِهم مع الأوْس والخزرج -فيما بلغني- نزلت هذه القصة.
ثم قال تعالى:
{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ} أي: الآيات التي وُضعت على يديه، من إحياء الموتى، وخلْقهِ من الطين كهيئة الطير، ثم ينفخ فيه فيكون طيرًا بإذن الله، وإبراء الأسقام، والخبر بكثير من الغيوب: مما يدخرون في بيوتهم، وما رد عليهم من التوراة مع الإِنجيل، الذي أحدث الله إليه. ثم ذكر كفرَهم بذلك كله، فقال: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ}، ثم قال تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ}: في أكِنَّة. يقول عز وجل:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لفهم: من عد فيهم.
2 يطلون: يبطلون.

ص -136-      {بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ، وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: 89] قال ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عُمر بن قتادة عن أشياخ من قومه، قال: قالوا: فينا والله وفيهم نزلت هذه القصة، كنا قد عَلَوْناهم ظَهْرًا في الجاهلية ونحن أهل الشرك وهم أهل كتاب فكانوا يقولون لنا: إن نبيًّا يُبعث الآن نتبعه قد أظَلَّ زمانهُ، نقتلكم معه قتلَ عادٍ وإرَم. فلما بعث الله رسولَه -صلى الله عليه وسلم- من قريش فاتبعناه كفروا به يقول الله: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ، بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} أي أن جعله في غيرهم، {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ}.
قال ابن هشام: فباءوا بغضب: أي اعترفوا به واحتملوه. قال أعْشَى بني قَيْس بن ثَعْلبة:
أصالحُكم حتى تبوءوا بمِثلها                 كصرْخَةِ حُبْلَى يَسَّرَتْها قبيلُها1
قال ابن هشام: يسرتها. أجلستها للولادة. وهذا البيت في قصيدة له.
قال ابن إسحاق: فالغضب على الغضب، لغضبه عليهم فيما كانوا ضيَّعوا من التوراة، وهى معهم، وغضب بكفرهم بهذا النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي أحدث الله إليهم.
ثم أنَّبهم برفع الطور عليهم، واتخاذهم العجلَ إلهًا دون ربِّهم، يقول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم:
{قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 94]، أي ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب عند الله، فأبَوْا ذلك على رسول الله -صلى الله عليه وسلم. يقول الله جل ثناؤه لنبيه عليه الصلاة والسلام: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ}، أي: بعلمهم بما عندهم من العلم بك، والكفر بذلك فيقال: لو تمنوه يوم قال ذلك لهم ما بقي على وجه الأرض يهودي إلا مات. ثم ذكر رغبتهم في الحياة الدنيا وطول العمر، فقال تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ}، اليهود، {وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ} [البقرة: 96]، أي: ما هو بمنجيه من العذاب، وذلك أن المشركَ لا يرجو بعثًا بعدَ الموت، فهو يحب طولَ الحياة، وأن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 القبيلة: القابلة وهي من تستقبل الولد.

ص -137-      اليهوديَّ قد عرف ما له في الآخرة من الخِزْي بما ضَيَّع مما عنده من العلم. ثم قال تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 97].
سؤال اليهود الرسول، وإجابته: قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بنُ عبد الرحمن بن أبي حُسَيْن المَكِّي، عن شَهْر بن حَوْشَب الأشْعَري، أن نفرًا من أحبار يهود جاءوا رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا محمدُ، أخبرنا عن أربعٍ نسألك عنهنَّ، فإن فعلتَ ذلك اتبعناك وصدقناك، وآمنا بك. قال: فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "عليكم بذلك عهدُ الله وميثاقُه لئن أنا أخبرتُكم بذلك لتصدِّقُنَّنِى؟" قالوا: نعم، قال: "فاسئلوا عما بَدَا لكم". قالوا: فأخبرنا كيف يشبه الولدُ أمَّه، وإنما النطفة من الرجل؟ قال: فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل، هل تعلمون أن نطفة الرجل بيضاء غليظة ونطفة المرأة صفراء رقيقة فأيتهما علت صاحبتها كان لها الشبه"، قالوا: اللهم نعم. قالوا: فأخْبرنا كيف نومُك؟ فقال: "أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل هل تعلمون أن نومَ الذي تزعمون أني لستُ به تنام عينه وقلبه يقظان؟" فقالوا: اللهم نعم قال: "فكذلك نومي، تنام عيني وقلبي يقظان". قالوا: فأخبرنا عما حرَّم إسرائيلُ على نفسه؟ قال: "أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل هل تعلمون أنه كان أحَبَّ الطعام والشراب إليه ألبانُ الإِبل ولحومها وأنه اشتكى شكوى فعافاه الله منها فحرَّم على نفسه أحبّ الطعام والشراب إليه شكرًا لله فحرم على نفسه لحومَ الإِبل وألبانها" قالوا: اللهم نعم. قالوا: فأخبرنا عن الروح؟ قال: "أنشدكم بالله وبأيامِهِ عند بني إسرائيل، هل تعلمونه جبريلَ، وهو الذي يأتيني؟" قالوا: اللهم نعم، ولكنه يا محمد لنا عدو، وهو ملك، إنما يأتي بالشدة وبسفك الدماء، ولولا ذلك لاتبعناك، قال: فأنزل الله عز وجل فيهم:
{قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}... إلى قوله تعالى: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ، وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ، وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 100-103].
اليهود يُنكرون نبوة سليمان عليه السلام ورد الله عليهم: قال ابن إسحاق: وذلك أن رسولَ الله، صلى الله عليه وسلم -فيما بلغني- لما ذكر سليمان بن داود في المرْسَلين، قال

ص -138-      بعضُ أحبارهم: ألا تعجبون من محمد، يزعم أن سليمان بن داود كان نبيًّا، والله ما كان إلا ساحرًا. فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} أي: باتباعهم السحر وعملهم به: {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ}.
قال ابن إسحاق: وحدثني بعض من لا أتهم عن عِكْرمة، عن ابن عباس، أنه كان لِقول: الذي حرم إسرائيلُ على نفسه زائدتا الكَبْد، والكُلْيتان والشحْم، إلا ما كان على الظَّهْر، فإن ذلك كان يُقَرَّب للقربان، فتأكله النار.
كتابه صلى الله عليه وسلم إلى يهود خيبر: قال ابن إسحاق: وكتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى يهود خيبر، فيما حدثني مولَى زيد بن ثابت، عن عِكْرمة أو عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس: بسم الله الرحمن الرحيم: من مُحمدٍ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صاحبِ موسى وأخيه، والمصدِّق لما جاء به موسى: ألا إن الله قد قال لكم يا معشرَ أهل التوراة، وإنكم لَتَجِدُون ذلك في كتابكم:
{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 29].
وإني أنشدكم بالله، وأنشدكم بما أنزل عليكم، وأنشدكم بالذي أطْعم من كان قبلكم من أسباطكم المن والسلْوَى، وأنشدكم بالذي أيبس البحر لآبائكم حتى أنجاهم من فرعون وعمله، إلاَّ أخبرتموني: هل تجدون فيما أنزل الله عليكم أن تؤمنوا بمحمد؟ إن كنتم لا تجدون ذلك في كتابكم فلا كُرْه عليكم.
{قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256] فأدعوكم إلى الله وإلى نبيه.
قال ابن هشام: شطؤه: فراخه وواحدته: شطأة. تقول العرب قد أشطأ الزرع، إذا أخرج فراخَه. وأزَره: عاونه، فصار الذي قبله مثلَ الأمهات. قال امرؤ القيس بن حُجْر الكِنْديُّ:
بِمَحْنيةٍ قد آزر الضَّالَ نَبتُها                     مَجَرَّ جيوش غانمين وخُيَّب1

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المحنية والمحناة ما انعطف من الوادي والجمع محان، والضال: شجر تعمل منه القسي.

ص -139-      وهذا البيت في قصيدة له. وقال حُمَيد بن مالك الأَرْقَط، أحد بني ربيعة بن مالك بن زَيْد مَناة:
زَرْعًا وقَضبًا مُؤْزَرَ النباتِ1
وهذا البيت في أرجوزة له، وسوقه: جمع ساق، لساق الشجرة.
ما نزل في أبي ياسر وأخيه: قال ابن إسحاق: وكان ممن نزل فيه القرآن، بخاصة من الأحبار وكفار يهود، الذي كانوا يسألونه ويتعنتونه ليُلبسوا الحقَّ بالباطل -فيما ذُكر لي عن عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله بنِ رئاب- أن أبا ياسر بن أخْطَبَ مرَّ برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يتلو فاتحة البقرة:
{الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 1، 2] فأتى أخاه حُيَي بن أخطب في رجال من يهود، فقال: تَعَلَّموا والله، لقد سمعتُ محمدًا يتلو فيما أنزل عليه: {الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ} فقالوا: أنت سمعتَه؟ فقال: نعم، فمشى حُيي بن أخطب في أولئك النفر من يهود إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا له: يا محمد، ألم يُذكر لنا أنك تتلو فيما أنزل إليك: {الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ}؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "بَلَى" قالوا: أجاءك به جبريل من عند الله؟ فقال: "نعم"، قالوا: لقد بعث الله قبلكَ أنبياءَ، ما نعلمه بيَّن لنبي منهم ما مدة مُلكِهِ، وما أكْل2 أمته غيرك، فقال حُيِي بن أخطب، وأقبل على من معه، فقال لهم: الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، فهذه إحدى وسبعون سنة، أفتدخلون في دين إنما مدة ملكه وأكْل أمته إحدى وسبعون سنة؟ ثم أقبل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا مُحمدُ، هل مع هذا غيره؟ قال: "نعم"، قال: ماذا؟ قال: {المص} [الأعراف: 1] قال: هذه والله أثقل وأطول، الألف واحدة واللام ثلاثون، والميم أربعون، والصاد تسعون، فهذه إحدى وستون ومائة سنة. بخ هل مع هذا يا محمد غيره؟ قال: "نعم" {الَر} قال: هذه والله أثقل وأطول، الألف واحدة، واللام ثلاثون، والراء مائتان، فهذه إحدى وثلاثون ومائتان، هل مع هذا غيره يا محمد؟ قال: "نعم" {الَمر}. قال: هذه والله أثقلُ وأطول، الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والراء مائتان، فهذه إحدى وسبعون ومائتا سنة. ثم قال: لقد لُبِّس علينا أمرُك يا محمد، حتى ما ندري أقليلًا أعطيت أم كثيرًا؟ ثم قاموا عنه، فقال أبو ياسر لأخيه حيي بن أخطب ولمن معه من الأحبار: ما يدريكم لعله قد جُمع هذا كلُّه لمحمد،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 القضبة: الشجرة التي امتدت أغصانها.
2 الأكل: الرزق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Share to:

معجبين برنامج تحفيظ القران الكريم على الفايسبوك